القرار يسمو على الدستور مرتبة – علي الشكري

القرار يسمو على الدستور مرتبة – علي الشكري

في سابقة خطيرة ينبري احد طلبة الدراسات العليا في حقل القانون اثناء مناقشته لأطروحته في الدكتوراه للدفاع عن رأيه الذي أورده في الاطروحة ، والذي يشير فيه الى إعمال قرار واهدار نص دستوري متعارضان ، واللافت أن كل اللجنة ضجت وعجت وصاحت وصرخت وزمجرت ورعدت ، والطالب يصّر على رأيه في إعمال القرار واهدار النص الدستوري ، فراح بي الخيال بعيداً عن مآل الحال في العراق ، وباحث في الدكتوراه يقول بإعمال القرار واهدار الدستور ، أي مصير ينتظر العراق ؟ وأي جيل سنخرج ؟ وأي مستقبل ننتظر ؟ وأي انحدار علمي وصلنا إليه . نعم قالها دگ جيني سنعيد العراق الى عصر ما قبل الصناعة ، وفعلها المحتل ، فبعد أن صال وجال منير القاضي وعبد المجيد الحكيم وعبد الرحمن البزاز ومالك دوهان الحسن وسلطان الشاوي وصالح الكاظم ، في سوح القانون ، وبعد أن كانت كلية القانون المؤسسة سنة 1908وقبل أن ترى جامعة بغداد النور ، كعبة للباحثين عن أبجديات القانون وعلومه وتخصصه الدقيق من العرب والأجانب ، راح باحث في الدكتوراه يرى أن القرار يسمو على الدستور ، ويقيناً إن ما وصلنا اليه من انحدار معرفي ، وتراجع علمي ، وتخلف فكري ، هو نتاج اجتماع عدة عوامل ، فالحصار العلمي ، والتجنيد الحزبي ، والتضليل المعرفي ، والتحريف المعلوماتي ، والانفجار الاستحداثي للجامعات والكليات ، والإحداث غير المدروس للماجستير والدكتوراه ، بصرف النظر عن الحاجة والقدرة والمؤهل ، ودكاكين دول الجوار ، والانتشار غير المدروس للجامعات الأهلية ، وفقدان المعنيين من اصحاب القرار السيطرة والبوصلة في توجيه الدارسين والراغبين والمتوجهين ، كلها أسباب انتهت الى هذا المآل العلمي المتواضع ، حتى راح العرب والإقليم والعالم يقف مرتباً أمام المؤهل العلمي في العراق ، بعد أن كان الدارس العراقي في دول أوروبا يلتحق بالماجستير دون إعداد قبلي ، لرصانة ما كانت عليه الدراسة في المؤسسة العلمية العراقية .

حقول المعرفة

وبالقطع أن المقتل لم يصب حقل التعليم العالي في العراق حسب ، لكنه أصاب كل حقول المعرفة والعلم ، فطبيب اليوم ليس طبيب الامس ، وكذا الحال بالنسبة للقطاع الهندسي الذي لم يكن ليستوعب بين جنباته الا المتفوق والمتميز من الراغبين في دراسة الهندسة ، أو ممن لم تستوعبهم المجموعة الطبية ، يوم كانت علوم طبية ، أما اليوم راحت كليات الهندسة وتحديداً في الجامعات الأهلية تستوعب الكفاءات من الحاصلين على معدل51 بالمئة وربما  49  بالمئة ! ! ! ! ، والى العراق يعود الفضل في ابتكار اكذوبة الدور الثالث ولا بأس في الرابع خلال الأيام القادمة ، إذا ما رفع أربعة أو خمسة راسبين يافطات تطالب بالدور الرابع ، واللافت أن الدور الثالث أمتد الى الدراسات العليا ، وما ادراك ما الدراسات العليا اليوم ، فخريج يُقبل على قناة استثنائية لعدم حصوله على المعدل المُؤهِل للقبول ، ولا يقبل الا بأكذوبة التوسعة ، ولا ينجح الا بدور ثالث وبگيرف استثنائية ، هل يرجى منه القدرة والقابلية على تنشأت الجيل وتخريج القادة ، وقيادة المجتمع ، ويحدثونك عن الكفاءات وانتشار  البطالة بين صفوف حملة الشهادات ، نعم هناك الكفؤ والمتميز والمبتكر والقادر والمعطاء ، لكن هؤلاء أخذوا بجريرة ، الغير الحاصل على الشهادة العليا استثناءً إبتداءً وانتهاءً . على المتصدي للقرار ممن قبل حمل الأمانة وإدارة المؤسسة وتبؤ المنصب أن يكون اكثر حزماً ، وأصلب قراراً ، وأثقب رؤية في رسم السياسة ، ومواجهة التحدي ، وحمل الأمانة ، فقرارات من سبق وسلف بمراحلها ، ظلت على المحك ومحل تقييم السلف ، فذُكرت بصوابها وخطئها وصحتها وشططها ، فالتاريخ يؤرشف والذاكرة تحفظ واللاحق ينقل عن السابق ، فمن أسس وشيّد وبنى المؤسسة العلمية الرصينة ذكره الراوي بعد مرور اكثر من قرن من زمان ، ومن خرب وافسد وأفشل وأضعف المؤسسة يذكره الراوي ذاته ، وسيذكره السلف ، فالعراق بلد مؤسِس وغيره مؤسَس ، وهو السابق وغيره لاحق ، وهو الأصل وغيره الفرع ، وهو من علّمَ غيره القانون ، يوم كان الآخر يجهل مداخله ، ومن غير المنطق أن يهوي العلم فيه حدٍ يغدو فيه باحث في الدكتوراه يقدم القرار على الدستور أعلوية ومنزلة ، لكن ذلك يصبح مفهوم عند مراقب ثاقب البصر والبصيرة ، العالِم العارف ، بحجم المؤامرة على بلد الحضارات ، الضارب عمقاً في قلب التاريخ ، فقد أغاض العراق القريب والبعيد ، بثروته وعلمه وعمقه وتاريخه وكرم مضيفه وشرف نسائه وغيرة رجاله ، حتى أُوكل أدارة شأنه لمن لا يرحم فأغرقه في حروب عبثية ، واحتلالات فاشية ، وحصارات اقتصادية ، فأضعفه عسكرياً ونخره اقتصادياً ، وفككه اجتماعياً ، وهزه علمياً ، فراح فريسة لمن ظل يتحين به الفرص فأنقض عليه حينما جاءت الفرصة ولم يترك له جنبة وإشراقة الا استهدفها ، وبالقطع أن ما تعرض له العراق لم يكن الاستهداف الأولى في تاريخه المعاصر ولن يكون يقيناً الأخير ، فتاريخه سلسلة من الاستهدافات والانتكاسات ثم النهضة والانتصارات ، وبالتأكيد أن المهم ليس التشخيص والوقوف على المؤامرة وتثبيت السلبيات والحديث عن الاختلالات ، لكن المهم وقف الانهيارات ومواجهة التحديات والشروع بالتصحيح ورسم السياسات ووضع الخطط واعتماد الكفؤ النزيه ، والعراق مليء بالعلماء والأكفاء والقادرين من الوطنيين .

مشاركة