مختصون في الترجمة يدرسون نقدها وتطبيقاتها
العلاقة بين اللغات من النصوص الدراسية والأدبية إلى الكتب المقدسة
بغداد- رزاق ابراهم حسن
لم تكن الثقافة العربية خالية من النقد الترجمي، وانما تحفل الصفحات والمجلات الثقافية بدراسات ومقالات تتناول ما يصدر من ترجمات الى اللغة العربية، وبالعكس وتتناول اشكالياتها وسلبياتها، واخطاء المترجمين ودورهم في الثقافة العالمية، وفي تعميق اواصر العلاقة بين الثقافة العربية وهذه الثقافة ، ومع اهمية هذه الدراسات والمقالات الا ان الحاجة ظلت قائمة الى مؤتمر واسع، مكرس للترجمة، بمشاركة عدد كبير من المختصين في الترجمة من مختلف اللغات، وتجسديا لذلك فقد بادر قسم دراسات الترجمة في بيت الحكمة الى تحشيد عدد من المختصين في الترجمة من اساتذة كليات اللغات ودار المامون للاسهام في مؤتمر عن (النقد الترجمي وتطور حركة الترجمة العالمية) وقد تناولت بحوث المؤتمر معايير ومقاييس الترجمة والترجمة في ميادين معينة، والترجمة في بعض اللغات، وما يحصل للترجمة من اشكاليات، والبحوث كثيرة، وكثيرة التفاصيل ولكن المجال لا يتسع لغير تقديم ملخصات موجزة لها، وهذه الملخصات تبدأ من العام الى الخاص، الى اكثر خصوصية.
مقاييس واشكاليات
بعنوان (مقاييس النقد الترجمي) جاء بحث الدكتور رحيم علي الفوازي، وهو يؤكد ان الترجمة لا يمكن ان تكون موثوقة يمكن الاعتماد عليها والركون اليها ما لم تكن هناك ضوابط تحدد مستواها، ومن الضوابط ان يتم ضمان النقل الامني والمتكافئ بين دال ومدلول كبيرين تعديا حدود المفردة ليصلا الى نصوص كاملة ناقلة لمضمون شامل متكامل، بين كيانين كاملين مختلفين في البنية والقواعدية والمفردات.
ويرى الباحث ان قصور الترجمة يرجع الى قصور في لغة الترجمة ، كما ان الباحث يرى ان دراسة النقد الترجمي وفق مقالتين معيارية ضابطة لم تتحقق بصورة كافية، لان اراء الباحثين متباينة، وكل باحث يختلف عن الاخر في التعامل معها.
وفي بحثه (من اجل نقد الترجمة الادبية) يشدد الدكتور حسن سرحان جاسم على دور النقد الترجمي في التصنيف والفرز بين الجيد والرديء، بين الغث والسمين، مؤكداً على التعامل مع النص المترجم وفق تحليل نقدي دقيق (لغوي، اسلوبي، فني، ثقافي، سوسيوثقافي، تاريخي) كما انه يرى ان البحث في الترجمة الادبية، يتطلب الاجابة على الاسئلة التالية: ما هو النقد الترجمي؟ كيف نقوم به؟ ما هي اسسه التي يعمل بها؟ اي وسائل ومنهجيات نستطيع استخدامها لتفعيل النقد في الترجمة؟ويقول الدكتور تحسين رزاق عزيز في بحثه (النقد الترجمي اشكاليات مهام،اساليب: ان من الممكن ان يجمع المترجم بين القارئ والناقد) ويضيف: ان المترجم عندما يقحم في قراءته الفعالة وظيفة التقييم، وعندما يقوم بانتقاء نقدي للنتاج نفسه وللوسائل الفنية لتقديمه فانه في الواقع ياخذ على عاتقه وظيفة الناقد واذا لم يقم بعمل الناقد ذاته فهو يستعمل مادة الناقد والادوات التي يعمل بها ذلك ان الترجمة حسب رأي الباحث نفسه. تخضع للتقييم التاريخي حالها حال النص الاصلي. وهناك تساؤلات عدة يمكن طرحها الان وان لم تكن كلها جديدة، مع الاخذ بنظر الاعتبار خبرة الماضي، فمهنة المترجم مهنة قديمة اثبتت الاحداث والوقائع ضرورتها الملحة لكن مسالة الوظائف الثلاث الاساسية للمترجم كانت تطرح وتناقش في كل مرحلة تاريخية بطريقة جديدة ومستوى جديد مع ان الوظائف الثلاث كانت تستبدل احدها الاخرى في كل عصر.
وتحدد وظائف الترجمة بما يلي:
الاولىمن بين تلك الوظائف هي الوظيفة التعريفية المتمثلة بالترجمة المعلوماتية التواصلية او السردية (التي تعرض المادة).
الثانية الوظيفة الاستنساخية التي غالبا ما تنقل الترجمة وفقا لها النص الاصلي بكليته وعمقه الذي لا يؤدي الا الى تقليد محاكاة عبثية للغة الغربية (مثلا الترجمة الدقيقة للشعر السيء تبدو لا محال محاكاة سافرة له).
واخيرا الثالثة: وهي الوظيفة المعرفية الفنية، اي الترجمة الابداعية الخلاقة بصفتها بديل كامل الاهلية للنص الاصلي (سدوبتكوف ،2008،ص135).
لغات وحقول
تميز مؤتمر قسم دراسات الترجمة في بيت الحكمة (النقد الترجمي وحركة الترجمة العالمية) بكثرة البحوث التطبيقية فاول البحوث عنوانه (المترجم بوصفه كاتبا دراميا: دراسة نقدية في مشكلات ترجمة النصوص الدرامية) اذ تقول الباحثة الدكتورة هناء خليفة غني في بدايته (على الرغم من التاريخ الطويل للنصوص الدرامية الذي يمتد جذوره الى القرن الخامس قبل الميلاد كانت العناية بترجمة هذه النصوص الاقل حظا من بين انواع الترجمات الادبية وتضيف: وليس هناك ما يكفي من الدراسات مقارنة بانواع الترجمة الاخرى التي تتناول مشكلات ترجمة النصوص الدرامية والسبب في ذلك يعود الى تعود المترجمين على معاملة هذه النصوص بالطريقة ذاتها التي يعاملون بها النصوص الادبية الاخرى مثل القصة والرواية.
في بحث الدكتورة سداد انور محمد (اثر الادب المقارن: بريفير والسياب انموذجا) يتم تناول العلاقة بين هذين الشاعرين في اطار الادب المقارن،حيث تؤكد من خلال التحليل ان علاقة السياب بالشاعر الفرنسي بريفير ليست مقتصرة على ترجمة السياب لقصيدة هذا الشاعر وليست مجرد ترجمة قصيدة او موضوع مشترك فحسب، فان الشاعران عاشا في نفس الحقبة الزمنية. فهذه الدراسة ليست مجرد دراسة مقارنة بين كاتبين فحسب وانما دراسة لحقبة زمنية تمتد لتشمل فترة الحربين العالميتين ومدى تاثيرها على العالم بصورة عامة والادب بصورة خاصة، فالقيام بهذه الدراسات التقابلية يضيف حقائق جديدة الى البحث العلمي لان مثل هكذا دراسات لا تقتصر على دراسة كتاب والتعرف على بيئته واعماله وانما تمتد الى مجال اوسع يساعد في الوقوف على حقائق بصورة ادف واوضح. وتقول: ان العامل الاكثر فاعلية ضمن العوامل التي ادت الى انطلاق حركة الشعر الحر التجددية هي اطلاع رواده على الاداب الاجنبية وخاصة الشعر منها وتاثرهم بها طبيعة وفنا ومنجزا قبل تاثر اشعارهم وان اول تاثير للشعر الغربي على الشعر العربي كان يتخذ شكل الترجمة المباشرة حسب راي عبد الواحد لؤلؤة سنحاول في هذه الدراسة الوقوف على بعض الجوانب المشتركة بين الشاعرين اللذان ينتميان الى بيئتين مختلفتين : تارة من خلال المواضيع المشتركة التي يتناولاها وتارة من خلال الترجمة ودراسة الاثر والتاثير.
يختار الدكتور سامر اكرم حسين موضوع اشكالية ترجمة النص الادبي من اللغة الروسية الى اللغة العربية رواية المعلم ماريغريتا انموذجا).حيث يقارن بين ترجمتين لهذه الرواية يحدد الفروق بين المترجمين لها، وهما السوري يوسف الحلاق والمصري ابراهيم شكر، ويقول : ان ميزة بحثنا هذا كونه اول تجربة للنقد الترجمي لرواية المعلم ماريغريتا بشكل يوضح الاختلافات في الاسلوب الترجمي وتقديم راي حول بعض العبارات غير الواضحة.
ويقدم الباحث علي حسنين الزبيدي بحثه عن نقد علامات الوقف: الفارزة انموذجا، حيث يقارن بين استخدام الفارزة في اللغتين العربية والالمانية، حيث يلاحظ ان الفارزة من اهم علامات الوقف لكونها تقسم وتحدد المعنى المقصود في العربية ولكنها في الالمانية ليست من علامات لها انهاء الجملة، لذلك يوضع ما بعدها حرف صغير مادامت الكلمة اللاحقة ليست بكلمة رئيسة او اسم، كما ان الفارزة في العربية علامة مهمة من علامات التنقيط، وهي في العربية تستخدم اكثر من مرة في المقطع الواحد، ولكنها في الالمانية تستخدم مرة واحدة في المقطع الواحد.
وعلى اساس ذلك فان البحوث التطبيقية توزعت بين بحث يتناول ترجمة النصوص الدرامية، وبحث عن الادب المقارن من خلال ترجمة السياب لقصيدة الشاعر الفرنسي ابريفير، وبحث يقارن بين ترجمتين لرواية واحدة، وبحث يتناول استخدام الفارزة في اللغتين العربية والالمانية، وكل بحث يختلف عن الاخر في المقدمات والنتائج، ولذلك لا تخضع هذه البحوث لتصورات ومعايير عامة.
ترجمة الكتب المقدسة
وقدمت في المؤتمر بحوث عن ترجمة الكتب المقدسة منها: (الدلالات السباقية في ترجمة الكتب السماوية المقدسة: دراسة تحليلية نقدية مقارنة) بقلم حيدر حسين عبيد، و (آراء نقدية في ترجمات الكتاب المقدس) بقلم مؤيد حسين منشد و (نقد ترجمة القران الكريم في ضوء الكتب المقدسة) بقلم احمد سامي جاسم. ويلاحظ الى مفردات اللغة الاخرى مما يؤدي الى الاخلال بروح النص الاصلي فضلا عن عدم ادراج الحقائق التي تشير اليها النصوص الاصلية لاسباب دينية وعرقية. وهذا ما يحصل عند ترجمة الكتب المقدسة الى بعض اللغات ولمعالجة ذلك يقترح الباحث اجراء دراسات لمقارنة شاملة لكل ما تتضمنه الاديان من احكام تشريعية واداب اجتماعية من خلال الرجوع الى الكتب الاصلية. ويتطرق الباحث مؤيد حسين منشد الى تاريخ الكتاب المقدس (التوراة) وما حصل فيه من تحريف مستهدفا من خلال ذلك الوقوف على نقاط الاختلاف والالتقاء بين تراجم هذا الكتاب قبل وبعد ما حرف مع التطرق الى العهد القديم الذي كتب بالعبرية وكذلك العهد الجديد الذي كتب باللغة اليونانية. ويلاحظ الباحث احمد سامي محمد اختلاف المستشرقين عن المسلمين في تعاملهم مع القران الكريم بخاصة مقارنة الكتب المقدسة في الاديان حيث ان جانبا كبيرا من هذه الدراسات يهتم بمقارنة موضوعات قرانية بموضوعات توراتية، او بموضوعات من العهد القديم، او العهد الجديد وذلك لان عددا كبيرا من المستشرقين بالخلفية اليهودية النصرانية، ويطرح الموضوعات القرانية من منظور يهودي نصراني، ومن الموضوعات التقليدية دراسة القران الكريم للدين الاسلامي، ومصدر للشريعة الاسلامية، ومصدر للعبارات والمعاملات في الاسلام، ومصدر للاخلاق في الاسلام، كما اهتم فريق من المستشرقين بعمليات تاصيل لمسميات القران الكريم مثل مصطلحات القران وسورة، واية، وبسملة، وعالج بعضهم موضوعات القراءات القرانية، وظاهرة التكرار في القرآن. ويضيف : من مجالات الدراسات القرانية عند المستشرقين الاهتمام بالموضوعات اللغوية والاسلوبية، ومن اهمها موضوعات :البلاغة،والاعجاز القرآني،ولغة القرآن الكريم،والاسلوب القرآني، وغريب القرآن، او ما يسمى عند المستشرقين بالالفاظ الاجنبية في القران الكريم ، او (الدخيل السامي) وغير السامي في القران الكريم، والدراسات حول معاجم القران الكريم . اهتم المستشرقون بقصص الانبياء في القران الكريم، وعقدوا مقارنات لكثير من هذه القصص بما يقابلها من اسفار العهد القديم والعهد الجديد. واهتم المستشرقون ايضا بالموضوعات المرتبطة باليهودية والنصرانية، وبالتصور القراني للديانتين، وبالنقد القراني لهما.
ندوات ومؤتمرات
ان البحوث التي القيت في المؤتمر لم تكن مستوفية لموضوعاتها اذ يمكن اعتبارها مداخل لهذه الموضوعات، ومقدمات لها، فعلامات الوقف عند اللغات تستحق ندوة او مؤتمراً وهذا ما تستحقه موضوعات ترجمة الكتب المقدسة، وترجمة النصوص الدرامية والادب المقارن من خلال النصوص المترجمة وطبيعة كل لغة في تعاملها مع النصوص المترجمة، ولعل قسم دراسات الترجمة في بيت الحكمة قد اخذ هذا الامر بنظر الاعتبار، وذلك بالتواصل مع هذا المؤتمر المهم، والعمل على تعميق موضوعاته بمزيد من الندوات والمؤتمرات.