القرآن الكريم و شبهة الإرهاب – نديم الجابري
ان غموض مفهوم الإرهاب، و تعدد الآراء الغربية بصدده أدى إلى سوء الفهم و الخلط ما بين مفهومي الإرهاب و العنف لدى العقلية الغربية .
ان هذا الخلط دفع الغرب الى الصاق صفة الإرهاب بالاسلام الذي يعد القرآن محوره الأساسي .
ثم أصبحت هذه التهمة ملازمة للمسلم حيثما حل ، و للتيارات الإسلامية مهما كان اعتدالها و مرونتها وتسامحها وفق مدركات العقل الغربي و تصوراته عن الإسلام والمسلمين .
اولا : شبهة الإرهاب:
يبدو أن الربط الذي سار عليه الفكر الغربي ما بين الإسلام و الإرهاب قائم على مزاعم مفادها وجود آيات قرآنية تضمنت مفردة ( الإرهاب ) و مشتقاتها بوصفها الأساس الذي بني عليه السلوك الإرهابي الإسلامي على حد زعمهم .
و الراجح ، أن هذا الإدراك الغربي كان قد انطلق من تفسير غير دقيق لفحوى و نصوص الآيات القرآنية و سياقها التاريخي . و ذلك لعدم اتقانهم للغة الضاد من جهة ، و لعدم رجوعهم الى كتب التفسير المعتمدة عند المسلمين من جهة أخرى .
صحيح أن كلمة ( الإرهاب ) قد تكررت ثمانية مرات في القرآن الكريم ، وبصيغ متعددة منها ( يرهبون ، ترهبون ، استرهبوهم ، رهبة ، رهبا ، الرهبة … إلخ ) ، بيد أنها جميعا انصرفت الى مقاصد مختلفة كليا عن ما ذهب اليه الفكر الغربي . فمثلا (هدى و رحمة للذين هم لربهم يرهبون ) [ الاعراف : آية 154] تعني هدى و ارشاد من الخالق سبحانه وتعالى للذين يرهبون ربهم ، ويخشون عقابه . أي يرهبون ما يغضب ربهم من الشرك و المعاصي . و رهبة الله و خشيته هي التي تفتح القلوب للهدى و توقظها من الغفلة، وتهيئها للاستجابة و الاستقامة .
و لعل أكثر الآيات القرآنية التي أحدثت لبسا في الفكر الغربي و هو بصدد موقفه من الإسلام و الإرهاب ما ورد في النص القرآني الآتي: ( و أعدو لهم ما استطعتم من قوة و من رباط الخيل ترهبون به عدو الله و عدوكم ) [ سورة الأنفال: آية 60] مع ان تلك الآية الكريمة جاءت خالية من ( العنف ) الذي يعد أحد أركان الإرهاب حسب المفهوم الذي استقرت عليه الأمم المتحدة .
ان هذا النص لم يحمل معه سوى مفهوم ( الردع ) و ليس( الإرهاب ) بلغة الفكر و السياسة .
أضف الى ذلك، أن هذه الآية تعني عند المفسرين العدو الذي يتربص بالمسلمين ، و يناجزهم الحرب عند المقدرة . فهؤلاء ينبغي إشاعة الخوف و الفزع عندهم . و هذا ما يقبله العقل بالفطرة . هذا معناه أن لا تقعد الجماعة المسلمة عن سبب من أسباب القوة يدخل في طاقتها بغية القاء الرعب و الرهبة في قلوب أعداء الله الذين يتربصون للمسلمين في الأرض . هؤلاء ينبغي أن ترهبهم قوة الإسلام ولو لم تمتد بالفعل إليهم . بل أن المسلمين مكلفون حسب سياق هذه الآية أن يكونوا أقوياء ، و أن يحشدوا ما يستطيعون من أسباب القوة ليكونوا مرهوبين في الأرض .
ثانيا : الحرابة و الإرهاب:
ثم أن المجتمعات المسلمة و كأي مجتمعات آخرى في العالم لم تكن بعيدة عن ممارسات إرهابية تعرضت لها . اذ عرف المسلمون انماطا من الإرهاب تقترب من مفهوم الإرهاب المعاصر . و هي ممارسات بعض الفرق الدينية المعروفة بالحركات الغالية و الفرق الباطنية التي انحرفت عن الإسلام .
كما أن المجتمعات المسلمة كانت قد عرفت نوعا من الإرهاب الذي أطلق عليه مصطلح ( الحرابة ) .
و ( الحرابة ) تعني خروج طائفة مسلحة في دار الإسلام لأحداث الفوضى و سفك الدماء و سلب الأموال و اهلاك الحرث و النسل متحدية بذلك الدين و الأخلاق و النظام و القانون . و لا فرق بين أن تكون هذه الطائفة من المسلمين أو من غيرهم . و كما تتحقق جريمة الحرابة بخروج جماعة ، فانها تتحقق بخروج فرد من الأفراد .
و الحرابة كأحدى الممارسات الإرهابية تحتسب من كبريات الجرائم . لذلك أطلق القرآن الكريم على المتورطين في ارتكابها أقصى عبارة فجعلهم محاربين لله و رسوله ، و من الساعين في الأرض فسادا .
و غلظ عقوبتهم تغليظا لم يجعله لجريمة أخرى (القتل أو الصلب أو تقطع الأيدي والأرجل من خلاف أو النفي من الأرض ) . و ذلك لقوله تعالى : ( انما جزاء الذين يحاربون الله و رسوله و يسعون في الأرض فسادا أن يقتلوا أويصلبوا أو تقطع أيديهم و أرجلهم من خلاف أو ينفوا من الأرض ذلك لهم خزي في الدنيا و لهم في الآخرة عذاب عظيم ) [ سورة المائدة / الآية 33 ]
مع ذلك ، فان الإسلام تمكن من التصدي لظاهرة الإرهاب و تحجيم دورها و التقليل من آثارها و من ثم القضاء عليها و ملاحقة الإرهابيين و الجائهم الى جحورهم في الحقب التاريخية التي كانوا يظهرون فيها .
و تأسيسا على ما تقدم يتبين ما يأتي :
1 – أن النص المقدس يحرم فعل الإرهاب لأنه يوقع العقاب على غير مستحقيه ( الضحايا ) . لذلك تصدى الإسلام للإرهاب على مستوى النص و الممارسة السياسية .
2 – أن القرآن الكريم يحرم الربط ما بين الإرهاب و العنف لأن الربط بينهما يعد نوعا من ( الميكافيلية ) المحرمة شرعا . اذ أن النص المقدس يربط ما بين السياسة و الأخلاق من خلال التركيز على احتساب القيم الأخلاقية أساسا يرتكز عليه و يقاس اي عمل سياسي .
فالقرآن الكريم يتعامل مع قضايا الإرهاب و العنف على أنهما قضيتان منفصلتان انفصالا تاما . فالارهاب محرم قطعا. أما من جهة تعامله مع قضية العنف فنجد أن النص المقدس يحرم اعتماد العنف كوسيلة للوصول الى الغايات السياسية و الدينية على حد سواء . و هذا ما تكشف عنه جملة من الآيات القرآنية الكريمة ، لعل أبرزها ( لا اكراه في الدين ) ( سورة البقرة/ الآية 256 ] و كذلك ( ادع الى سبيل ربك بالحكمة و الموعظة الحسنة و جادلهم بالتي هي أحسن ) [ سورة النحل/ الآية 125 ]
و اذا ما وجدت رخصة شرعية لاستخدام العنف ، في بعض الأحيان ، فان ذلك ليس حالة مطلقة و انما حالة محدودة و مشروطة بالدفاع عن النفس و العرض و المال و حفظ الأمن و النظام و رفع الظلم . و هذا ما تكشف عنه الآية القرآنية الآتية: ( أذن للذين يقاتلون بأنهم ظلموا ) [ سورة الحج / الآية 39 ]
الخلاصة
1 – عليه ، ممكن الاستفادة من نصوص القرآن الكريم في معالجة قضية الإرهاب المتفاقمة في العالم كله . اذ أن الاستئناس بتلك النصوص سيكون مفيدا في معالجة الظاهرة .
2 – من الضروري أن تكف وسائل الاعلام الغربية و دوائر الفكر و السياسة في الغرب عن محاولات تشويه صورة القرآن الكريم عن طريق اقرانه بالارهاب لان ذلك يعقد المشكلة أكثر مما يتلمس لها الحلول .
3 – من الضروري اجراء مراجعة و تنقيح للاتجاهات الفكرية و السياسية و الدينية و الفلسفية الغربية التي تبيح الإرهاب و تنظر له على المستوى الفكري و السياسي و العقائدي .
4 – أضف الى ذلك ، على القوى الإسلامية و أصحاب الفكر فيها الركون الى محورية القرآن الكريم و اتخاذه سبيلا للتصدي لظاهرة الإرهاب سواء جاءت من الشرق أو الغرب .