الكاظمي إلى واشنطن: زيارة أم مغامرة ؟ – علي طه عبد الله الجميلي

الكاظمي إلى واشنطن: زيارة أم مغامرة ؟ – علي طه عبد الله الجميلي

وصل السيد الكاظمي إلى الولايات المتحدة الأمريكية،لإجراء لقاءات مع كبار الساسة فيها (20أغسطس) الجاري بعد الدعوة التي وجهتها إليه الإدارة الأمريكية من أجل استكمال المباحثات،التي قام بها الطرفان بتاريخ (10 حزيران) الماضي من هذا العام والذي عرف “بالحوار الاستراتيجي” الذي تناول الجوانب الاقتصادية والاستثمارية وكذلك مجال الطاقة والأمن،وجاء الحوار بعد التوترات التي حصلت في المنطقة المحيطة بالعراق وتأثيرها على الداخل العراقي. ولكن زيارة الكاظمي تواجه العديد من التحديات داخلية وإقليمية،وحتى مع الإدارة الأمريكية،التي ستكون جادة في التعامل مع الوفد العراقي بخصوص مصالحها الاستراتيجية،لا سيما أن قواتها تواجه تحديات من قبل الفصائل المسلحة الرافضة لوجودها داخل البلاد،مستندة إلى قرار مجلس النواب الذي أشار إلى بضرورة خروج القوات الأمريكية؛ لأنها ترى في وجودها انتهاك للسيادة الوطنية.

 التحديات الداخلية:

هناك تحديات عدة تواجه حكومة الكاظمي وأبرزها وأكثرها صعوبة؛ مسألة الرفض للوجود الأمريكي من قبل الفصائل المسلحة التي تمتلك القوة للتأثير على مجريات الأمور في العراق،وترى ضرورة الوقوف مع الجارة إيران ودعمها من أجل إفشال الحصار المفروض عليها؛ كونها وقفت مع العراق خلال أحداث تنظيم “داعش”،والأمر الآخر التظاهرات المطالبة بالخدمات في المحافظات الجنوبية التي ألهبها فصل الصيف الحارق،وكذلك الخروقات الأمنية التي أطاحت بقيادات أمنية كبرى وعُزلت من مناصبها بسب فشلها في إدارته،فضلًا عن الانتخابات التي يمكن أن تكون مسألة معقدة للغاية بسبب وجود عراقيل؛ منها ملف المحكمة الاتحادية والمسائل الفنية التي تتعلق بالانتخابات نفسها،ولا ننسى جائحة كورونا وعجز الحكومة عن السيطرة عليه،وقد أخذت الأعداد بالارتفاع حتى تخطت حاجز 4000 إصابة يوميًا. وكذلك الخلاف العقيم مع حكومة الإقليم وقد حاول الكاظمي تهدئته الأوضاع بإرسال نحو 320 مليار دينار عراقي،حتى يأمن جانبهم؛ أما القوى السنية التي لم يعد لها ذاك الدور،بعد الخراب الذي أصاب مدنهم وفضلوا أتباع سياسة محايدة حيال الخلافات الداخلية،سيما بين المركز والإقليم،إلا في مسألة خروج القوات الأمريكية فإنهم فضلوا بقاء هذه القوات كضامن لهم وللحفاظ على التوازن أمام القوى الشيعية التي تمتلك السلطة،لذلك لديهم تحفظاتهم الخاصة بهم واتصالاتهم الأمريكان لدعم ذلك،وهذا قد صرح به الكثير من المسؤولين الأمريكيين.

التحديات الخارجية:

هناك الكثير من التحديات والمخاطر التي يصل تأثيرها إلى قلب العاصمة بغداد،حيث تقوم تركيا بعمليات عسكرية في شمال البلاد لملاحقة عناصر حزب العمال الكردستاني،وقد اخترقت قواتها العسكرية سماء البلاد وأراضه،لا سيما أن القصف الأخير الذي أسفر عن سقوط بعض الضباط من حرس الحدود العراقي،وكذلك مسألة الخلاف الأمريكي الإيراني ودوامة المحاور التي تؤرق الحكومة،وتأثير ذلك على البلاد سياسيًا واقتصاديًا وأمنيًا،ورافقها تهديدات واضحة وصريحة صدرت عن الإدارة الأمريكية بإمكانية فرض عقوبات على العراق وترجم ذلك بفرضها على بعض الكيانات والأشخاص.

الخلاف العربي الإيراني الذي أربك جدول الزيارات الخارجية للسيد الكاظمي،بعد الزيارة المقررة إجراؤها للمملكة العربية التي سبقها وزير خارجية إيران ” ظريف” مما أثر على الزيارة،وقد طلبت الرياض من بغداد تأجيل الزيارة؛ بحجة تأثر الحالة الصحية للملك سلمان بن عبدالعزيز،وأقتصر على الوفد الذي سبق الكاظمي برئاسة وزير المالية السيد علاوي،ولم يُحدد إلى الآن موعد لزيارة جديدة إلى الرياض على الرغم من الدعوة التي وجهتها المملكة للكاظمي.

يضاف إلى ذلك الاعتراف بإسرائيل،لا سما بعد قيام الإمارات العربية بتطبيع كامل علاقاتها مهم وتبادل السفراء وعلاقات اقتصادية،والترحيب الذي خرج من بعض الدول العربية،لا سيما البحرين ومصر،وهذا سيشجع واشنطن للطلب من حكومة بغداد بإجاد حل لمسألة الاعتراف،وهذا بطبيعة لا يمكن مناقشته لأنه يواجه رفضًا شعبيًا،ولن تتجرأ أي حكومة بمصارحة الشعب بمسألة التطبيع،لذلك ستقوم الحكومة بالتزام الصمت أو الاستنكار الخجول،أو عدم التدخل قطعًا.

التحديات الأمريكية:

سوف يواجه الكاظمي في واشنطن تحديات كبيرة مع المطالب الأمريكية التي تسعى إلى تغيير الوضع في العراق،لا سيما محاربة الفصائل المسلحة وإيجاد صيغة حل للحشد الشعبي عن طريق دمجه في وزارتي الدفاع والداخلية،حماية سفارتها،وعدم تكرار الحوادث السابقة التي قام بها متظاهرون غاضبون بعد استهداف المهندس وسليماني على طريق مطار بغداد الدولي،وتنقسم هذه المطالب إلى بعيدة وقصيرة الأمد،وهذا سيطالب به صناع القرار من أعضاء مجلس الشيوخ،وكذلك أصحاب رؤوس الأموال المؤثرين على صنع القرار في الإدارة الأمريكية،إضافة إلى مراكز الدراسات البحثية والإعلام الذي يمتلك تأثيرًا على الرأي العام الأمريكي،وأيضًا قصيرة الأمد؛ التي تتعلق بفوز الرئيس ترامب بولاية ثانية،التي يفصلنا عنها (الانتخابات الرئاسية) سوى ثلاثة أشهر،لذلك سيشكل ضغطًا على الوفد العراقي في الكثير من المسائل التي يمكن أن تؤثر على رصيده الانتخابي.

الضغط على الحكومة من أجل تحسين علاقاتها العربية لا سيما مع الدول الخليجية منها،التي فتحت صفحة جديدة مع الحليف الاستراتيجي للولايات المتحدة ((إسرائيل))،من خلال البدء بعلاقات اقتصادية ومن ثم الدخول معها في علاقات سياسية متينة انطلاقًا من مسألة العروبة،ولكن المشكلة في الدول العربية نفسها التي ما زالت لا تثق بحكومة العراق وتحسبها على إيران،وهذا الأمر حاولت الحكومات المتعاقبة ايضاحه للعرب بأن العراق بلد يعمل من منطلق حسن الجوار والمصالح المشتركة ،وأنه لا يشكل خطرًا على أي دولة كانت.

مدى تأثير الزيارة على الواقع؟

يرى البعض أن الطريق ما زال طويلًا أمام الحكومة العراقية وأمامها عقبات كبرى وأن التغيير يجب أن يكون داخليًا ولن يأتي من الخارج،وعلى الأطراف التوافق وتوحيد الصف من أجل إخراج البلد من أزماته الداخلية،ولكن لو عمل السيد الكاظمي على تحقيق بعض المسائل البسيطة التي يمكن أن تعود بالنفع،مثل محاولة اتباع سياسة الحياد والابتعاد عن المحاور،لا سيما المحور الإيراني،وبيان الوضع الجديد للعراق الذي أنهكته الحروب والحركات الإرهابية،وكذلك مسألة تطبيع الإمارات لعلاقاتها مع إسرائيل ولكن هل تكتفي الإدارة الأمريكية بهذا القدر؟ والتركيز على مفاصل الحوار الاستراتيجي وآثاره على البلد طبقًا للاتفاقية التي عقدت معها خلال حكم السيد المالكي آنذاك في عام 2009م. وترى بعض الأطراف العراقية أن مجرد جلوس الكاظمي مع ترامب يمثل حساسية،لأنها تتخوف مما قد ينتج عن هذا اللقاء من إجراءات،وتفضل أن يكون الحوار من أجل الاقتصاد وتقديم المساعدة المالية والصحية للبلد من أجل تجاوز أزمته الحالية،ولكن هل تقدم الإدارة الأمريكية مساعدتها بالمجان؟ أبدًا؛ فهي تريد رؤية النتائج سريعًا على أرض الواقع وتمتلك عوامل التأثير على مستوى العالم،ومن الممكن في حالة أخل العراق بالتزاماته أمامها أن تفرض عقوبات اقتصادية عليه،ونحن لنا تجارب سابقة مع العقوبات الأمريكية وآثارها بعيدة الأمد على البلد ومستقبله،وقد حذرت أطرافٌ عراقية أخرى من قبول الإملاءات الأمريكية التي يمكن أن تكبل قرار البلد السياسي والاقتصادي! وحيال الجدل المحتدم وصل إلى بغداد قائد فيلق القدس الإيراني ” قاآني” في زيارة لم يعلن عنها أو مضمونها،غير أن الكاظمي هو الذي قطع الشك باليقين،وقال: (لن أكون ساعي بريد) وهذا يدل إلى رغبة طهران بعث رسالة إلى واشنطن من أجل تهدئة الأمور والبحث عن حل لأزمتها التي سببها الحصار الأمريكي،ولكن السؤال هنا؛ لماذا رفض الكاظمي نقل الرسالة أن كانت ايجابية؟ وهل تسأله عن فحوها إدارة ترامب وما ردها؟ يتوقع البعض أن إدارة واشنطن تبحث عن التصعيد مع طهران من أجل الفوز بولاية رئاسية ثانية.

الجميع يترقب هذه الزيارة ومخرجاتها التي جاءت في هذا التوقيت الحساس والمهم،لأن القوى السياسية بدأت بالتذمر من إجراءات السيد الكاظمي الذي قال قبل صعوده الطائرة من أجل المغادرة إلى واشنطن: (سأتابع بنفسي قضايا الفساد والاغتيالات)، وهذا يدل أنه يحاول أن يبين للجميع بأنه مصمم وعازم على تنفيذ وعوده وإصلاح الأوضاع في البلاد قبل إجراء الانتخابات المبكرة،كما أراد أن تراه الإدارة الأمريكية بأنه الشخص الذي يمكن الوثوق به والاعتماد عليه،ولكن الأمور على أرض الواقع معقدة لدرجة شديدة الخطورة والوضع يزداد سوءًا.

مشاركة