الكلاب والدموع (2)

الكلاب والدموع (2)
المواجهة النبيلة
في صباح من تلك الصباحات البائسة هرعنا الى أكوام القمامة نتسابق مع الكلاب ولكني بعد برهة بصرت به يقف ساكنا يلتفت لفتات خفيفة الى ما حوله فخاطبته قائلا : ما بك تقف ساكنا بلا حراك ؟ فقال .. لا شيء ,فقط أحاول ان أحصي عدد الكلاب !! قلت ! لماذا ؟… يالله .. أيراد لهذا شحذ ذهن وإصغاء ؟ وأكملت .. أنها ستة .. يالله خلصنه .. فأجابني بهدوء : والله لقد أخطأت العد !! إنها ثمانية وأردف باستهزاء, لماذا تغفل عدنا نحن الاثنين ؟ وأضاف .. أتدري .. نحن لا نختلف عنها بشيء !! ولكن الإقرار بالحقيقة أمر صعب لا يسهل تقبله !! صدمني كلامه بشدة أختض لها جسدي وملأتني موجة بؤس كريهة ولكني تماسكت نفسي بصعوبة وبعد جهد قلت له: أنت اليوم تعبان وعسى ان تكون عاقبة هذا الصباح خيرا , فقال لي هامسا : لا تعبان ولا هم يحزنون , ولكني أيقنت وامتلأت أعماقي بالحقيقة المرة التي تؤكد أننا لا نختلف عنها بشيء , ولا استطيع ان أوهم نفسي بغير ذلك !! فتأكدت ان أعماق هذا الرجل امتلأت بكل مرارات الدنيا حد الثمالة ولكن تمكن من إقناع نفسه وأسس قيادة أعنتها بدون عناء , وكم حسدته على ذلك .
انتبهت ذات صباح على شيء مريب كنت قد أغفلته بسبب اللامبالاة التي تستوطن أعماقي ! عادة أدمنتها ولم استطع منها فكاكا , أخافني جدا تصرفه ذلك انه وعند امتلاء أكياسنا يسير مسرعا وأنا خلفه متجها الى جزرة وسطية في الشارع العريض انتصبت في مركزها صورة كبيرة تؤطرها أضوية كاشفة , يضع بضاعته تحت الصورة مباشرة !! فهالني ما يفعل ! قلت متسائلا وأنا احمل بضاعتي واقف قبالته على الرصيف : ماذا تفعل ؟ ها .. أعاقل أنت ؟ تعال واترك هذا المكان … وأردفت بقلق , والله لو اجتمع الجن الأسود وأخيه الأبيض لما وجدا لنا أثرا إذا أبصرت بنا بعض من تلك العيون المتلصصة وما أكثرها ! فقال ببرود : .. لا جن اسود ولا ابيض.. أنت لا تعلم أنني وقبل مجيئك قد أدمنت الوقوف جنب هذه الصورة ! وقوفي جنبها يشعرني بارتياح كبير .. أحس باني حي وأضاف : أنا اعرف انك تهزأ مني أنا اعرف ما أقوم به وهم أو ضعف أو … أو … جبن … لا يهم ولكن الا تعتقد ان الوهم في كثير من الأحيان يديم البعض من أدوات البقاء .. لا تعترض… إياك ان تعترض … وصرخ عجرفة مؤلمة فانا … انا … أغيضها بأسلحتي النبيلة هذه !! وأشار بيده الى أكياس النايلون المليئة بقطع البلاستك التالفة !
اقترب مني محتضننا أياي بحنان وكانت عيناه تذرف الدموع بصمت وبلا شعور وجدت يداي تطوقان عنقه بألفة غامرة وهبطنا متعانقين وافترشنا أرضية الشارع تغسل أدران لحظتنا البائسة دموعنا التي انهمرت بغزارة والكلاب قد اشرأبت بأعناقها إلينا هادئة تنظر بحنان هي الأخرى .
كريم جبار الهلالي – بغداد
/8/2012 Issue 4278 – Date 15 Azzaman International Newspape
جريدة الزمان الدولية العدد 4278 التاريخ 15»8»2012
AZPPPL

مشاركة