
العصبية القبلية والإسلام وثورة 14 تموز – علي العكيدي
العرب قبل الإسلام كانت حياتهم الاجتماعية وما يرتبط بها من سلوكيات وممارسات مرتبطة بشكل أو بآخر بالقبيلة ،فكان الناس قبائل وعشائر وبطون وانتسابات ممتدة بهم الى زمن نبي الله إبراهيم (عليه السلام) والقبيلة الصغيرة كانت تحتمي بالأكبر وتعمل معها على خط واحد لغرض العيش بشكل طبيعي والتخلص من قوة القبائل الكبيرة ،حيث الناس تعيش على الغزو والقوي يسيطر على الضعيف ومن هنا ولدت العصبية القبلية التي كان يرى بها العربي قبل الإسلام مصدرا لقوته وعنفوانه ووجوده كآدمي .
الولاء للقبيلة تبدل بعد الإسلام بعد ان منّ الله تعالى على العرب بخاتم أنبيائه ،وآخر أديانه فجاء الإسلام زاخرا بالقيم والتقاليد والطقوس المحببة للنفوس ،فتبدلت بذلك معايير الولاء فصار للإسلام بدلا من القبيلة ،وهكذا اجتمعت قبائل شبه الجزيرة العربية وكانت أداة الإسلام الأولى وشاركت تحت رايته متناسية أصولها القبلية مستجيبة الى أصول أخرى أكثر عراقة وإيمانا وهي ما يتعلق بانتمائهم العقائدي الجديد وولائهم له ودفاعهم عنه ومشاركتهم في الغزوات والمعارك التي انجلت فيما بعد عن دولة إسلامية يقودها الرسول الكريم محمد بن عبد الله (صلى الله عليه واله وصحبه وسلم )
في زمن الأمويين انحسر مد الانتماء الإسلامي ليظهر مكانه من جديد الولاء القبلي فظهرت القبائل وأخذت تعود إلى أصولها وهي تحت راية الإسلام فتجدد النزاع بين بعض قبائل عرب الجنوب القحطانيين وعرب الشمال العدنانيين أما خلفاء بني أمية فهم من كان وراء المد القبلي الجديد ، فكان ذلك الأمر واحدا من أسباب سقوط الدولة الأموية
ومن هنا نستطيع القول إن العودة للقبيلة وان كان تحت راية الإسلام فهو أمر غير محمود فللقبائل أعراف وتقاليد جمدها الإسلام وارسى قواعد وقيم مقبولة للناس بدلا عنها فراى المسلمون أن الولاء للإسلام هو أفضل لهم وأكثر أمانا واستقرارا.
مد قبلي
استمرت الأوضاع على هذه الحالة مرة يضعف المد القبلي ومرة يقوى بناء على قدرة السلطات الحاكمة على الحد منه والتقليل من أهميته وأهمية الاعتماد عليه ثم يقوى ويظهر على السطح عندما تضعف السلطات وتكون غير قابلة على أن تستثمر مبادئ الدين الإسلامي العظيمة بتعاملها مع الشعب ،وظلت الأوضاع على هذه الحالة طوال العهد العثماني الذي اعتمد على بعض العشائر بتقوية ملكه مما ساعد على ظهور القتال القبلي بين القبائل الممولة والمدعومة من العثمانيين وتلك التي كانت في الصف الآخر تقاتل العثمانيين بشكل أو بأخر وترفض وجودهم
وفي العهد الملكي ظلت القبيلة في الواجهة وظل الناس ينتمون إلى قبائلهم رغم تحضر الدولة ونظرتها للقانون على انه هو الأصل ،والسبب في ذلك هو اعتماد نظام الحكم آنذاك على شيوخ القبائل فكانت لهم سطوتهم على أبناء قبائلهم وتعاملهم الفوقي معهم فكانوا أشبه بالعبيد للأسف لكن الدولة لم تكن لتنزعج من سلوك كهذا المهم لديها أن يكون شيوخ القبائل أداة مهمة من أدواتها لحفظ الأمن والتقليل من من أهمية خروج أبناء الطبقة الفلاحية ضد السلطة بشكل أو بأخر, ومن ناحية ثانية كان للشيوخ أيضا دور بتثبيت النظام السياسي من خلال مشاركتهم فيه سواء في مجلسي النواب أو الأعيان هذا الأمر خلق طبقة برجوازية إقطاعية متنفذة تتعامل مع الفلاح على انه إنسان من الدرجة الثانية ،وهناك حكاية انقلها هنا سمعتها من والدي رحمه الله إذ قال لنا يوما نحن أبناءه وهو يصف حال الفلاح بقوله كان هناك فلاح جاء يوما إلى زوجته فسألته عن حاله فقال لها اليوم تكلم معي (المّحفوظ ) والمّحفوظ هو لقب يلقب به شيخ العشيرة او القبيلة الإقطاعي الذي يملك الأرض فقالت له ماذا قال لك فقال: قال لي (تعال ولك) أي ناداه كي يأتي إليه ،وكلمة (ولك) في العرف الاجتماعي العراقي تقال للتقليل من شأن المقابل إلا أن شدة الطغيان والتكبر الذي يستخدمه الإقطاعي مع الفلاح جعل الفلاح يغض النظر عن كلمة ( ولك) وما يترتب عليها من تصغير للشأن فأعتبر كلام المّحفوظ معه هو مكسب له ,هذه الحكاية ذاتها تدل وبما لا يقبل الشك عن مدى استهتار الإقطاع بمقدرات الناس ، والحالة هنا جاءت بسبب أولا البعد عن قيم الإسلام النبيلة التي تحث على المساواة ونبذ التكبر والتعالي، فالكل سواسية كمسلمين، وثانيا لضعف القانون أو بالأصح لتهاونه مع الإقطاع كونه جزء من الدولة التي كانت رغم قوة القانون تغض النظر عن سلوكيات الإقطاع المبنية على أصول جاهلية قدمت الوجوه العشائرية الخاصة على العامة ،لذلك عندما قامت ثورة الرابع عشر من تموز كان الناس سواء في المدن أو الريف قد ساندوها وأيدوها إلى ابعد الحدود للتخلص من سطوة الإقطاع الذي أنهك الفلاحين وقلل من شأنهم وأستصغر وجودهم ونهب خيرات أراضيهم وجهودهم ،وبعد الثورة بأسابيع وبالتحديد في 30 أيلول 1958م أصدرت الحكومة العراقية قرارها الكبير بإصدار قانون الإصلاح الزراعي الذي نظم الحياة العملية في الريف ومنح الفلاح العراقي حقوقه وقلل وبشكل كبير من سطوة الإقطاع وشيوخ العشائر التي كانت بمثابة آفة جاهلية ساندتها السلطات وهي تنهش المجتمع الريفي وتجرده من محتواه الإنساني.
حماية القانون
وهكذا ضعفت العشيرة وضعف دورها لتحل محلها الدولة بكل مؤسساتها ولينعم الإنسان بحماية القانون فهو أفضل بكثير من قانون العشائر وهكذا فقد أثبتت معادلة ضعف الدولة وظهور العشائر وسطوتها على السطح من جهة ،وقوة الدولة وضمور العشائر وقلة دورها وأهميتها من جهة أخرى ،على أنها معادلة إن لم تكن مقدسة لعظمة أهميتها كحالة ميدانية وواقعية ،فهي صحيحة ولا غبار عليها، وبذلك تكون ثورة الرابع عشر من تموز قد عادت الإنسان العراقي وأعادت ولائه إلى الدولة التي يحكمها الإسلام من خلال دستور يستند إلى مبادئه وقضت على السلوكيات المستبدة والطغيان المستند إلى العصبية القبلية وما يشوبها من ممارسات جاهلية حاربها الإسلام كونها لا تدخل في صميم نظرته للإنسان كونه الأصل في معادلة الحياة على الأرض.
















