القرار ـ نادية الأزمي
كان القرار بيدها وكان جميلا أن تقول نعم بكل ثقة وتواضع. وأن تحمل إيماءاتها الفرحة لقلبه الكبير. وتدحض كل الشكوك بداخله وتهزم الهزيمة لديه.
ما أحست بالتردد ولا أدهشها ردها، كانت قادرة؛ قوية ومتمكنة. بل كان كل شيء مدهشا ورائعا.
مر الوقت؛اضمحل الإعجاب؛ زاد الإحتقان. رمى في وجهها بأكبر كلمة؛ أرهبتها في حياتها. كأن يدا خفية كانت تغتالها.
تركت المرار يتسرب من فمه.الآن فقط أدهشها موقفه؛ كان كمن يحمل حديدا استعر نارا.الروح اكتوت والقلب انصهر.
لست الشخص المناسب لك
جملة أسكنتها جحيم الوقت؛ ودفعتها إلى مرار الساعات. أسقطت من مفهومها معنى الوفاء، الثقة والحب اللامتناهي الذي يسكن الذات. حولتها إلى ركام من المشاعر اتقدت لتنطفئ، وأومضت لتختفي.
ذات الجملة تتردد في المكان وصداها مدو، يقتلع جذور السكون ويحيل الأصيل إلى جمرة من نار.
الأصيل الذي طالما حمل الشمس؛ معلنة لحظة الغروب بجمالية فائقة لسنين طويلة.
نفس المكان والزمان، لكن رنات الصوت المدوي أحالت كل هذا الجمال إلى ظلام دامس مخيف مقيت. يجلب العار ويلطخ الذات بقناع الخيانة؛ الذي يتقن فن الإختباء والظهور في أحلك اللحظات.
بنظرات ساخطة رمقته كأن شيطانا سكنها؛ وراء الملاك الذي اختفى مع أولى خيوط الغروب حيث لا رجعة.
كان لا يزال يتفنن في تبرير موقفه المخزي ذاك، كلماته كانت تسبح في أفضية ذاتها المتهالكة دون أن تجد لمسمعها مسارا. كل ما كان يبدو منه ملامح لذئب بشري؛ يتحين الفرص لينقض على فريسته وينهشها. وربما اعتقد أن الفرصة التي انتظرها قد حانت. وأن من تنظر إليه ليست إلا مكرهة على الإنصات ولا خيار ثان أمامها.
إحساسه ذاك يزداد مع صمود نظراتها؛ وعدم قيامها بحركة تفيد الرفض أو عدم الإنصياع. بين إيماءات يديه ورجفات شفاهه التي تتحرك في كل الإتجاهات؛ باحثة عن معان مخزية توصل اللؤم والبؤس. كانت حركات الحاجب تخلص في فن إيصال المعنى، لتتشابك الدائرة وتحكم إغلاقها.
الجملة ذاتها لا أصلح لك أصبحت شفرة تتحكم بها ومن خلال محدثها تكبس على أعصابها. وتسعف الواقف أمامها على إدارة الحوار الذي لا يكتمل بجزئيته المبتورة، المغلقة على ذاتها.المنفتحة في خبثها على الآخر،الصامد في خفوت ذابل يركن إلى الصدمة ويستعين بالوفاء المفقود دموعها التي كادت تتدحرج على وجنتيها اتخذت مسارا آخر. صمدت كما صاحبتها. وأشعلت في العين شرارة الوقوف شامخة أمام رذيلة الخيانة وما أقرفها. تلك الدموع التي تصلبت في العين أذكت في الذات طبول التحدي الذي لا مفر منه.
رمقته بنظرة أخرست فمه المتبجح ذاك. الذي كان قبل دقائق يخلص فن الانتقاء ليهزم الهزيمة داخلها.ويكسر إنسانية حملتها بين ضلوعها. ويفقد رونق قلب اتسع لجمال الكون وفرحة العيش وصدق الإخلاص اكتفت بنظرة حملتها معاني الاستهجان والاستصغار ومضت مبتعدة. تخف الخطى لا تدرك أين الخلاص. لكن إحساسا كان يدفعها لمغادرة مسرح انبثقت فيه خيانة الآخر ووجهه الحقيقي بعد سقوط كل الأقنعة. لاحقتها رنات صوته البعيدة، التي سكنت عقلها وأربكت خيالها.
بخطوات يبدو عليها التعثر كانت تسير باتجاه واحد لا ترمق جانبي الشارع الذي يعج بحركة سير سريعة. تقتلع جذور الصمت بضجيجها الصاخب، وتورث السكون لعنة تستعصي على الفهم. كان واضحا لكل من يراها أن مصابا جللا حل بها. وأنها لا تستحضر عقلانية النفس التي تعيد للذات التوازن. وأن شيئا ما داخلها قد انكسر.
عانقت لحظات التيه تلك، جنون سيارة تعبر الشارع. دهستها، لتصدح في الأجواء صرخة مدوية. انطلقت من جسم أنهكه ألم الخيانة . وصادر حياته جنون شخص لا يدرك من السياقة إلا سرعتها.
اختفت السيارة، بينما ارتطم رأس الضحية بأرض صلبة استقبلتها بأناة.
AZP09



















