القنبلة البشرية


القنبلة البشرية
فاتح عبدالسلام
هناك قصف بالكيمياوي والبراميل المتفجرة والراجمات وصواريخ أرض أرض والمروحيات والطائرات والهاونات وقذائف كونكورس وسواها الكثير، وهي نيران على عظمتها ومقدار الدمار المسببة فيه لا تضاهي القنبلة البشرية التي انفجرت في عموم سوريا، وتشظت في كل المحيط الإقليمي والدولي.
عدد القتلى مهما كان كبيراً لم يعد العنوان الكبير للمأساة السورية. ذلك إن هناك حصيلة جديدة متناسلة بسرعة رهيبة تتمثل في مئات الآلاف من الأرامل والأيتام من كلا الطرفين الحكومي والمعارضة، أغلبهم مدنيون في الأصل ولم يكونوا ضمن السياقات العسكرية المنتشرة، ولعل معظمهم ضحايا الوقوع بين كماشتين من دون وجود إرادة للإختيار تحت هذا القصف المجنون.
القنبلة التي يطلقها المتحاربون في سوريا ويفرحون أحيانا بنتائج تأثيرها في إيذاء العدو إنما هي قنبلة إرتدادية بأثر رجعي كما هي بأثر مستقبلي، تلكم هي القنبلة البشرية المحشوة بالتفسخ الإجتماعي والأيتام والأرامل والأمراض النفسية للأطفال المروعين وما يصحب ذلك من دخان هدم المجتمع من الداخل عبر البطالة وغياب التعليم وفقدان مصدر الرزق وانهيار صحة الفرد والأسرة.
لا تكفي زيارات شكلية أو فعلية من أفراد ومشاهير وجمعيات خيرية لمعسكرات اللاجئين السوريين في الأردن ولبنان وتركيا ،ذلك أن المواطن السوري الموجود داخل بلده أصبح تحت مستويات أي لاجيء سوري أخر في معسكرات الذل في دول الجوار.
لعل المصنفين كأعداء لسوريا البلد وليس فقط الأسد لايحتاجون مستقبلا الى حروب فيها أسلحة تقليدية أو كيمياوية، لأن السلاح الأنجع سيستمر مفعوله جيلين على الأقل في ظل الانهيارات اليومية الدموية المتكررة.
حزب الله ومليشيا أبو الفضل العباس وقوات إيرانية أخرى تشترك كما يشترك المقاتلون الأجانب في جانب المعارضة في صنع وتركيب القنبلة البشرية التي تفتك في سوريا.
لا تنفع النيات ولا الإتهامات، فما يجري تجاوز حدود العقل. والحلول المقترحة المنظورة لا تزال تدور في مستويات لا ترقى أبداً الى مستوى مأساة سوريا، ذلك البلد الجميل الذي يشبه حاله اليوم حال فيل كبير محصور في دكان ضيق من الخزف والكريستال لا مجال للحركة فيه، فيكسر ويحطم أي شيء أينما التفت حتى لو من دون قصد ، فكيف إذا كانت النيات مختمرة والرايات معقودة وهناك الملايين تنفخ في البوق.

رئيس التحرير 

لندن