القتل من دون سبب
رائد جبر
تصريح الناطق بلسان خارجية النظام السوري جهاد المقدسي بأن الفلسطينيين في سورياهم ضيوف يسيئون الأدب يحمل إشارة خطرة، ويشكل مقدمة لشن حملات قاسية ضد مناطق تجمع الفلسطينيين وخصوصا في المخيمات الكبرى.
ومن دون المبالغة في التأويل، يكفي أن عبارة من هذا النوع، وعلى هذا المستوى السياسي ترسل إشارة لا تخفى معالمها إلى مرتزقة وشبيحة النظام بأن الفلسطينيين باتوا على لائحة أعداء النظام .
لا بد من قرع ناقوس الخطر بقوة لأن النظام أثبت أنه لا يتورع عن فعل أي شيء لانقاذ مركبه الغارق.
وما حدث أخيرا في ريف حماة، وما يحدث يوميا منذ 16 شهرا في كل مدن وبلدات وقرى الأرض السورية الطاهرة، يعكس اصرار ما تبقى من نظام على مواصلة المعركة وفق منطق يا قاتل يا مقتول ما يعني أنه سيكون أشرس وأكثر استعدادا لارتكاب المجازر كلما اقتربت ساعته أكثر.
وقبل أن يطلق جهاد المقدسي تهديده الأخير للفلسطينيين عبر هذه الكلمات، كان النظام شن حملات عدة استهدفت مواقع تجمع اللاجئين الفلسطينيين في سوريا، ولم تسلم منها مخيمات درعا وحمص وحلب، كما لم يسلم مخيم اليرموك قرب دمشق، ولا مخيم الرمل في اللاذقية. لكن الجديد فيها أن النظام منح فعليا الضوء الأخضر للاغراق في سفك دماء الفلسطينيين لأنهم قليلوا أدب .
هذا يظهر بجلاء أن من حاول ويحاول توريط الفلسطينيين في الحدث السوري، هو النظام وأعوانه من الفلسطينيين الذين باعوا ضمائرهم، وليس المتظاهرون الذين نزلوا إلى الشوارع بعدما فاض الكيل، وبعدما زادت الدماء من حولهم. العبارة الإستفزازية للمقدسي أطلقت بعد مواجهات شهدها مخيم اليرموك أخيرا، وسقط فيها بحسب مصادر طبية في مستشفى فايز حلاوة 19 شهيدا.
وبعيدا عن الدخول في الأرقام والنسب التي يجب أن تخضع للتدقيق، خصوصا أن معلومات أشارت إلى أن خمسة منهم فلسطينيون فقط، فإن المعطيات المؤكدة الواردة من المخيم، دلت إلى أن الحملة الأمنية عليه بدأت ليس كما قال النظام بسبب مواجهات بين الجيش النظامي والجيش الحربل عندما قابل الشبيحة ورجال الأمن بالرصاص الحي مسيرة خرجت احتجاجا على مجزرة التريمسة، أشعل مقتل الطفل الفلسطيني يزن خضرة ابن الـ 12 ربيعا غضب المتظاهرين أكثر، فاندلعت مواجهات ساخنة تدخل فيها الجيش الحر في وقت لاحق. هنا ظهرت قلة أدب الفلسطينيين الذين رفعوا شعارات لا تختلف في مضمونها عن شعارات المدن والبلدات السورية الجريحة.
يقول البعض وخصوصا في التنظيمات الفلسطينية الوهمية المقيمة في دمشق، التي تفننت في الدفاع عن همجية الشبيحة وتبرير جرائمهم، بل وشاركت في كثير منها، إن الحق على الفلسطيني لأنه تدخل في الشأن السوري الداخلي .
كثير من التفاصيل غدت مطروقة بقوة، وبينها أن النظام لم يميز بين المواطن و الغريب عندما أسس أجهزة أمنية لـ الضيوف كتمت على أنفاسهم عقودا، وعندما تدخل في شؤونهم الداخلية وشق صفهم مرات، وعندما اشترى ضمائر البعض منهم ليساعدوه على التنكيل باللاجئين، وعندما دمر مخيماتهم في لبنان فوق رؤوسهم، وعندما قمع شعبه بإسم فلسطين، كل هذا لم يكن فيه قلة أدب بينما ميل الفلسطيني التلقائي لنصرة أخيه السوري في محنته، تحول إلى قلة أدب تجيز قتل الفلسطينين بالجملة. وهذا الميل سببه أن الفلسطيني في سوريا ليس فقط ذاق المرين من هذا النظام، لكنه يعود إلى الفهم البسيط عند المواطن الفلسطيني، بأن صاحب الفضل على اللاجئ هو الشعب السوري العظيم الذي استقبل اللاجئين قبل أن يظهر إلى الوجود هذا النظام وقبل أن يطلق آلته الدعائية حول فلسطين التي تهاوت منذ زمن وانكشف بهتانها.
كما أنه يعكس وعيا بأن سوريا الديمقراطية الحديثة الحرة هي القادرة على لعب دور لصالح فلسطين بديلا عن المتاجرين بإسمها.
بهذا الفهم نزل المتظاهرون الفلسطينيون إلى الشوارع في بعض المخيمات، وكما قال ناشط في تنسيقية مخيم اليرموك فإن القرار بالخروج كان سببه ضرورة تخفيف الضغط الأمني عن اخواننا السوريين في المناطق المجاورة للمخيم .
ألا تعكس هذه العبارة درجة الالتصاق الانساني بين الفلسطيني والسوري؟ هذا لا يرضي النظام الذي أقام حجته على شعبه بأنه مقاوم، وما قاوم منذ عقود سوى تطلع السوريين إلى العيش الكريم.
بعض التعليقات التي كتبها فلسطينيون وسوريون على شبكات التواصل الاجتماعي حول كلام جهاد مقدسي تعكس حجم الترابط ودرجة الوعي عند الجانبين تجاه نيات النظام. كتب لاجئ فلسطيني يفضح كلام مقدسي شعارات النظام الذي يمثله، باعتبار فلسطين مجرّد ادعاءات للتوظيف والاستخدام، فقط، فضلا عن انه يقوّض كل العقيدة القومجية التي برّر فيها هذا النظام لذاته، وضمن ذلك مصادرته الحريات وهيمنته على البلاد والعباد. وهذا التصريح يصبّ في طاحونة التصريحات غير الموفّقة التي صدرت عن بعض من في قمة النظام السياسي، وضمنهم السيدة بثينة شعبان التي اتهمت الفلسطينيين في مخيم الرمل في اللاذقية بأنهم يقفون وراء ما يجري وان ليس ثمة ثورة ولا ما يحزنون، كما تصريح السيد رامي مخلوف الذي حذّر من ان تهديد النظام السوري يعني تهديد الاستقرار في الشرق الأوسط وضمنه استقرار اسرائيل. وكتبت السورية سلوى الوفائي تخاطب المقدسي الفلسطينيون ليسوا ضيوفاً في سوريا بل أهل لهم صدر البيت ولنا العتبةô وهم الذين سيعلموك الأدب .
وكتب السوري هاشم العظم أقول لهذا الـ مقدسي يوم استقبل شعب سوريا الفلسطينين، استضافهم وصاروا من أهل البيت وليس أنت ولا الأسد من فتح أبواب سوريا، لذلك لا يحق لك أن تصفهم بأنهم ضيوف وهذا كلام فارغ لأن الفلسطينيين صاروا قطعة منا ونحن منهم .
بعد تلك العبارات لا يمكن أن يضاف كلام إلا في اطار تنبيه صاحب المقولة المخجلة إلى أن قلة الأدب تمكن في تبرير الجرائم والقتل اليومي وليس في التظاهر نصرة للمظلومين في سوريا.
نقلاً عن مجلة انباء موسكو
/7/2012 Issue 4252 – Date 16 Azzaman International Newspape
جريدة الزمان الدولية العدد 4252 التاريخ 16»7»2012
AZP07