بغداد – الزمان
تعكس مواكب المسؤولين العراقيين المؤلفة من المركبات الفخمة وأفراد الحمايات المسلحين بطريقة مبالغ فيها، قضية اجتماعية وسياسية تشغل اهتمام المواطن العراقي، المتجسد على شكل جدل واستياء، ومطالبات بإنهاء الظاهرة، التي زادت لكن من دون استجابة فعلية لردعها، من قبل الجهات ذات العلاقة.
وعندما يستخدم المسؤولون مواكبهم ومركباتهم الفخمة بشكل مفرط دون توضيح الأسباب الضرورية لذلك، فان التفسير له، هو تبذير المال العام وعدم الاهتمام بمصلحة المجتمع، والخوف من الجماهير.
بل أن وزير الداخلية العراقي، عبد الأمير الشمري، وفور استلامه المنصب نهاية تشرين الأول من العام الماضي وعد بتوفير انسيابية في الشارع وعدم قطع الطرق من قبل مواكب المسؤولين، إلا أن الوعد بقي طي الإهمال من دون تطبيق.
وهذا الأسبوع، وثق مقطع فيديو، زحاما مروريا كبيرا عند محيط ساحة الحسنين في العاصمة بغداد، وتوقفت حركة المرور، من أربع جهات عند وصول موكب تابع لأحد المسؤولين، ما اثار حفيظة سائقي المركبات، والناس القريبين من المكان.
وفي تغريدة على موقع أكس، قال الناشط علي حسن إن «الأوامر الرسمية لا تطبّق على المسؤولين،
فكيف نقنع المواطن بالتزام القانون».
ومن وجهة نظر الناشط ماجد شاكر على فيسبوك فان «المسؤول جاء لخدمة الناس لا للإساءة لهم والتجاوز عليهم».
وتُبرز مواكب المسؤولين، الفروقات الواضحة بين الطبقات الاجتماعية في العراق، وتجعل الناس يشعرون بالغضب والإحباط عند رؤية المسؤولين يتجاوزون حواجز المرور ويستخدمون مركبات فخمة فيما الكثير من المواطنين يعيشون في ظروف اقتصادية صعبة.
رى الوزير السابق، والمهندس، محسن الشمري ان «استمرار مواكب المسؤولين المستفزة للمواطنين يعطي دليلا واضحا وصريحا على انهيار العقد الاجتماعي بين المواطن وبين السلطة (المنظومة الحاكمة)».
ويعتبر الشمري إن «الظاهرة تؤكد سوء الادارة والفشل الذي أقرت به الطبقة السياسية على نفسها، علنا وفي عدة مناسبات ومن اكثر من رئيس كيان»، معتبرا إن «انكفاء أعضاء الطبقة السياسية على تحقيق مصالحهم الشخصية والعائلية والحزبية والتنظيمية الضيقة، قطع اغلب الوسائل والطرق بين الطبقة الحاكمة وبين الشعب، فأصبحت قواعدهم في حالة انحسار متواصل وهذا التقييم يتكرر مع كل نسبة مشاركة في الانتخابات، رغم البذخ المفرط بالأموال لجذب العراقيين الى المشاركة ولم تصل نسبة المشاركة الى اكثر من 20% من اعداد المسجلين في سجل الناخبين بمفوضية الانتخابات المستقلة».
واسترسل «لا ننسى بان الدعم المفتوح من الاجندات الاقليمية والدولية لأكثر الكيانات المشاركة في السلطة منذ 2003 وانكشاف امرها، وهذا الامر سلب منها ما تبقى من مصداقية وثقة وما تمثله من دور أساسي لبناء العقد الاجتماعي المطلوب في بناء الفرد والاسرة والمجتمع والمؤسسات والنظام والدولة».
وتعمل مواكب المسؤولين على إغلاق الطرق وتعطيل حركة المرور، ما يتسبب في إزعاج الناس وإضاعة وقتهم، ويزيد من استياء الجمهور.
ويرى الصحافي العراقي عقيل الشويلي، في حديث لـ الزمان، إن حياته اليومية في العاصمة بغداد تكشف عن إن «المواكب بالسيارات الفارهة، والحمايات، اصبحت ثقافة لدى المسؤولين»، مستدركا «بل إن عوائلهم وخصوصا الزوجات، يخرجن في أرتال وحمايات، ويقوم ضابط او منتسب أمني بفتح حتى أبواب السيارات لهن».
واعتبر الشويلي إن «هؤلاء لا يهمهم الوضع الاقتصادي والازمة المالية التي يمر في العراق، بل
لا يهتمون حتى بالجانب الأخلاقي في هذا السلوك»، مشيرا إلى «المسؤولين يدركون جيدا إن الشعب
لا يرغب بهم وهو ساخط عليهم ولهذا يصرون على الارتال الضخمة المحمية التي تجوب الشوارع».
واستطرد «تبقى الشوارع مغلقة خوفا من ان تكون هنالك فرصة بالإطاحة بالفاسدين».
وترتبط الظاهرة بانعدام المساواة في الفرص وتوزيع الثروة، وإذا كانت الحكومة لا تتخذ إجراءات فعالة للتخفيف من الفوارق الاقتصادية والاجتماعية، فإن هذا قد يؤدي إلى تفاقم الاستياء والغضب.
ويعترف شرطي المرور علاء اللامي بان «رجال المرور يتعرضون إلى ضغوطات مواكب المسؤولين على حساب تنفيذ القانون، بل هم يتوقعون الاعتداءات التي ينفذها أفراد حماية تلك المواكب، بل وحتى
صديقات وعشيقات المسؤولين، وهو ما حدث في اكثر من مرة». ورصدت الزمان على موقع اكس، استبيانا قام به احد المغردين عن الأسباب وراء تباهي وتنافس المسؤولين العراقيين بعد 2003، على فخامة وأعداد المواكب والحمايات، لتكون النتيجة إن نحو 85.9% من المشاركين يعتبرونها نقص جاه (برستيج).
ويعتبر الصحافي العراقي فلاح المشعل انه في «خلال أيام التظاهرات تختفي مواكب المسؤولين والسياسيين الطويلة والمزعجة في بغداد وبقية مدن التظاهرات»، معتبرا إن «السياسي والمسؤول صار يخاف من الشعب أكثر من القضاء والنزاهة في حالات الهيجان الشعبي».
ويصف الخبير القانوني علي التميمي، في حديث لـ الزمان، «مواكب المسؤولين، وحالات الازعاج والمضايقة وفي بعض الأحيان وحالات الاعتداء على رجال المرور بانها ظاهرة سلبية خطيرة،
تثير النقمة الشعبية على الطبقة المتنفذة، فضلا عن إنها تمثل حالة اعتداء على حياة المواطن
وقال: «حدثت حالات كثيرة يعتدي فيها أفراد حمايات المسؤولين على المواطنين ورجال المرور، وهي
جرم مشهود بوجود مرتكبها في مكان الحادث مع توفر الركنين المادي والمعنوي وهي تتحقق في الجنايات والجنح والمخالفة وفق المواد 1 و102 من قانون الأصول الجزائية، حيث يمكن إلقاء القبض على المتهم مباشرة وفقًا لهذه المواد دون الحاجة لأمر قضائي».
ويستطرد التميمي إن «المادة 229 من قانون العقوبات تنطبق على فعل المتهمين بالإساءة لرجال المرور وهي الاعتداء على الموظف أثناء الواجب وتصل عقوبتها إلى الحبس سنتين».
وفي الوقت الذي يرى فيه الناس أن هناك تجاوزات وتبذيراً في استخدام الموارد، فأن ذلك يؤثر على تقديم الخدمات العامة الملائمة للمجتمع.