العنوسة .. جريمة المجتمع مع سبق الإصرار والترصد – عادل الميالي

تحدٍ يؤرق العوائل العراقية

العنوسة .. جريمة المجتمع مع سبق الإصرار والترصد – عادل الميالي

العنوسة واحدة من أكبر التحديات الاجتماعية التي تؤرق الأسر العراقية, إذ باتت شبح يحارب الفتيات قبل الشباب في كافة المجتمعات العربية ومنها العراق, ظاهرة لها إفرازاتها التي تشكل خطرا حقيقيا على النمو الديموغرافي, فضلا عن ما يترتب عليها من مشاكل تهدد نسيج وكيان المجتمع وتترك آثارا سلبية على الحياة بكافة مفاصلها.

تعددت الأسباب والعوامل التي تقف وراء تفشي هذه الظاهرة واستفحالها، وللوقوف على طبيعتها وآثارها, توجهنا بالسؤال الآتي : ما الأسباب التي تقف وراء تفشي ظاهرة العنوسة في العراق ؟

تسهيلات حكومية

الدكتور رجاء احمد آل بهيش، يرى بان الأسباب الاقتصادية والاجتماعية تعد في مقدمة أسباب عزوف الشباب عن الزواج، فمع انتشار وتزايد معدلات البطالة وشيوع ظاهرة السكن العشوائي، وعدم توفر السكن الذي يتناسب مع تكوين أسرة جديدة، فمن أين للرجل بمتطلبات الزواج والسكن وهو لا يملك عملاً يدر عليه دخلا يساعده في تكوين أسرة، لذا فالأمر منوط بالدولة لتقديم التسهيلات للراغبين بالزواج، وكذلك خلق التوعية المجتمعية بضرورة التقليل من المهور والمتطلبات الكمالية التي تتعلق بالزواج من حفلات ورحلات والاكتفاء بما يضمن تكوين أسرة جديدة .

مرض العصر

تشير السيدة (الهام صبري) بان العنوسة مرض من أمراض العصر انتشرت في العديد من بلدان العالم وخاصة في منطقة الشرق الأوسط ومنها العراق، حيث أدت إلى ظهور جيش من النساء لم يحالفهن الحظ في الزواج، وهذا عائد إلى أسباب عدة  منها العامل الاقتصادي الذي يسبب عزوف الرجال عن الزواج، ناهيك عن حالة الأمان النفسي وتوفير الطمأنينة لكلا الطرفين, مع ضعف حالة الوعي لدى الجنسين من الذكور والإناث, فضلا عن حالة الاختلال الكبير في التركيبة السكانية، وتضاعف أعداد النساء نتيجة حالة الحروب المستمرة لثلاثة عقود متواصلة، وبذلك يندرج مشروع الزواج في أسفل قائمة الاهتمامات والأمنيات بعد تجدد حلم الهجرة بعد عام 2003 لدى الشباب .

الباحثة الاجتماعية ليندا صلاح تعمل لدى مؤسسة للدفاع عن حقوق المرأة ، تجد بأن الزواج بات بعيدا عن تفكير المرأة في هذا الوقت, بعد ما تحررت وكسرت بعض القيود واستطاعت أن تطلع على العالم الخارجي، وتشغل وظائف ومناصب، فأصبح الزواج من الأمور المستبعدة عن أولوياتها، كونها لا تريد أن تنحكم بقيود الرجل الذي تراه يسلب حريتها ، وهناك سبب آخر ومهم في اختيار الشخص المناسب الذي يشاركها الحياة الزوجية .

فيما ترى الدكتورة فاطمة عباس من قسم العلوم التربوية والنفسية أن هذه التسمية تطلق على الفئة التي تتجاوز 35 سنة, أما أسبابها فمتعددة منها النزوح أو تغيير السكن أو الهجرة, وفقدان التقارب الاجتماعي وعدم تقبل الآخرين وعدم الانفتاح على المجتمعات الأخرى من المحافظات, فضلا عن إن بعض الآباء  يقفون في طريق الفتاة ويضعون مئات العقبات والمطالب التي في الغالب لا يحتاجها الشاب ولا الفتاة , ولكنها تطلب لحالة مظهرية ومجتمعية .

وتقول ( أ . س) بنت الثلاثين عاما والتي لا تزال تواجه العنوسة في مجتمع لا يحبذ بقاء البنت بهذا السن بدون زواج, لقد كنت في بداية عمري أحلم برجل على قدر عال من التعليم وجيد ومناسب من الناحية المادية, ولا أنكر أنني كنت أحلم بالرغبة في أن أصبح أما وزوجة في المستقبل, ولكن كان التعليم عندي يسبق كل الأهداف ، لدرجة إنني كنت أرفض الاعتراف برغبتي في الزواج, وبقي الحال كذلك حتى حصلت على البكالوريوس، وبدأ الفراغ حتى استيقظت على الحقيقة وهي إنني أصبحت أكثر رغبة في الزواج , وفتح والدي الباب للخطاب وكلما تقدم شاب فر مدبرًا لما وضعناه من شروط التي تضمن حقوقي من ناحية المعيشة والمهر وغير ذلك، ومضت سبع سنوات بعد تخرجي حتى تجاوزت الثلاثين من عمري وأيقنت إنني دخلت في زمن العنوسة , إضافة إلى إدراكي متأخرا أن ظروف البلد لم تعطي المجال لشاب بفرصة عمل يستطيع من خلالها تكوين نفسه.

الشعور بالاغتراب

(علي محمد) طالب إعلام في الجامعة العراقية , يجد بأن العوامل النفسية نابعة من بعض المواقف والصدمات ربما في الطفولة أو في الكبر لدى بعض الفتيات,   مما غرس لديهم عامل الخوف الكبير من الارتباط بالجنس الآخر والخوف والرهبة من تحمل مسؤولية العائلة وتكوين الأسرة, فضلا عن ذلك عدم التوازن النفسي لدى العانس من ناحية عدم القدرة على اختيار شريك حياتها المناسب أو عدم قدرتها على التأقلم معه إذا تم اختياره, مما يؤدي إلى الشعور بالاغتراب وفقدان السعادة .

ويرى سعد بنيان طالب دراسات عليا , بان العادات والتقاليد أسهمت أيضا في عزوف النساء عن الزواج ومنها ظاهرة (النهوة العشائرية), أي زواج البنت لابن عمها , وفي حال رفضها الزواج  منه يقوم بحرمانها من الزواج بشخص آخر حتى لو بقيت من دون زواج مدى الحياة, فضلا عن عدم منح الفتاة حرية الاختيار, مما يتسبب في بقائها عانس , وهذا سلب لحريتها وحقها في الاختيار وتكوين أسرة .

خلق المحفزات

وللصحة النفسية رأي في الظاهرة, حيث يشير الدكتور (مهدي كاظم) بأن العنوسة هي من المشكلات التي تترك آثارها النفسية والاجتماعية على شخصية المرأة مما يؤثر في تركيبتها النفسية، لذا يجد بان علاجها يتم من خلال توفير الوظائف وفرص العمل للشباب، وإطلاق سلف الزواج كما كان معمولا به سابقاً، وخلق بعض المحفزات للتشجيع على الزواج، والسعي إلى تحسين الحالة الاقتصادية للفرد .

ويقول الشيخ حسام الخفاجي، كنت أعمل جاهداً على النصح في تسهيل أمور الزواج، كون الحياة صعبة والشاب العراقي شاب متعب ومرهق، ويواجه صعوبة في إيجاد العمل، وأكرر في كل مرة إلى أخواتنا العزيزات وبناتنا في النظر إلى الزواج وعلاقة الارتباط التي تكون مبنية على المحبة والمودة ، وتسهيل الأمور أمام الشاب الذي يطلب الزواج، لذا أجد العنوسة وكأنها آفة لا نهاية لها ، أكلت كل شيء,  شباب يبحث عن استقرار ولا يجده، معوقات كثيرة  تقف بقوة في وجهه، الطلبات التعجيزية ، الوضع الاقتصادي والاجتماعي، جميعها تجعل الشاب يفر هارباً عندما يصادفه مصطلح  تزوج وكون أسرة  لذلك فان إيجاد الحلول هو أمر مهم وينبغي أن يكون من أولياـــتنا ومن واجباتنا للحفاظ على وجودنا وتكاثرنا .

ختاما, نجد بأن الأسباب قد تباينت وتنوعت بشأن الظاهرة, غير إن واقع الحال يشير إلى واقع مؤلم, فالسنوات تمضي وقطار العمر يسير ولا يتوقف, مما يستدعي تضافر الجهود المجتمعية على المستوى الرسمي والشعبي والديني لخلق الوعي لدى الرجال والنساء، وتشجيعهم على الزواج .

مشاركة