العمّار: الطريقة المولوية الأكثر شهرة عند المتصوّفة الأتراك والعرب
ندوة تبحث مكانة الموسيقى في طقوس الأديان
واسط – الزمان
ضيفت ندوة ثقافية اقامتها كلية التربية للعلوم الإنسانية بجامعة واسط مؤخرا، الباحث الموسيقي أنمار علي العمار للحديث عن (مكانة الموسيقى في طقوس الأديان . الأدب الصوفي انموذجاً ) وهدفت الندوة التي ادارها الاكاديمي رعد مايود الوائلي إلى التعريف بالتمازج الروحي والفني بين الموسيقى والأدب من جهة وبين الاعتقاد الديني . وتم خلالها مشاركة مجموعة من طلبة الدكتوراه الحديث عن علاقة الموسيقى والنص الصوفي لكبار شعراء الصوفية المسلمين مثل جلال الدين الرومي وحافظ الشيرازي وبلهي شاه وسواهم.
وفي البدء أوضح العمار ان (الموسيقى لعبت دوراً بارزاً في جميع المجتمعات ، ويمتد أثرها إلى شتى أشكال الثقافة والحضارة بما في ذلك الأديان، وبالتالي فمن الصعب جدًا العثور على أي دين بدون ثقافة موسيقية، سواء مباشرة أو غير مباشرة. ولو عدنا لكتب التاريخ لوجدنا أنّ الموسيقى منذ مئات السنين كانت حاضرة في الطقوس الدينية والشعائر العباديّة في الأديان المختلفة.ويمكن اعتبار أنّ الموسيقى بدأت تزدهر في الحضارة الإسلامية منذ بداية العصر العباسي، حيث قام العديد من العلماء والفلاسفة العرب والمسلمون بدراستها والعمل على تطويرها مستندين بدايةً على النظرية الإغريقية القديمة، قبل أنْ يظهر عندنا فنّ المقامات الذي برعوا وتميّزوا به. وقد أسهم الكثير من الأسماء المعروفة مثل الفارابي وابن سينا والكندي وصفي الدين الأرموي وقطب الدين الشيرازي، ثم عبد القادر المراغي في فترة لاحقة في القرن الرابع عشر وغيرهم في الكتابة عن الموسيقى وفلسفتها ودورها في الحياة).
وعن الحضور الموسيقي دينيا قال(لم تحضر الموسيقى حضورًا دينيًّا ملاحظًا إلا مع بدايات الدولة السلجوقية والعثمانية، حيث ظهرت الحركات الصوفية التي اعتنت بالموسيقى أيّما اعتناء، وأدخلتها في طقوسها الدينية بشكلٍ واضحٍ وجليّ. فبالنسبة للصوفية فإنّ تزكية النفس تمرّ أولًا من خلال القلب والروح، وبالتالي فإنّ الموسيقى بوصفها هبة من الخالق تعمل كوسيلة للتدريب على الكمال الروحاني والتناغم مع الذات، وقد كان الهدف النهائي للموسيقى عند الصوفيين هو تحقيق الحرية الذاتية للنفس من أجل وصول الروح إلى الأصل السماوي، وبذلك فهي عندهم وسيلة لعلاج أمراض النفس والروح).
موضحا (تعد الطريقة المولوية التي أسسها جلال الدين الرومي سنة 207 للهجرة، الشكل الأكثر شهرة في الموسيقى الصوفية عند كلٍ من المتصوفة الأتراك والعرب، في حين تمثّل “موسيقى القوّالي” التي أسسها الهندي أمير خسرو في القرن الرابع عشر الطريقة الأكثر شيوعًا في الثقافة الصوفية لدى المتصوفة في جنوب آسيا كالهند وباكستان والدول المجاورة.
تعد الطريقة المولوية الشكل الأكثر شهرة في الموسيقى الصوفية عند كلٍ من المتصوفة الأتراك والعرب.وكانت الموسيقى والغناء لدى المتصوفة العثمانيين تُعرف أحيانًا باسم “الفن الإلهي” أو “الفنّ السماوي”، ورغم غموض المصطلح بعض الأمر، فإنه كان يشير في عمومه إلى نوعين من الأداء، أحدهما كان يُغنى باللغة التركية في حلقات الذكر والموالد النبوية. فيما نشأ نوع آخر من الفن الإلهي في النصف الثاني من القرن التاسع عشر، أطلق عليه اسم “الشغول”، وكان عبارة عن ترانيم تؤدَّى باللغة العربية في شهر رمضان ومحرم وذي الحجة. كما ظهر نوع غنائي كان يقوم به المأذنون بعد صلاة التراويح في شهر رمضان يسمى “المناجاة”، حيث يصعد المؤذن على المنبر ويبدأ في إنشاد مدائحه واستغفاراته، وأحيانًا كثيرة تقوم مجموعة من المرددين من خلفه بمساعدته في أداء بعض المقاطع).
مشيرا الى انه(في القرن العشرين، ظهرت بعض المواهب الفنية التي تنتمي للطريقة النقشبندية، والتي تعود أصولها إلى بهاء الدين النقشبند، وهي من أوسع الطرق الصوفية عالميًا في الوقت الحالي.
أما الشيخ سيد النقشبندي، وكان والده شيخ الطريقة النقشبندية في مصر، فقد كان أكثر من أشهر هذا النوع من الفن في الوطن العربي، فقد تعاون في بعض أناشيده مع كبار الملحنين مثل بليغ حمدي ومحمد الموجي وسيد مكاوي وغيرهم.
ويُقال أنه كان أول من غنى من المتصوفين بمصاحبة آلة القانون حين غنى قصيدة ابن الفارض الشهيرة :قلبي يُحدّثني بأنك متلفي).
السياق الاجتماعي
وعن الموسيقى في الكنائس قال العمار(يتباين النوع والأداء والمغزى والمحتوى للموسيقى المسيحية وفقًا للثقافة والسياق الاجتماعي، وتتنوع أهدافها بدءًا من المتعة الجَمالية أو الأغراض الدينية أو الاحتفالية، أو حتى بهدف نشر الرسائل التوجيهية والتوعوية. وبالتالي تتضمن الموضوعات الشائعة للموسيقى المسيحية كثيرًا من الجوانب مثل التمجيد والعبادة والتوبة والندم والرثاء، وتتنوع أشكالها على نطاق واسع في جميع أنحاء العالم.وموسيقى القدّاس هي عمل موسيقي كوراليّ ظهر في الكنيسة الكاثولوكية باللغة اليونانية بدايةً، لكن مع الوقت أصبح باللغة اللاتينية تُتلى في المناسبات الخاصة وفي الأيام العادية.
ويُعدّ الغناء الجريجوري واحدّا من أقدم أشكال الموسيقى الدينية في الكنيسة، والذي أضيف في عهد البابا جريجوري الأول في الفترة ما بين عاميْ 590 و 604 للميلاد، وما تزال حتى يومنا هذا من أكثر الممارسات الدينية السائدة عبر العالم، وهي عبارة عن ترتيلٍ مغنّى لبعض النصوص الدينية المصحوبة بألحان بسيطة مع إيقاعات تعود للعصور الوسطى دون أيّ استخدامٍ للآلات الموسيقية).
موضحا (يمتد تاريخ الموسيقى اليهودية الدينية إلى العصور التوراتية بحسب بعض الروايات، حيث شهد الكُنس والمعابد في ذلك الوقت العديد من الطقوس الدينية التي صاحبتها التراتيل الغنائية والألحان الموسيقية المتعددة، لا سيّما في معبد القدس عام 70 للميلاد، حيث كانت تتألف أوركسترا المعبد العادية من اثنتي عشر أداة، وجوقة المغنّنـــــين من اثني عشر مطربًا من الذكور.
وقد استخدم اليهود في ذلك العصر آلات الطبول والصنوج والقرون والأبواق، ولكن بعد تدمير الهيكل، منع الحاخامات استخدام الأدوات أثناء الصلاة حدادًا على سقوط الهيكل وهزيمتهم. ومع بدء تشتتهم وتوزعهم في عدة بلدان، عاد اليهود لاستخدام الموسيقى في صلواتهم التلمودية، الأمر الذي ما يزال معروفًا حتى يومنا هذا).
موضحا(طالما كان للموسيقى حضور مهمّ وأساسيّ في الطقوس التعبّديّة في الديانات والحضارات على اختلافها. وتوطّدت العلاقة بين الصوفيّة والموسيقى عبر الزمن. فمن جهة، لعب المتصوّفة بفضل طقوس السماع عندهم دورًا بارزًا في المحافظة على الموسيقى العربيّة المشرقيّة، ومن جهة أخرى، شكّلت هذه الموسيقى للمتصوّفين القالب الأمثل الذي يحفظ أذكارهم ويستوعبها، ويساعدهم على خوض تجربة روحيّة متكاملة. وللتراث الصوفيّ فضل كبير على الموسيقى العربيّة فقد ساهم في حفظ جزء كبير منها.
من المقامات المختلفة، إلى السماعيّات والبشارف وغيرها من القوالب الموسيقيّة المشرقيّة الأصيلة التي لم تكن لتتبلورَ وتَصِلَنا على الحال الفريدة التي وصلتنا عليها لولا السماع والغناء الصوفِيَّانِ. إضافةً إلى ذلك، للتصوّف أثر عميق الحضور في الموسيقى العربيّة اليوم إذ يشهد عصرنا الحاليّ على إعادة إحياء الموسيقى الصوفيّة بطريقة حداثيّة تتناسب مع ذوق العصر. فبين التجديد والتقليد ودمج الأنواع الموسيقيّة المختلفة، أدّى السماع الصوفيّ إلى خلق نوع من التثاقف.
فنتجت عن ذلك أغانٍ وألحان تجمع التقليد الموسيقيّ الصوفيّ بأنماط وأنواع موسيقيّة حديثة ومتعدّدة الخلفيّات والثقافات.
وانطلاقًـــــــــا من هذا النوع الجديد من الفن والموسيقى، تمّ استثمار التراث الصوفيّ العالميّ في بثّ القيم الروحيّة المهذِّبة للسلوك، في زمن تتنامى فيه لغة العنف حول العالم).