الكرد يغلبون العقل على المواجهات الهوجاء – منير حداد
لقاء رئيس إقليم كوردستان نيجرفان بارزاني، القادة الاتحاديين، خلال زيارته بغداد، يدل على الميل التأملي لدى الشعب الكوردي، الى لغة العقل والحوار المنطقي، وصولا الى حل المشاكل العالقة، بدل الإنفعالات الهوجاء التي تعقد السبل وتدخل الاطراف كافة، في خانق من تحديات تستنزف قدرات العراق الاقتصادية وتوهن بنيته السياسية؛ جراء إنقسام مواقف أبناء الوطن الواحد، تبع الاصطفافات الأثنية والمصالح التي يراد بها تمرير منافع وتسويف وعود وتبرير أخطاء، تضر العراقيين.. كوردا وعربا وتركمانا وكلدوآشوريين ومكونات أخرى شريكة في الوجود الحتمي الذي لا يمحوه كره ولا يؤكده نفاق.. فالحق يفرض نفسه بوسائل تسدد التوجهات الى أهدافها، تبلغ بالمرامي سبل النفاذ.
ثمة منتفعون من ربكة البلد وتشنج الاراء، يسعون الى الحيلولة دون بلوغ الإشكالات منطقة حوار يفتت العقد ويحلحل الأزمة ويستحدث مسارب لتفريج الاحتقانات.
هؤلاء مؤشرون يكشفون عن أنفسهم بمصادرة الحق الكوردي المكفول دستوريا، مهاجمين قومية فطرها الرب على الأرض منذ بدء الخليقة؛ الأمر الذي يبعث على التساؤل: هل الاعتراض على إرادة الخالق أم حق المخلوق!؟
مهاجمة كل ماهو كوردي، من دون أسباب ولا تحسب للمؤديات التي تنتج عنها ملابسات مثل تلك التي إحتار صدام بإحتوائها بعد أن ورطته إرادات عالمية نافذة، بغزو الكويت “يحتار بلمها المد إيده”.
يلوحون بأن العراق “يوتوبيا – جنة على الارض” والمشاكل العالقة فيه، صنعها الكورد.. وهو إيحاء لئيم، فنده قدوم الرئيس نيجرفان الى بغداد مفاوضا القادة وأصحاب الرأي والمؤثرين في المسارات الوطنية، ترجيحا للفهم الحواري الراقي، على الانفعالات الهوجاء المؤدية الى ردود أفعال أقسى.
لغة العقل
يعني.. بصرني بمعاناتك، أساعدك على تخطيها، لكن تستغفلني كي تتخطى الحق الى الباطل، وتريدني ظهيرا للظالمين؛ حينها ستلقى مني ويلا وثبورا ” وما ظلمناهم ولكن كانوا أنفسهم يظلمون”.
لقاء نيجرفان برئيس الوزراء الأسبق د. حيدر العبادي، دل على ان الكورد يغلبون لغة العقل والتفاهم، ولا مطامع لهم بما هو ليس حقهم، مثلما لخص الحسن البصري، تصوفه بحكمة: “أنا زاهد بكل ما حرم الله، مستمتع بما حلل”.. بينما العبادي متشنج في علاقته بالكورد، لأسباب غير مفهومة، مع أن أحد الساسة الكبار.. مازحني: “العبادي منكم.. أنتم الكورد الشيعة”.
حضرت وفود كوردية من أعلى المستويات في الإقليم، الى بغداد لمناقشة الميزانية.. قبلت بكل الحلول المطروحة.. لا عن ضعف؛ إنما لكي تبحر سفينة الوطن ولا تتوقف المراكب السائرة؛ لأن “شعرة بين عاقل ومجنون لا تنقطع” والحليم قادر على إيجاد حلول سلمية بدل الجهنمية.. وما أسهلها.
أصغت وفود كوردستان الى العاصمة الاتحادية.. مركز الحدث، بإحترام حتى للنوايا الالتفافية غير البريئة؛ لأن السياسة قائمة على مبدأ “خذ وطالب” لكن الكورد حتى الآن لم يطالبوا ولم يأخذوا، إنما يتحاورون بعقل منطقي على أمل التواصل الإيجابي مع “رجل رشيد”.
وبهذا يثبت الكوردي أنه إنسان متصالح مع نفسه، قادر على فتح حوار واثق من حججه، ساعيا الى إنصافه في ما شرعه له الرب والقانون والعرف الاجتماعي؛ لأن كورد الاقليم شركاء في الوطن الإتحادي؛ إنطلاقا من كورديتهم، مثلما ابن البصرة، عراقي ببصراويته وابن تكريت.. عراقي بتكريتيته وهذا بكربلائيته وذاك عراقي بموصليته، فلا يصادر أحد كوردية الكوردي في إقليمه؛ ظناً بأن الإنتماء الفئوي يمسخ الوطنية.. كلا؛ لأن الولاء دوائر تحيط أخلاق المواطن؛ فمن لا يبر والديه لن يحترم زوجته ولا يحسن تربية اولاده ولا يلتزم مسؤلياته الوظيفية ولا يخلص في عمله ولا يؤدي فروض الرب بسواء مستقيم ولا يعمل بالولاء الوطني والايمان بالله (و. هـ . م).
فلا عراقية لكوردي من دون إقليم مكفول دستوريا، وهو ما أكدته زيارة الرئيس نيجرفان لمحاورة اصحاب القرار الاتحاديين؛ علّ الذكرى تنفع المؤمنين، حتى من تنكر منهم لأصوله الكوردية؛ بغية تحقيق مكاسب إتحادية على حساب الانتماء لنفسه، وهذا الإنموذج يبرأ منه الكورد، مثلما يبرأ هو من نفسه منقسما على ذاته.
توحدت ذوات الكورد مع وعيهم، في موقف واضح، قابل للحوار بين رئيس الاقليم، ومتنفذي الحكومة الإتحادية؛ أظنه سيسفر عن نتائج طيبة.
تجربة الاقليم
وكنت أتوخى من “رجل المركز الرشيد” إن وجد، يستفيد من تجربة الإقيلم في ما حقق من نمو حضاري.. عمرانيا وثقافيا وإجتماعيا، برغم الحصار المفروض عليه من العاصمة الاتحادية.
بنت حكومة إقليم كوردستان مدنا وأنشأت جسورا ةفتحت الإستثمارات الى أقصى ما يخدم مواطنها ومدت شبكة علاقات مع الجميع.. من دون عقد بلهاء.. لمصلحة العراق كاملا.. لو تعقل القرار الرسمي في المركز.
وما دام أصحاب العقد والحل، في الحكومة الإتحادية يفضلون المزايدات الجوفاء ضد هذه الدولة وولاءً لتلك الدولة، من دون حساب لدرجات الفائدة في جدول المنفعة؛ فليتحملوا وزر ما يفضلون، ويدعوا الإقليم يواصل نهضة الارتقاء الحضاري، التي بدأها منذ إنسلخ عن صدام في العام 1991 مشيدا بنيته الشامخة، على الرغم من قلق إحتمالات الطاغية التي لا يمكن التكهن بها…
العقل التأملي يستل الافعى من جحرها، والاهوج يذبح الثور ويكسر الكوز، كما تقضي “عرفة أم عامر”.
الاقليم مستعد لمد يد العونة لإخوته.. شركاء الوطن، ما داموا صادقين في النزاهة وليسوا مواربين يزورون نحو الفساد زلفى… ولعنة الله على الموتورين الحاقدين الذين يكيلون بمئة مكيال، ضد التجربة الحضارية المتوهجة في… كل ما هو كوردي.
فلا تدمروا بلدا؟ إستعدناه من مخالب الطغاة بدماء مسفوحة واموال مهدورة وقلق ممض ومشاعر جياشة.. لا تطفئوا جذوة الانتماء الكوردي الى الوطن الموحد.. العراق، بغمط حقوق قدم رئيس الاقليم للتفاهم بشأنها.. لا تواجهوا السماحة بالقسر فيخسر الجميع لا سمح الله.. صالحوا أنفسكم “ما جدوى ان تربح العالم وتخسر نفسك” وقد جاء رئيس الاقليم بالبشرى؛ فإنتهزوا السانحة لتسوية الامور وتنقية الاجواء وتصفيتها من العكرة المفتعلة ضد حقوق أقرها الدستور “ولسوف يعطيك ربك فترضى”.