العرب والتشرذم السياسي والديني

العرب والتشرذم السياسي والديني
إبراهيم الشيخ
يبدو ان بعض الدول وبعد فشل سياستها تلجأ الى علماء الدين واستغلال تأثيرهم على الناس وذلك باسم الدين لتحقيق اجندتها وسياساتها.
ولذلك أصبحت المنابر مكانا للتعبير عن المواقف السياسية لبعض البلدان بواسطة علماء الدين الذين نسوا ان هذه المنابر هي للموعظة وتقريب الناس الى الدين ومحبة الخير للاخر،الا ان العكس يحصل واصبحت المنابر مكانا للتحريض ضد الآخرين.
وما خُطب العلماء والشيوخ الا دليلا على ذلك، وكذلك خطبة الشيخ القرضاوي نهار الجمعة حول الازمة السورية والذي اصبحت شغله الشاغل واصبح يغار على الشعب السوري اكثر من السوريين انفسهم، وينسى أو يتناسى مآسي الشعب الفلسطيني الرازح تحت الاحتلال ويمر على هذا الموضوع مرور الكرام، وبالنسبة له لم تعد امريكا واسرائيل عدوين للعرب.
من غير شك ان الازمة السورية قد قسمت العرب وازداد الاستقطاب لهذا الطرف او ذاك، والكل يعرف ان المعارضة منقسمة وليس فهذا فحسب، ولكن القوى التي تدعم هذه القوى ايضا منقسمة ولا تتفق مع بعضها بعضاً، ولكن هناك قاسم مشترك يجمعهم وهو اسقاط النظام، ولكن لكل طرف اجندته التي يريد تحقيقها في هذا البلد.
ان الاطراف العربية والاقليمية التي تدعم المعارضة او النظام في سوريا لا يهمها اقامة نظام ديمقراطي، ولكن ما يهمها اكثر هو اقامة نظام مطابق لتوجهاتها السياسية ومعتقداتها الدينية، ولذلك اصبح الشعب السوري اداة للمتاجرة به من قبل السياسيين وعلماء الدين من جميع التوجهات.
فالشعب السوري يستحق العيش بحرية وديمقراطية وهذا امر غير قابل للنقاش وهذا يعتبر من اساسيات الحياة وليس منة من احد، ولكن الدول التي تتباكى على سوريا فهي تمد وتساعد الاطراف بكل وسائل القتل والتدمير وفي الوقت نفسه لا تسمح بالحرية لمواطنيها بالتعبير عن رأيها ومعارضة سياساتها، وكما يقول المثل العربي الشائع ان فاقد الشيء لا يعطيه .
فالدين لله اولا ومن ثم للجميع كما الوطن، ولذلك كل انسان يستطيع ان يختار كيفية التقرب الى الله دون التدخل من قبل الاخرين لفرض الاراء والافكار التي يرونها صحيحة من وجهة نظرهم عليه، وهذا ما تريد بعض القوى فرضه على سوريا وفرضها على الشعب السوري بأكمله اراد ام لم يرد، ولهذا الهدف يستميتون على سوريا من اجل الاستئثار بالنفوذ والسلطة.
ان الاسلام السياسي الذي وصل الى السلطة في بعض البلدان العربية وقد يصل الى السلطة في بلدان اخرى من خلال صناديق الاقتراع لا يقدر على فصل الدين عن السياسة لان هذه المسألة تعتبر من الامور الصعبة جدا في الوطن العربي لما يمثله الدين لهذه الشعوب، ولذلك من الصعب تحقيق هذا الفصل كما في الدول الديمقراطية الذي يعتبر من اساسيات الانظمة الديمقراطية الغربية التي لا تسمح لرجال الدين بالتدخل في الامور والقضايا السياسية الداخلية والخارجية التي هي من مهمة اجهزة الدولة.
ولكن هناك دول مسلمة حققت تقدما في مجال فصل السياسة عن الدين واقامت انظمة ديمقراطية حقيقية من الصعب تحقيقها في الوطن العربي في الوقت الحاضر.
ان التغيير الذي حصل في الوطن العربي نتيجة للثورات التي قامت بها بعض الشعوب ادت الى وصول الاسلام السياسي، ولكن القوى والاحزاب الاسلامية غير موحدة ولا تمثل قوة متوافقة فكريا، ويحملون افكارا مختلفة بالنسبة لممارسة السلطة وتطبيق الشريعة، رغم التعهدات بعدم فرض افكارهم على الشعوب بالقوة، الا ان الامور مناقضة لما قالته وتقوله هذه القوى، لان الوصول الى السلطة شكل لها الفرصة المنتظرة منذ زمن لفرض افكارها ومشاريعها التي حلمت وتحلم بها بإقامة نظام اسلامي.
في بعض الدول العربية لا يحيز الشيوخ وعلماء الدين عن سياسة الدولة المتبعة في الامور والقضايا السياسية ويتبناها هؤلاء العلماء واصبحوا يتكلمون في المسائل السياسية اكثر من المسائل الدينية واصبحوا ناطقين باسم هذه الانظمة التي تحاول فرض اجندتها وسياستها على الدول الاخرى، واصبح لكل نظام ابواقه من علماء وشيوخ يتلقون الاوامر والتعليمات لما يجب قوله.
ان الشعوب العربية وانظمتها عاشت وتعيش تشرذماً سياسياً منذ زمن، والان تعيش التشرذم الديني لعدم معرفة من يمثلها، لان المرجعية الدينية الموحدة كما المرجعية السياسية غائبة، ويعيش الوطن العربي فراغا في القيادة والكل يتزاحم على قيادته.
AZP07