
كلام أبيض
الكتابة ( ببلاش) – جليل وادي
ما أرخص الانسان في بلادنا ، على عكس بلاد الدنيا التي ترى فيه قيمة عليا ، ووجودا مقدسا ، فتراه يقتل عندنا وتهدر كرامته وتصادر حقوقه بلا سبب وجيه ، فهل يُعقل أن يُقتل انسان يريد لبلاده وزنا ، وأن ينعم الناس بحياة رغيدة مماثلة لما عند الغير ، واستعادة هوية مفقودة يتطلع العراقيون للتميز والفخر بها بين الآخرين ؟ هم استثنائيون بكل شيء ، فلهم من التاريخ أعمقه ، ومن الخصال أشرفها ، ومن الطباع أنقاها . وهل من الخطأ أن يتظاهر الناس لإصلاح خطأ في مسار ، فلم تنهش فيهم مخالب كل من أصبحت له سلطة عليهم ؟ فيساقون للموت سوقا ، ولا أحد ممن تولى أمرهم يوقف الموت عند حده ، ويعيد للإنسان قدسيته ، ومنحه من الحقوق أدناها ، وعندما يصرخ متألما يصنف في خانة المتمردين والعملاء ، والمقلل من هيبة الزعماء ، والمشوه لصورة انجازاتهم ، فيُجبر الشباب على الفرار بجلودهم لأوطان الغربة ، ويُسحق بالأقدام من تبقى داخل أسوار المستنقع ، وليس بوسعهم سوى الأنين ، وكأن من حولهم صم بكم ، لا يسألون ، لا عن هذا ولا عن ذاك ، وطالما استمر سلوك اللامبالاة فلا تتوقع ارتقاء للبلاد ، ولا تستغرب استباحتها ممن كان محل تندر او محط شفقة .
ولأن قيمة البشر لدينا هكذا ، فتخيل ما قيمة فكر المبدعين منهم ، ، فما من محتف به ، ولا من يوليه المنزلة التي يستحق ، ولا يحقق صاحبه منه فائدة ترتجى لحياته ، بل على عكس ذلك تماما ، يقطع المبدع من قوت عياله ليسّوق فكره ، والأمثلة كثيرة ، فلكي تصدر كتابا أمامك طريقان اما أن تطبعه على حسابك ، او تمنحه بلا ثمن لدور النشر بحقوق ملكية مدى الحياة ، مقابل نسخ محدودة تستحي حتى أن تذكر عددها ، ولأنك تريد لفكرك الانتشار ، ولشخصك الحضور ، والمساهمة بقدر ما تستطيع في بث الروح لوطن وامة تحتضران حتى وان كان تأثيرك لا يعدو الواحد من الألف ، وعدم الوقوف متفرجا ، بينما وطنك يئن من عميق الجراح ، وشعبك يتراجع في حين الامم تتقدم .، فما من خيار سوى الموافقة .
وتسعى لنشر أبحاثك العلمية في مجلات محكمة ، ولكن عليك أن تدفع ثمن نشرها ، فتقطع أيضا من قوت عيالك لتدفع لها ، ومؤخرا عقّدت الجهات المعنية بالبحث العلمي من شروط الترقيات لتربطها بالنشر في مجلات عالمية يقتضي النشر فيها مبالغ تزيد أضعافا عن تلك التي تدفعها للمجلات المحلية ، ولا أحد يعوضك ما دفعت .
وينطبق الأمر نفسه اذا ما رغبت بالكتابة في الصحف والمجلات العامة ، فلا يدفعون لك ثمن فكرك والوقت الذي أنفقته في الكتابة ، والعذر ان الصحافة تمر بأسوأ حالاتها ، وليس لها القدرة على مكافأة كتابها ، فالورق والأحبار غاليان ، والمبيعات في تراجع ، والاعلانات في أضيق الحدود ، وكلها أعذار صحيحة ، فتتضامن مع مناهل الثقافة وتستمر بالكتابة .
ويُطلب منك المشاركة في مناقشة رسالة ماجستير او أطروحة دكتوراه ، وتستغرق في قراءتهما اسبوعين على أقل تقدير ، وتنفق يوما كاملا في المناقشة لا سيما اذا كنت من محافظة اخرى ، وثمن كل ذلك 75 الف دينار لرسالة الماجستير ، و100 الف دينار لأطروحة الدكتوراه ، ويدفعان لك بعد مرور ما لا يقل عن سنة في أحسن الأحوال ، مع انك دفعت نقدا نصفهما اجور نقل من بيتك الى الكلية التي ستجري فيها المناقشة ، وبقدرها اذا أردت تناول وجبة غداء او فطور وغيرهما ، وفي أحيان معينة تضيع عليك اجورك ، ناقشت في احدى الكليات العريقة خمسة رسائل للماجستير ، ومضت خمس سنوات ، لكن اجورها لم تصلني حتى الآن ، هذا جزء من الجهد المجاني ، وغيره كثير يطول الحديث فيه ، لست متأسفا على ما أقوم به أبدا ، لكن كونوا على ثقة عندما يكون الفكر بلا ثمن لن نخطو خطوة واحدة الى الأمام .
jwhj1963@yahoo.com



















