القانون الإنساني بين الوضعية والإسلام – راجي نصير

مجموعة قواعد تعزّز الكرامة

القانون الإنساني بين الوضعية والإسلام – راجي نصير

{ القانون الذي يحمي حقوق الإنسان وإنسانيته في الأوقات كافة هو أوسع وأشمل من القانون الذي يقتصر تطبيقه على ظرف الحرب.

{ القانون الإنساني اعم واشمل من مصطلح القانون الدولي الإنساني.. لأنه يشمل المحلية والدولية معا.

{   الإسلام سبق القوانين الوضعية بمئات السنين في وضع القوانين التي تحفظ حقوق وكرامة الانسان.

كثر الحديث في الآونة الأخيرة، وفي أوساط علمية كثيرة، عن ما يسمى بالقانون الإنساني، وهذا شيء طبيعي، لأن القوانين يفترض أن تكون في خدمة الإنسان، وتبين الجوانب التي يمكن بها أن تخدم الإنسان، ومن المتوقع أن تكون الأديان السماوية أسبق من غيرها من التيارات الوضعية والأفكار الانسانية في التصدي لمسألة الإنسانية ومسألة الإنسان، وبالتالي هذه المسألة ليست مقصورة على الإسلام فقط وإنما الاديان السماوية كلها تناولت هذا الموضوع نحن تحدثنا عن ماهية القانون الإنساني ما المقصود بالقانون وما المقصود الانساني، وهو الجوانب الإنسانية من القانون وبعض ما يمس الانسان مباشرة بشكل وبشكل أكثر تحديدا ما يتحدث عن تعزيز كرامة الإنسان في أن الإنسان يتميز بما له من دور في هذه الحياة وهذا الدور يقوده العقل وما منحه الله سبحانه وتعالى لهذا الإنسان من قدرات متنوعة.

   وفي سياق الدراسات المقارنة، صدر للأستاذ الدكتور عباس عبود عباس استاذ القانون الدولي العام في قسم القانون بمعهد العلمين للدراسات العليا، كتاب جديد تحت عنوان ” القانون الإنساني بين الوضعية والإسلام “، حيث قام بمقاربات بين قواعد القوانين الوضيعة، وما جاء به الاسلام من قواعد في مجال القانون الانساني. وقد صدر الكتاب ضمن (سلسلة العلمين) التي يقوم بإصدارها معهد العلمين للدراسات العليا، والتي تضم نتاجات علمية لأساتذة وطلبة القانون والسياسية، ومن اجل تسليط الضوء على ما جاء في الكتاب من افكار ونظريات. يتألف الكتاب من جزأين، الجزء الأول تناول مباحث القانون الإنساني الأساسية في المدرستين الوضعية والإسلامية، بينما استعرض الجزء الثاني أهم وثائقهما التي نصت على أحكام القانون المذكور.

يؤكد مؤلف الكتاب ان القانون الإنساني هو مجموعة القواعد الانسانية التي تعزز الكرامة الإنسانية، ومن أقرب الحقوق لهذه المسألة ما يسمى بقانون حقوق الإنسان، وهو موجود على المستوى الوطني ودساتير العالم أجمع، ويتحدث عن الإنسان والكرامة الإنسانية، تعزيز الكرامة الإنسانية، والدفاع عنها، واعطاء الإنسان مركزه الحقيقي في الحياة ودوره الـحقيقي. وعلى المستوى الدولي ما يعتبر من قواعد القانون الدولي ايضاً يتطرق إلى الإنسان على أساس انه ينظم العلاقات بين الدول، وهذه الدول عبارة عن تجمعات بشرية، ما ينظم هذه المسألة القانون الإنساني، بمعنى ينظم حالات الإنسان وهو منتظم في هذه المجموعة البشرية الموجودة في بلدها،  لهذ توجد هناك علاقات بين هذه المجاميع البشرية،  وفي حقب من التاريخ القديم وحتى الحديث، تحدث اضطرابات في العلاقات الدولية ما بين هذه المجاميع البشرية، ويتصدى القانون الدولي لكيفية حل هذه المشاكل، وقبلها تصدت الأديان السماوية لهذه المسائل، لذا فهذا الكتاب يتحدث عن القانون الوضعي، يعني ما وضع الإنسان لنفسه من قوانين وقواعد قانونية، للدول منفردة ومجتمعة، وما جاءت به الديانات السماوية من قوانين وقواعد تحفظ وتصون كرامة الانسان ووجوده وحياته.  وقد اشار الكاتب الى ما ورد في الإسلام عن هذا الموضوع، باعتبار ان بعض الناس يقولون ان الإسلام الذي جاء قبل أكثر من 1400 عام، ما الذي يربطه بهذه القوانين الحديثة التي تتحدث فيها عن الإنسان وعن الانسانية، في حين يؤكد الكتاب أن هذه القوانين التي تريد أن تتحدث عن الإنسانية، تستقي من تاريخ الأديان السماوية، وبالخصوص من تاريخ الدين الإسلامي، ما يفيدها في تنظيم العلاقات الإنسانية.

الجزء الأول من الكتاب ضم بابين، الباب الأول حمل عنوان ” مباحث القانون الإنساني الوضعي”، حيث بحث المؤلف قانون حقوق الإنسان، وفروع أخرى من فروع القانون الوضعي، والضمانات التي وضعت لتحقيق هذه الحقوق الإنسانية، ووضعها موضع التنفيذ، حيث يمثل القضاء المرحلة الأخيرة في إنجاز هذه الحقوق وتطبيقها، وهذا القضاء موجود على المستوى الوطني لكل دولة، وموجود أيضا على المستوى الدولي، حيث نشأت محاكم دولية يمكن أن تلجأ إليها الدول، كما يمكن أن يلجأ إليها حتى الافراد بشكل أو بآخر، ويثيرون موضوع انتهاكات حقوق الإنسان أما القضاء، وهذه المحاكم مخولة دوليا بالمحاسبة على مخالفات القواعد الإنسانية.

اما الباب الثاني من الجزء الأول، فقد تناول مباحث القانون الإنساني في الإسلام، حيث تحدث الكاتب عن مقدمات هذا الموضوع في الأديان السماوية الأخرى، قبل ان ينتقل الى الإسلام، باعتباره خاتمة الشرائع السماوية، ولان كان هناك حديث عن تحريف في الديانات الأخرى، فان لدى المسلمين القران والسنة، وهي محفوظة وموجودة ويمكن الرجوع لها والتعرف على القواعد التي وضعت عن هذا الطريق للحفاظ على الكرامة الإنسانية وعلى شخصية الإنسان.

طريقة خاصة

ويؤكد الأستاذ الدكتور عباس عبود، مؤلف كتاب ” القانون الإنساني بين الوضعية والإسلام” ان الدراسات أثبتت جميعا، كل بطريقتها الخاصة، حاجة البشر إلى قواعد سلوك تنظم شؤونهم المختلفة، وتلك القواعد كانت اما مستوحاة من العقل، بما في ذلك الفطرة والمصادر الخارجية، أو مأخوذة عن حكيم توصل اليها بنفسه، أو أخذها من الوحي الإلهي، وفي الأحوال كلها كانت هناك قواعد سلوك اعتدنا على تسميتها بـ(القانون)، الذي اختلفت مصادره وصياغاته وكيفيات الوصول اليه. وهذا القانون قد عني بشؤون الإنسان كافة صغيرها وكبيرها، وكان من الطبيعي أن تختلف أنطقه قواعد السلوك المذكورة (القانون) من نواح عدة، موضوعية وزمانية ومكانية.

ففي النطاق الموضوعي، كانت قواعد السلوك تنظم أحيانا موضوعات رئيسة في حياة الإنسان، وتنظم أحيانا أخرى موضوعات فرعية أقل أهمية، الأولى تعني ما يتصل من قواعد السلوك بهدف العناية بشخصية الإنسان الذاتية وكرامته التي هي له بصفته إنسانا بصرف النظر عن أية مواصفات أخرى قد تلحق به، وهذه القواعد هي التي يطلق عليها القواعد الإنسانية أو (القانون الإنساني)، وأما القواعد الثانية فتتصل بتحديد سلوك الإنسان في مسائل تفصيلية أقل أهمية مما يتصل بمعاملاته اليومية المتنوعة. ومن هنا نصل إلى المعنى الذي نريده بتعبير “القانون الإنساني”، أي القانون الذي يحمي كرامة الإنسان ويتوجه مباشرة إلى إنسانيته لصيانتها. وهذا القانون يتنوع بدوره بحسب نطاقه، فهناك قانون يعمل من حيث النطاق الجغرافي (المكاني) في نطاق وطني، وآخر في نطاق إقليمي، وثالث في نطاق عالمي. وهناك قانون يعمل من حيث النطاق الزمني في الأوقات كافة، وآخر في وقت محدد كوقت الحرب (النزاعات المسلحة). ويذهب الكاتب الى أن القانون الذي يحمي حقوق الإنسان وإنسانيته في الأوقات كافة هو أوسع وأشمل من القانون الذي يقتصر تطبيقه على ظرف محدد كظرف النزاعات المسلحة (الحرب)، بل ان الأول أكثر قدماً من حيث الظهور، بحيث ان الثاني اعتبر عند ظهوره جزءاً من الأول، وهو خاص بظرف محدد هو ظرف الحرب. ولذلك فان القانون الخاص بظرف الحرب سُمي بـ(قانون الحرب) ثم استبدل بتعبير (قانون النزاعات المسلحة) بعد أن اتجه المجتمع الدولي إلى تحريم الحرب، بينما استمرت تسمية القانون الأول، وهو الأوسع والأقدم، بقانون حقوق الإنسان، الذي عنى منذ أقدم الأزمنة بكرامة الإنسان وشخصيته الإنسانية في الظروف كافة، ودون تمييز لأفراد البشر ومجاميعهم الإنسانية، وهذا القانون بدأ تاريخيا بتوجه إنساني شامل، ثم تفرعت أحكامه بمقتضى ظروف الجماعات البشرية المختلفة، فكان بحق هو القانون الإنساني الذي تفرع عنه أكثر من فرع، ومن تلك الفروع قانون النزاعات المسلحة، وقد توسعت تلك الفروع فكان لها هي الأخرى أنطقة مكانية ، وطنية وإقليمية وعالمية، وأخرى زمانية، كما في قانون النزاعات المسلحة، الذي تتجه بعض قواعده لمعالجة فترة ما قبل النزاع المسلح وما يرافقه أو يتلوه من وقت، وانطقه موضوعية ?موضوع التنمية وموضوع البيئة وموضوع الإرهاب….الخ.

قانون انساني

ويشدد الدكتور عباس عبود إن الذي يعنيه بتعبير “القانون الإنساني”، هو القانون الذي يكرس كرامة الإنسان، وهو بالتحديد قانون حقوق الإنسان، وهو ذو جوانب دولية، وجوانب وطنية، وله فروع استمدت منه صفة الإنسانية، ومنها قانون النزاعات المسلحة، الذي يسميه البعض القانون الدولي الإنساني. غير ان الكاتب يسجل ملاحظات عدة على تسمية القانون الدولي الإنساني، الذي تستخدمه اللجنة الدولية للصليب الأحمر، ورغم انها تبنت مصطلح القانون الدولي الإنساني للتعبير عن قانون الحرب أو قانون النزاعات المسلحة فإنها أصدرت كتابا بعنوان “دليل قانون الحرب للقوات المسلحة” وقد ظهر منه ان اللجنة تدرك مقدار الخلط الذي تسببه هذه التسمية. ففي الفصل التمهيدي، سجل الباحث العديد من الانتقادات الموضوعية على تبني الصليب الأحمر والمؤسسات الدولية تسمية ” القانون الدولي الإنساني”، على قانون الحرب، او قانون المنازعات المسلحة، الذي تضمن مجموعة قواعد قانونية المفترض الالتزام بها في حالة حدوث النزاعات المسلحة بين الدول لحماية الجرحى والمرضى والأسرى والغرقى والمدنيين والممتلكات الثقافية وما الى ذلك. ويوضح الباحث سبب اعتراضه على التسمية بقوله ان للقانون الدولي الإنساني صفتين، هما الدولي والإنساني، اما الدولي فلان قواعد المنازعات المسلحة تخص علاقة دولة بدولة في ظرف النزاع، بينما توجد قواعد وطنية تخص النزاع المسلح التي منها تعالج المنازعات الداخلية، وأما صفة الإنساني فلان قواعد قانون النزاعات المسلحة تتوجه الى كرامة الإنسان لحمايتها مباشرة، ولكن علينا ملاحظة ان هناك العديد من القواعد القانونية الإنسانية هي ليست من قواعد قانون النزاعات المسلحة، فان تعبير الصليب الأحمر لا يمكن ان يدل بالضرورة على قواعد النزاعات المسلحة والسبب ان تفرع قانون النزاعات من قانون أوسع منه هو قانون حقوق الإنسان التي تفرعت منه فروع أخرى، لذا يرى في تعيير الصليب الأحمر تعبيراً غير موفق والصحيح ان قانون النزاعات المسلحة هو قانون حقوق الإنسان المطبق في النزاعات المسلحة حصرا، وله قواعده المتميزة عن باقي الفروع، وله نطاقه الخاص. ودعا المؤلف الى خيار أكثر شمولية وأعم فائدة لحماية كرامة الإنسان الا وهو التوجه الى (القانون الإنساني) وهو بالتحديد (قانون حقوق الإنسان)، وقدم تعريفاً شاملاً للقانون باعتباره (مجموعة القواعد القانونية، الوطنية والدولية، المستقاة من مصادرها، بما في ذلك العرفية والمدونة، التي تهدف بشكل خاص الى حماية الكرامة الإنسانية، واحترام إنسانية الإنسان في الظروف كافة، وتمكينه من التمتع بالحقوق التي يستحقها بصفته إنسانا دون أي تمييز بين افراده، فضلا عما يستحقه تحت عناوين أخرى. ويخلص الباحث الى ان قانون النزاعات المسلحة، المسمى خطا بالقانون الدولي الإنساني، ما هو الا جزء يسير من قانون حقوق الإنسان الذي يضم فروعاً كثيرة، بل ان القوانين كلها يمكن ان تدخل في مفهوم القانون الإنساني او قانون حقوق الإنسان، على أساس ان القانون أصلا انما هو قاعدة سلوك إنساني غايتها حفظ الحقوق وإقامة العدالة، وما هذه القواعد القانونية الا لحماية الكرامة الإنسانية، وبهذا تستحق تميزها عن سواها بهذه الخصوصية. ويشير في معرض دفاعه لتأصيل المفهوم الى ان هناك شجرة واسعة للقانون الإنساني أصلها هو قانون حقوق الإنسان، وفروعها عديدة، وهناك محدودية القانون الدولي الإنساني، باعتباره قانونا للنزاعات المسلحة فقط إزاء سعة قانون حقوق الإنسان.

وفي نهاية المطاف يقدم الكاتب تعريفا للقانون الإنساني، انسجاما مع التحليل المتقدم بأنه: “مجموعة القواعد القانونية، الوطنية والدولية، المستقاة من مصادرها، بما في ذلك العرفية والمدونة، التي تهدف بشكل خاص إلى حماية الكرامة الإنسانية واحترام إنسانية الإنسان في الظروف كافة، وتمكينه من التمتع بالحقوق التي يستحقها بصفته إنسانا دون أي تمييز بين أفراده، فضلا عما يستحقه تحت عناوين أخرى”.

يتبنى مؤلف الكتاب الدكتور عباس عبود، الدعوة الى (القانون الإنساني) الذي يتضمن قواعد قانونية تحكم السلوك البشري، وتحمي كرامة الإنسان، وتصون إنسانيته في كافة الظروف، دوليا ومحليا، وقد نجح المؤلف في عقد مقارنة علمية كشفت الفوارق بين المنهجين الوضعي والإسلامي من تقديم نموذج رائد من تراثنا الإسلامي يحمل رؤية متكاملة لحقوق الإنسان، ويتسع لان يكون هذا النموذج أحد المصادر والروافد الاساسية للقانون الإنساني. ويثبت المؤلف من خلال فصول هذا الكتاب، ان الشريعة الإسلامية، سبقت المنظمات الدولية والاممية بمئات السنين، بوضع قوانين إنسانية مفصلة، تصون كرتمة الانسان، في كل مكان وفي كل زمان، وتمنع أي انتهاك لحقوقه الإنسانية، واي تهديد لوجوده وانسانيته وكرامته.

مشاركة