العلاقات العراقية ـ الإيرانية
التمهيد لاتفاقية الجزائر
د. نصيف الجبوري
لقد أثقل النظام البائد كاهل العراقيين في جميع الاتجاهات فلم يكتف بسياساته الاقصائية الدكتاتورية الاستئصالية ضد الحركات السياسية الوطنية. انما فرط بسيادة العراق عبر تنازلاته المذلة لدول الجوار كتركيا وايران والكويت والاردن. ولعل اتفاقية الجزائر في السادس من اذار 1975 من ضمن المعاهدات التي فرطت بحقوق العراق ولم تعط حقها من البحث والتمحيص على الرغم من انها كانت سببا لحرب ضروس استمرت ثماني سنوات بين العراق وايران.
ان هذه الاتفاقية قد نصت صراحة على منح نصف شط العرب لايران لكن شقها غير المكتوب اكثر ايلاما وتفريطا وتمزيقا للنسيج الاجتماعي للشعب العراقي. فالشق الامني الذي لم يتحدث عنه النظام العراقي ولا يعلم فحواه الا القليل من السياسيين العراقيين انذاك وهو الجانب التآمري المتعلق بمصير الاكراد العراقيين والثوار العربستانيين. من جانب اخر فقد اخبرنا النظام العراقي نفسه عن تنازله عن أراض كثيرة في سيف سعد وزين القوس وغيرهما لشاه ايران عندما بادر بإلغائها عام 1980.
ان اتفاقية الجزائر مرتبطة ارتباطا وثيقا بقيادة حزب البعث المتمثلة انذاك بالرئيس العراقي احمد حسن البكر ونائبه صدام حسين من جهة وشاه ايران من جهة اخرى بوساطة من الرئيس الجزائري الراحل هواري بومدين. لقد كانت ايران تحظى بمساندة غربية مطلقة واريد لها ان تكون شرطي الخليج في المنطقة. ان الظروف السياسية العالمية انذاك والتحولات الداخلية في كل من العراق وايران كانت مناسبة لعقد مثل هذه الاتفاقية وكانت نتيجة طبيعية لمجموع تلك العوامل المتشابكة محليا واقليميا ودوليا تمخضت عنها ولادة تلك الاتفاقية.
بدأ الشعب العراقي في فترة حكم الرئيس السابق عبد الرحمن عارف يتمتع بفضاء نسبي من الحريات العامة. وحاول ذلك النظام الاعتماد على كفاءات وطنية لحل مشاكله الداخلية المتراكمة لا سيما المشكلة الكردية. لقد تمكن على سبيل المثال رئيس وزرائه عبد الرحمن البزاز من صياغة اتفاق سلام متوازن بين الحكومة المركزية وقيادة الثورة الكردية هادفا بذلك تعزيز الوحدة الوطنية بين ابناء الشعب الواحد وكاد الطرفان ان يوقعا اتفاق سلام. لكن اجواء الحرية لم تدم طويلا فقد استغلها الظلاميون عندما تآمروا في جنح الظلام بتنفيذ انقلابهم في السابع عشر من تموز 1968. تمكن الانقلابيون من خداع الشعب العراقي أول الامر فلم يفصحوا عن هويتهم الحزبية الى ان تمكنوا من السيطرة على مقدرات الامور بعد اقل من اسبوعين. كانت الظروف عسيرة على الامة العربية والاسلامية في تلك الفترة. فهزيمة الخامس من حزيران 1965 كان لها وقع مدوي لدى مثقفي الامة واحزابها الوطنية والقومية التقدمية. كان الجميع يبحث عن مخرج سياسي عقائدي اجتماعي ينقذ الامة مما حل فيها من محنة عظيمة. مما جعل بعض الاحزاب تتوهم بأن الحلول الاصلاحية يمكن ان تأتي من عقائد اديولوجية مستوردة قد تخرج الامة من كبوتها. فاتجه بعضها نحو اقصى اليسار والبعض الاخر نحو اقصى اليمين. في حين كان الصراع على اشده بين التيارات العروبية فيما بينها داخل الاوطان العربية من جهة. وطرحت تنظيمات الاسلام السياسي نفسها من جديد كبديل للتيارات القومية من جهة اخرى. في مثل هذه الظروف وفي محاولة لتصفية الحساب مع التيار القومي العربي طرح حزب البعث نفسه بديلا عن عموم التيار القومي وشرع بسياسة لي الذراع مع التنظيمات الوطنية في كل من سوريا والعراق ليفرض واقعا تحت قوة السلاح والارهاب لخدمة سطوته وسيطرته على ثروات ومقدرات هذين البلدين. لكن وفي ظل الازمة النفطية العالمية انذاك أضحى العراق محط انظار دول المعسكرين الاشتراكي والرأسمالى على حد سواء. فقد وضعت الدول الاشتراكية مبادئها العقائدية على الرف واهملت الدول الراسمالية معايير حقوق الانسان التي تنادي بها استجابة الى مصالحهما مع النظام العراقي الحاكم. لقد كانت معظم دول العالم تخطب ود النظام البعثي فقد صنفه المعسكر الاشتراكي بالنظام التقدمي الاشتراكي واعتبره المعسكر الرأسمالي نظاماً واقعياً مناهضاً للشيوعية ويهدف الطرفان الى مدارات احتياجاتهما النفطية الملحة. على الرغم من تبجح قيادة النظام العراقي الجديدة بتبني حزب البعث للقومية العربية لكنها في حقيقة الامر كانت من ألد اعدائها. لقد خدمتها الظروف السياسية انذاك واستغلت انشغال قيادة التيار القومي العربي متمثلة بالرئيس المصري الراحل جمال عبد الناصر في حرب الاستنزاف لاستعادة الحقوق الى اصحابها من الكيان الصهيوني. ومحاولته اعادة الكرامة العربية التي هدرت في حزيران عام 1965 ومن ثم وفاته قبل ان يحقق هدفه وانحراف خلفه. فسح المجال واسعا لحزب البعث الحاكم في العراق المتاجرة بالقومية العربية ووضع نفسه وريثا لها.
استغل شاه ايران تشتت الموقف العربي وعزلة حزب البعث العراقي الحاكم عن محيطه العربي فقام في عام 1969 تصعيد الموقف ضد العراق من خلال مرور البواخر الايرانية بشط العرب دون ان يقودها ادلاء عراقيون كما كان معمول به سابقا. ثم صعد الشاه الموقف اكثر مما مضى عندما الغى اتفاقية عام 1937 من جانب واحد لأسباب تافهة من بينها اتهام السلطات العراقية بقتل احد صيادي الاسماك الايرانيين في منطقة شط العرب وكذلك ادعاء ايران بتضرر الرعايا الايرانيين في العراق نتيجة تطبيق احكام الجنسية العراقية وثالثة ادعاء ايران بأن تلك الاتفاقية عقدت أيام الاحتلال البريطاني للعراق مما حرمها من حقوقها بشط العرب.
برع النظام العراقي في تحويل ازماته الداخلية عبر خلق الازمات الخارجية فانتهج سياسة اعلامية قومية متطرفة ضد ايران. وان الاخيرة هي الاخرى كانت تسير وفق سياسة عنصرية فارسية توسعية متطرفة. فقد بدأت تهدد دولة البحرين العربية في هويتها وازدادت سياساتها ظلما وجورا عندما احتلت الجزر العربية الثلاث طنب الكبرى وطنب الصغرى وابو موسى التابعة لدولة الامارات العربية المتحدة عام 1971 وذلك عشية استقلال هذه الدولة الفتية.
صعد النظام الشاهنشاهي تدخلاته المباشرة في الشأن العراقي في شمال العراق عبر المشكلة الكردية فزاد مساعداته المالية والعسكرية والسياسية للاكراد العراقيين. وفي جنوب العراق ايضا عبر الغائه الاتفاقيات الدولية في شط العرب ورفضه التعاون مع مؤسسة الموانئ العراقية كما ذكرنا انفا مما زاد من توتر الاوضاع بين البلدين ومهد بالتالي الى عقد اتفاقية الجزائر التي جرت بوساطة الرئيس الجزائري هواري بومدين عام 1975. ولهذا المقال صلة.
AZP07