القوارير هاجس البيضاني الذي لاينتهي

القوارير هاجس البيضاني الذي لاينتهي

نجاح الأسلوب الأدبي يكمن في صنعة السرد والإخلاص للواقعبغداد – نضال الموسوي

عبد الستار البيضاني كاتب وروائي معروف، عرفته اديب دؤوب يعمل بصمت، خرجت من تحت عباءته قصص وروايات جميلة ومتميزة.

اخر ماسطر على الورق الابيض سيناريو فيلم روائي عنوانه (سر القوارير). عنه وعما يدور في خلده من افكار حكايا وروايات جديدة كان لنا معه هذا الحوار :

{ حدثنا عن سر القوارير؟

– انها قصة اجتماعية تقع احداثها في خمسينيات القرن الماضي في مجتمع ريفي، وهي قصة افتراضية لاتوجد اية شخصية حقيقية في متنها. والقصة قائمة على محورين الاول يتناول المرأة الجميلة والقوية التي تقع قوتها في حكمتها، وهذه المرأة موجودة في الريف العراقي، واشبهها بالمرأة الامازونية، ودائما ماتشغلني هذه القصة اذ يوجد سر غامض في قوة المرأة.

وفي المحور الثاني للقصة اتناول عالم الطواشات اي النساء اللاتي يعملن في مواسم جني التمور حيث يتميزن بعالمهن الاجتماعي الخاص ويومياتهن خلال وبعد العمل.، ودمجت هذين المحورين في سيناريو واحد، حيث ابرزت الجانب الميثيولوجي الجميل والجانب الفكري. واحببت ان اوثق هذه القصة من خلال السينما.

{ عبد الستار البيضاني كيف جاءت فكرة القصة في رأسك وقررت ان تنفذها على الواقع؟

– بطبيعتي انا كاتب كسول بعض الشيء لكني حاولت ان اكتب للمشاركة في بغداد عاصمة للثقافة عام 2013، ففكرت بكتابة شيئ عن فدعة بمقترح من المخرج علي حنون، لكني رأيت ان اكتب قصة جديدة تحمل المضمون نفسه، فكان ان كتبت قصة وسيناريو وحوار فيلم سر القوارير وقدمته الى وزارة الثقافة وحصل على موافقة اللجان المختصة.

ولكن الذي حدث انني قاطعت الفيلم لانه اضافوا شخصيات للسيناريو لااعرفها ولم يستمعوا الى ملاحظاتي.

وعندما زرت مواقع التصوير شاهدت هناك ملاحظات واخطاء في البناء لاتلائم احداث الفيلم على الرغم من صغرها الاانها اثرت على مسار القصة، فحتى المشهد ال 92 كنت متفقاً مع المخرج عليه ولان السينما تحتاج الى تعمق وقوة ملاحظة بعدها كتبت ملاحظات كثيرة عن اخطاء حياتية واخبرت دائرة السينما والمسرح بها الا ان المخرج لم يأخذ بها…. وتحطم حلمي… كنت احبذ ان اقدم الهويه العراقية وبعض اغاني العمل. ويقال ان الفيلم في مرحلة المونتاج.

واقولها الان انا غير مسؤول عن التغيرات التي حدثت في السيناريو من دون علمي، واعتقد ان الفيلم سيقابل بعاصفة من الانتقادات لاسيما بسبب بناء البيوت وطبيعة القرى لاني كل مشهد كتبته في الفيلم بعد تفحص مثلا كيف يصح ان تكون بيوت القصب داخل بستان النخيل وكيف يكون المضيف داخل البيت العائلي، ولااعرف كيف لم يلاحظوا هذه الاخطاء، وهكذا… وطالبت بتشكيل لجنة لمتابعة تنفيذ السيناريو والتدخلات التي جرت عليه ولم يخبروني بأي شيء لذلك انا لااعرف اي شيئ عن الفيلم الان.

{ عبد الستار البيضاني ماهو اول سيناريو كتبته وانطلقت بعدها في كتابة السيناريوهات؟

– بطبيعتي احترم الاجناس الادبية، وكان زارني الاعلامي شاكر حامد عام 1998 وبتكليف من المخرج فيصل الياسري ان اكتب مجموعة سيناريوهات للشركة التي يديرها الياسري، وبدات بكتابة سيناريو فيلم عن شارع الرشيد خزانة ذاكرة بغداد واستعنت به بالجانب الغنائي والمعماري يبدأ بغناء ام كلثوم وفائزة احمد.

{ وماعلاقة ام كلثوم وفائزة احمد بشارع الرشيد؟

-لان الرشيد يبدأ من ساحة الميدان حيث غنت ام كلثوم عام 1935 في ملهى الهلال الذي يقع الان عند مدخل سوق الهرج، وانطلقت فائزة احمد من تسجيلات الجقماقجي الذي يقع في اخر بناية من شارع الرشيد عند جسر الجمهورية، وبعدها نشر السيناريو كنص ادبي في مجلة ثقافية وكان من اجمل النصوص الذي قرأها المذيع نهاد نجيب حسب قوله. وعلى اثره طلب المخرج فيصل ان اكتب اربعة افلام اخرى هي السمك المسكوف وبيت الحكمة والحياة البغدادية من خلال المتحف البغدادي واكيتو عيد راس السنة السومرية ومن ثم كتبت ل اي ار تي عام 2000 برنامج لمدة ساعتين عالمها يتناول اهتمامات وعوالم المراة في الماضي والحاضر مع فريق عمل ضم مجموعة مخرجين منهم صائب غازي وسعاد السامر وتاليفي والمذيعة ايمان صادق مع تمارة محمود واسيا كمال وعملت سبع حلقات من البرنامج.

{ عبد الستار البيضاني اي السيناريوهات استمتعت في كتابتها واحببتها وكانت قريبة الى نفسك؟

-في كتابة سيناريو شارع الرشيد واكيتو ايضا.

{ واين وجدت الصعوبة في كتابته؟

-سيناريو اكيتو وذلك لصعوبة ايجاد معادل صوري لاحتفالات راس السنة السومرية اور، حيث يعدهذا اول احتفال بعيد راس السنة بتاريخ البشرية.

{ البيضاني اين يجد نفسه بين القصة والرواية؟

-اجد نفسي في القصة القصيرة حيث اجدها عمل فردي ولحظة اكتناز تشبه لحظة الحب تتناسب مع تركيبتي النفسية كوني غير صبور بالكتابة مع انني احب الرواية ولدي اكثر من مشروع لكنني افتقد المطاولة. والسينما بالنسبة لي اجدها عمل جماعي لااتمكن من خلالها ان اجد نفسي فضلا عن انني صدمت باخلاقيات بعض العاملين فيها.

{ ماذا عن طقوسك في كتابة الرواية والقصة؟

-دائما يسيطر الخوف علي قبل الكتابة، وعندما ابدأ بالكتابة ارتجف واحاول الهروب، لهذا لدي عشرات القصص غير مكتملة عندها لااشرب ولااكل، انسى كل شيء ولااستطيع الكتابة على طاولة انما اكتب وانا مستلقي على فراش النوم، وعندما انتهي من الكتابة احيانا اغني وافرح واحيانا اهمل القصة بعد انتهاءها واعود اليها بعد نحو ستة اشهر واقرأها بعين الناقد، ولااعرف لماذا في الغالب احذف مقدمة القصة قبل تقديمها للنشر.

{ ماهي الموضوعات التي تتبلور في مخيلتك خيوطها لتنسجها في كتاباتك؟

-عندما تراودني فكرة تنفجر بداخلي في زمن غير معلوم قد يطول او يقصر لكنه انفجار مفاجئ بالنسبة لي، وهذا ماحدث في قصة (مأتم تنكرية) التي ترجمت الى الاسبانية عام 2004 ترجمها مستشرق اسباني وصدرت ضمن سلسلة فكثيون التي نشرت افضل الاعمال العالمية منهم ماركيز وجاك لندن.

وفكرت بكتابة هذه القصة الحقيقية بعد تحويرها عام 1985 ونويت كتابتها وهي قصة امرأة تبحث عن ابنها بعد 13 عام كتبتها وبدأت بها من التاسعة صباحا حتى السابعة عصرا وتعد اطول قصة لي ولم اغير حرفا واحدا بها عند تقديمها للنشر، كما ليس لدي شخصية كاملة انما الرواية تبنى من شخصيات كما في روايتي (لجوء عاطفي) كتبتها عام 2002 صدرت عام 2004 وهي قصة حب طرحت فيا مشكلة الحصار الذي طوق العراق في تسعينيات القرن الماضي. واخر مجموعة قصصية صدرت لي عام 2011 (تحت خط الحب) ولدي مجموعة كتب ومخطوطات لم اصدرها.

احاول ان اطبع رواية القصصية قديمة اسمها (لن ياتي الصباح هذه الليلة) ابحث عن دار نشر لطبعها.

{ ماذا عن اسلوبك في الكتابة؟

-اسعى الى الكتابة عن البيئة العراقية واركز بشكل مكثف عن الجانب البيئي والمشهد البصري. اتعمق برسم الاشياء وجاء هذا عن دراسة ووعي فانا مع الرواية اوالقصة التي تريك الحياة حتى ان بعض النقاد يتهموني باني متاثر بماركيز.

{ عبد الستار البيضاني ماذا في جعبته من جديد؟

– جهزت مجموعتي (المسلات) ساقدمها للطبع هذه الايام فضلا عن روايتي المذكورة اعلاه وباشرت برواية جديدة اتناول بها تحولات المثقف العراقي بعد 2003 من خلال متغيرات الحرب.

{ ماذا عن افاقك المستقبلية؟

-اعيش مرحلة احباط وانكسار حلم بعد الذي حدث في العراق ولاسيما انا من الناس الذين اندمجوا بالحياة بعد 2003 وحاولت اعمل في منظمات بالصحف والاعلام وزرت مؤسسات لكني رايت انكسار الحلم.

وسالت الشاعر البياتي سنة 1995 عندما يسقط النظام سيرجع عشرات الادباء العراقيين من المنافي، لكن سقط النظام وفوجئت بالجراد ياكل المشهد الثقافي والاعلامي.

{ عبد الستار البضاني هل تتامل او تنظر ان يزول الاحباط؟

-على المدى المنظور كلا لان الفساد اصبح مؤسسة متكاملة تحمي نفسها. واثبتت المرحلة هشاشة المثقف العراقي فهو لم يكن (مثقف عضوي) على حد تعبير غرامشي، وبرايي لايلوح بالافق اي شيء لان الفساد مستشري ولكن ليس لدينا غير هذا البلد وعلينا ان نتفاءل او نضع تفاؤلنا.

{ من هو عراب عبد الستار بالكتابة؟

– لاتوجد شخصية محددة، فانا ينطبق القول علي (الاسد مجموعة خراف مهضومة) مع انني كنت معجب بماركيز وهيرمان هسه والادب الياباني، لكن بعد المقالات التي كتبت عن مجموعتنا المشتركة (اصوات عالية) وجدت انني بحاجة الى ايجاد اسلوب خاص بالكتابة، فكان ان درست مجموعة اعمال اعتقد انها الافضل، وماهو سر افضليتها مثل (تسع قصص) لسانجر و (اجمل رجل غريق في العالم) لماركيز و الاعمال الكاملة لتورغينف و اللملكة السوداء لحمد خضير ووجدت ان سر النجاح هو صنعة السرد والاخلاص للواقع فعملت على الاصطدام بالواقع مباشرة ومن ثم التحليق فوقه واشراك القارئ بكتابة النص من خلال النهايات المفتوحة.

{ ماذا عن الجانب الاخر من حياة البيضاني بعيدا عن طقوس الكتابة؟

– هذا يحتاج حوار طويل ياصديقتي العزيزة… ولكن كما حال اغلب القصاصين اميل الى العزلة في حديقتي واتامل الورد والنساء.

السيرة الذاتية

– البيضاني من مواليد عام 1958

– حاصل على بكالوريوس اعلام من جامعة بغداد

– بدأ الكتابة والنشر عام 1977وعمل في مؤسسات متعددة

– من اصداراته:

اصوات عالية (قصص مشتركة – 1983)

قلعة النساء(قصص – 1990)

الثنائيات (قصص – 1993)

مآتم تنكرية (قصص 2000) (ترجمت الى اللغة الاسبانية وصدرت عن نشر هيرو الانسانية عام 2004 ضمن سلسلة فكثيون التي تضمنت اصدارات لاشهر ادباء العالم)

عطش على ضفاف الدانوب (رواية -2001)

الزاوية والمنظور – حوارات في القصة -2002)

لجوء عاطفي (رواية 2004)

تحت خط الجب (قصص – 2011)

مشاركة