القرار لكم – ياس خضير البياتي  

هاشتاك الناس

القرار لكم – ياس خضير البياتي

yaaas@hotmail.com

في كل موسم انتخابي، يعود السؤال نفسه بثقلٍ قديمٍ على الذاكرة العراقية: هل نشارك أم نقاطع؟ وكأننا أمام امتحانٍ جماعيٍّ لا يُراد له أن يُصحّح أبدًا. تتبدّل الوجوه واللافتات، لكن الحيرة تبقى كما هي، لأن الناس لم تعد تبحث عن مرشحٍ يخلّصها، بل عن جدوىٍ من الخلاص نفسه.

المشاركة في الانتخابات ليست جريمة، كما أن المقاطعة ليست خيانة. كلاهما خياران مشروعان في وطنٍ ما زال يتعلّم أبجديات الديمقراطية. المشكلة ليست في الصندوق، بل فيمن يتحكّم بما بعد الصندوق. فالمواطن الذي ينتخب على أمل الإصلاح، يستيقظ في اليوم التالي ليجد أن الذين انتصروا عادوا إلى مكاتبهم القديمة وكأن شيئًا لم يكن.

وأنا لست هنا لأقدّم فتوى سياسية أو أرفع شعارًا انتخابيًا. لستُ من دعاة المقاطعة ولا من مؤيدي المشاركة العمياء. أنا رجلٌ مستقل، أقول ببساطة: القرار لكم. لكن قبل أن تُقرّر، فكّر بعقلك لا بقلبك، فالقلب يُخدع بالشعارات، بينما العقل لا ينسى التجارب. تذكّر من حكمك سابقًا: ماذا قدّم؟ كيف عاش الناس في زمنه؟ وهل تغيّرت حياتك إلا في حجم الهموم؟

المشاركة قد تكون خطوةً شجاعةً إن كانت تعبيرًا عن إرادةٍ واعية، والمقاطعة قد تكون موقفًا نبيلاً إن جاءت احتجاجًا على عبثٍ متكرر. الفارق بينهما هو الوعي. من يشارك دون وعيٍ يمدّ في عمر الخلل، ومن يقاطع دون وعيٍ يترك الفراغ للخلل أن يتمدّد.وتذكرأن التفكير أول أشكال المقاومة.

ليس مطلوباً منك أن تكون ثائرًا أو مهرّجًا في سيرك التحالفات. كل ما عليك أن تراجع صور الشارع ومدرستك ومستشفاك، وأن تقرأ ورقة الكهرباء كما تقرأ ورقة الاقتراع: بحذرٍ وريبةٍ وخبرةٍ مكتسبة من التجارب السابقة.

ربما يقول لك أحدهم: «شارك كي لا يعود الفاسد»، وكأن الفاسدين في إجازةٍ مؤقتة ينتظرون دورهم في النوبة المقبلة. وآخر سيحدثك عن «الواجب الوطني»، بينما الطريق إلى دائرته الانتخابية مملوء بالحفر التي لا يسدها إلا وعوده القديمة.

انتخب إن كنت ترى أن الديمقراطية ما زالت تتنفس، ولا تنتخب إن وجدت أن أنبوبة الأوكسجين مقطوعة عنها منذ زمن. القرار لك، لأن الديمقراطية الحقيقية ليست صندوقًا توضع فيه أوراق، بل وعيًا يحاسب قبل أن يصوّت.

لا تنتخب لأنهم قالوا «واجب وطني»، ولا تقاطع لأنهم قالوا «لا فائدة». انتخب لأنك مقتنع، أو قاطع لأنك واعٍ، لا لأنك غاضب. فالغضب مؤقت، أما الوعي فهو ما يصنع التغيير على المدى الطويل.

في نهاية الأمر، الديمقراطية ليست صندوق اقتراع، بل مرآة وعيٍ جماعيّ. إذا كان الشعب نائمًا، فالصندوق لا يوقظه، بل يوثّق غفوته في الأرشيف الرسمي.

أيها الناخب العزيز، انتخب أو لا تنتخب… الأهم أن لا تنتخب الوهم، ولا تورِّث الصمت لأبنائك. ففي بلادنا، التفكير فعلٌ ثوري، وأحيانًا ضحكة ساخرة أقوى من مئة حملة انتخابية.

وفي النهاية، القرار لكم. لا وصاية ولا تعليمات، فقط نصيحة بسيطة: حين تضع ورقة الانتخاب أو تختار الصمت، تذكّر أنك لا تختار لأربعة أعوامٍ فقط، بل ترسم ملامح حياةٍ بأكملها.

مشاركة