العراق من أين ؟ وإلى أين؟ -3-
خالد محسن الروضان
الارهاب والتكفير … من اين ؟ ولماذا؟
نعيش في زمن يتفاقم فيه العنف بشكل لم نشهد له مثيل في حياة البشرية حتى في القرون الوصطى والقرون التي سبقتها .. يذبح الانسان بطرق بشعة وهمجية وان العجيب العجب في هذه الجرائم التي ترتكب بحق الانسانية ينفذها وحوش ومجرمون ينسبون انفسهم الى الدين الاسلامي الحنيف وتحت عناوين وشعارات وفتاوي اسلامية ويصفهم البعض بانهم متعصبون متشددون اسلاميون ، وهذه التسمية السائدة في الاعلام الاوروبي والتي انتشر تداولها في كافة وسائل الاعلام في العالم ، وهي تسمية تخفي ورائها اغراض واهداف امريكية وصهيونية . فلو تتبعنا نشأت هؤلاء المجرمين القتلة نجد انهم ولدوا من رحم طلبان التي استخدمتها امريكا في مواجهة قوات الاتحاد السوفيتي التي احتلت افغانستان في ثمانينات القرن العشرين .
وبعد انجاز طلبان هذه المهمة اصبحت افغانستان وطلبان البيئة المناسبة والارتكازية لتنظيم القاعدة ومن خلالها سوقت امريكا المجرمين والقتلة والذين اطلقت عليهم تسمية (متشددين متعصبين اسلاميين ) وخلطت بين اعمالهم القذرة والمقاومة الشريفة للامة وكانت غايتها ما يأتي :ـ
1. تشويه صورة الاسلام والمسلمين في نظر شعوب العالم .
2. اجهاض واجتثاث اليقظة الثالثة التي يعيشها العالم العربي والاسلامي .
3. اقامت تجمع دولي للحرب على الارهاب ليكون مبررا للحروب الامريكية في افغانستان والعراق . من يقرأ زعامة القرن الواحد والعشرين التي اعدها (رتدشادبيل) واقرها المحافظون والتي تقول (انها لايمكن استعادة زمام المبادرة بعد نهاية الحرب الباردة وتأمين زعامة مديدة لامريكا على العالم للقرن الواحد والعشرين الا بعملية عسكرية امبراطورية تتم من خلالها السبطرة على افغانستان والعراق ثم الانقضاض على سوريا وايران ، والوصول الى صفقة سياسية تكون اليد الاسرائيلية فيها هي الاعلى في منطقة الشرق الاوسط وتنشأ منها كيانات تابعة ) .وهكذا استرجع الاستعمار السياسي ادراجه بالاحتلال العسكري والامني الجديد والذي اعاد الويلات الكثيرة على الامة والذي يعد اهم اسباب ارتكاسها وتراجعها وانحطاطها فالموجات الهائلة من محاولات التغريب التي جاءت بها الفضائيات ومختلف وسائل الاعلام وصولا الى السياسات الاقتصادية والتكتلية والاستراتيجية على حد سواء وعن طريق مايعرف بظاهرة (العولمة) كلها كانت وراء ظهور هذه الظواهر الشاذة والغريبة عن القيم الروحية للعروبة والاسلام . فالثروة الروحية العظيمة والمخزون القيمي الكبير للعروبة والاسلام هي الضمان الوحيد لهذه الامة وهي نبع الثقافة العربية الاسلامية حيث تؤدي كما ادت في العصور الاخيرة وحالت دون تردي الاحوال اكثر مما تشاهد فهي ثقافة عالمية ثقافة هداية للبشرية جمعاء ، انها تخاطب العقل الانساني على وجه العموم وتهدية للتي اقوم وليس ثقافة ضلالة وجهالة فهي تمنح الانسان اطمئنان فتملأ نفسه ثقة بربه وتوكلا عليه فيصبح قوي الجنان صامدا امام المشاكل والتحديات ويكون حسن السلوك في اقواله وافعاله وتكون ممارساته واقواله ومواقفه من قيم الحق والعدل والاحسان .وان انقاذ الامة من هذه الظواهر الشاذة والقذرة (التعصب الارهاب العنف الفكر التكفيري) والتي افرزتها حالة التشرذم الفكري والتشتت والانحدار الثقافي يقتضي ايجاد مايأتي :ـ
1. فكر موحد يمكن التاسيس والبناء عليه في مواجهة الشبهات الفكرية التي يتعرض لها الوطن العربي .
2. خلق ثقافة مشتركة يلتقي عليها ابناء الامة على اختلاف اطيافهم وطوائفهم ومدارسهم واتياراتهم ويشب عليها جيل من الشباب .
3. تعميق روح الانتماء للامة من خلال التمسك بالثروة الروحية العظيمة والمخزون القيمي :
أ. توثيق الصلات العقائدية والفكرية بين ابناء الامة .
ب. بناء الاخوة على الايمان بحيث يرتبط ابناء الامة برابط فكري واحد يوحد مشاعرهم واحاسيسهم وتصوراتهم ونظرتهم للحياة وتوافقهم في المتغيرات .
ويبقى العراق
نقرأ في مقدمة البيان رقم (1) لثورة 14 تموز 1958
أيها الشعب العراقي العظيم
(لقد تم بعون الله القضاء على الزمرة الفاسدة التي نصبها الاستعمار …) وكأن التاريخ اليوم يعيد نفسه حيث اقتربت لحظة الحسم لحظة الخلاص من الزمرة السياسية الفاسدة التي عاثت في البلاد فساد
يا أبناء الشعب العراقي العظيم :
ان فوز المشروع الوطني هو اعلان خلاصكم من الطغمة السياسية الباغية التي نصبها المحتل وجاء بها التوافق ( الامريكي الايراني) الى هرم السلطة .
أيها الغيارى .. انتصروا لعراقكم الحبيب فلقد اقتربت ساعة الخلاص لتحول الظلام الى نور، والشر الى خير، والظلم الى عدل ومساواة أن اختيارنا المشروع الوطني.. سيواجه نقيضة الفساد السياسي و هو أبو الفسادات ، وهذا المشروع لم يفز برضا الأمريكان ولا الطبقة السياسية الحاكمة في العراق فهم لايقرون بحق الشعب بالتمتع بموارده ومقدراته لقد اخطأت الطبقة السياسية الحاكمة وظللت الشعب بأن لاخيار امامنا .
و قدرنا طالما اننا اخترنا الحرية والديمقراطيه علينا ان نرضى بالمستعمر ، وان العروبة والمقاومة مع الاستبداد .وتأتي مصر مثالا يسقط اكذوبة الحاكم الجديد الاتي على صهوه المستعمر وبين تلك المفاهيم والافكار ،وبين الصراعات التوسيعة والنزاعات الحضارية وبين الثقافات السلفية والحديثة ، ومن معاناة الشعب وما لحق به من ظلم وقتل وتهجير وفقر سببته الطبقة السياسية الحاكمة وتدخلات الدول الاقليمية الطامعة بالعراق ، طيله العشر سنوات الماضية فعناصر هذه الطبقة هم من الحاقدين على الحياة العامة والخاصة ، جاءت لتصب غضبها وحقدها على حياة العراقيين فهذه العناصر هم اصحاب المصالح الشخصية والنفعية والذاتية ، اصحاب الاحزاب الطائفية والفئوية الضيقة.. ووسط هذه الظروف الصعبة ولد المشروع الوطني.. فهو الضرورة التاريخية التي لاتختلف شيئاً عن المسؤولية التاريخية وهي تعبير عن معركة العراق في التوحد والتحرر والانعتاق ومقاومة المشروع (الصهيوني الامريكي الغربي ) الباغي عادة تفتيت العراق والامة الى دويلات طوائف ودكاكين ، امارات تتقاتل فيما بينها نياية عن الاخر (ايران ، تركيا،السعودية ).
من هنا تأخذ هذه الدورة الانتخابية للبرلمان في العراق اهمية خاصة لانها ستكون مفصلية في العملية السياسية ، ويجب ان تسبقها ثقافة تعبوية تحقق التزاما بالمبادئ العليا ذودا عن الشعب من اجل بناء نظام الحكم الديمقراطي الحقيقي في العراق بتحرير العراق من كل اشكال الاستعمار و النظام الفاشستي الطائفي البغيض .
ان الوعي الشعبي الناتج عن هذه التجربة المريرة سيؤدي حتما الى :
1 – اختيار المرشحين وفق أسس واقعية ووطنية .
2 – سيكون الفوز لذوي السجايا النبيلة الذين لا يطلبون الا المودة بالشعب في حاكم رشيد يضمن حقوق كل العراقيين ويحافظ على مقدراتهم ويكون رمزا حقيقيا لوحدتهم الوطنية .
3- اهمية هذه الدورة الانتخابية تكمن أيضا بأنها ستواجه تحديات تاريخية في مقدمتها اعادة النظر في الدستور.. هذا الدستور الذي فيه المساحات الفراغ في مواده، وعدم وضوح في النصوص الدستورية التي تحدد شكل الحكم وطبيعة النظام ، والتي استغلت من قبل الحاكم حيث فجر في خلالها النزاعات الطائفية والاثنية بشكل متعمد من اجل انفراد حزبه في السلطة وتهميش الاخرين .وان فشلنا لاسامح الله يدخل العراق والمنطقة في حروب اهلية تحت عنوان الحروب الدينية والطائفية والاثنية ، وهذا ما يلوح به رئيس الحكومة بين الحين والاخر ويهدد الشعب به.من هنا نفهم بأن المعركة الانتخابية البرلمانية هي معركة العراق وفوز المشروع الوطني سيكون حتميا ان شاء الله وسيلد عراقا موحد الخيارات وان ربحنا معركه العراق المبنية على رهانها الانتخابات سيضع الطبقة السياسية الحاكمة في العراق وجه لوجه مع قدر محتوم ويلقي بها في مزابل التاريخ .
الديمقراطية بين منطقين
يشهد العراق منذ عام (2003) فوضى في جميع المجالات عدا(الفساد والارهاب والجريمة) فالعمليات الارهابية منتظمة والفساد الاداري والمالي مبرمج وله الياته الخاصة ، والجريمة كذلك . ان ما يجري نتيجة طبيعية للاحتلال وطبيعة الطبقة السياسية الحاكمة التي نصبها المحتل فلقد جاءت الحروب الامريكية بعملية عسكرية امبراطورية تم من خلالها احتلال العراق وافغانستان وكان المسوغ لهذه الحروب (تحرير الشعوب من الدكتاتورية وتحقيق الديمقراطية) ولكن كان لهذه الحروب اهدافها وفي مقدمتها :
1. تحقيق امن النظام الصهيوني وحلفاء امريكا وتفتت العراق والامة العربية الى دويلات طوائف،وامارت تكون اليد الاسرائيلية فيها هي الاعلى في منطقه الشرق الاوسط .
2. تحرير جغرافية ستراتيجية في العالم (جغرافية النفط والطاقة) لتأمين المصالح الامريكية .
3. تأمين زعامة جديدة لامريكا على العالم للقرن الواحد والعشرين .
لندع ذلك ونناقش الهدف المعلن لهذه الحروب (تحرير الشعوب من الدكتاتورية واقامة انظمة ديمقراطية ) ورعاية الديمقراطية ، ثم سؤال يطرح هو ماذا جنى الشعب العراقي من هذه الديمـقراطية ؟
1. نهب وهدر ثرواته وحرمانه من التمتع بها .
2. الفقر والجهل والمرض وقتل المئات يوميا .
3. سيطرة خفية من اصحاب المصالح الشخصية والنفعية والذاتية ولقد وصفها رئيس الحكومة بشكل دقيق اصحاب الاحزاب الطائفية والفئوية الضيقة (العراق يتعرض الى حرب ابادة)، اذن هذه الديمقراطية (المصدرة للعراق) ليست الديمقراطية التي تعيشها اوربا وامريكا ..فهناك يعيش الفرد بسعادة ورفاهية وامن والحكومات تعمل على خدمته ان كان في بلاده او خارجها . فأذا تعرض مواطنيها الى اي خطر واعتداء فأن حكومتهم تقوم الدنيا وتقلبها . اما الديمقراطية المطبقة في العراق فان اجراءاتها ضد الفرد والمجتمع ، والحكومة غير حريصة على حفظ حقوق الفرد والمجتمع، ولقد انعكس ذلك في معاملات الدول الاخرى للمواطن العراقي الذي يصل الى حد الاحتقار في بعض الدول وهنا يحضرني ماحدثني به صديق لي وكيل لوزارة.. قال لي عندما اسافر عبر الاراضي الكويتية فأني عند المعبر الحدودي ابرز هويتي الامريكية فترفع لي العارضة على الفور مع التحية . فقلت له لماذا الهوية الامريكية وانت عراقي ووكيل وزير قال ان فعلت غير ذلك سوف ابقى على الحدود لنهار كامل وقد لا ادخل حتى اليوم الثاني ، ولكي نكون منصفين علينا ان نورد تعريف عام للديمقراطية نحدد من خلاله اين هي (الديمقراطية المستوردة ) في العراق بتطبيقاتها من هذا المعنى الحقيقي للديمقراطية .
(الديمقراطية :تعني ان يحكم الشعب نفسه من خلال حكومة يتم اختيارها عن طريق انتخابات حرة ، واهم مبادئ الديمقراطية الفصل بين السلطات الثلاثة ( التشريعة والتنفيذية والقضائية ) وان تخضع لرقابه الشعب وحكم القانون .
واهداف الديمقراطية :
1. حفظ حقوق الشعب من عبث المتنفذين.
2. تعزيز الشعور بالانتماء للوطن والمساواة بين جميع فئات الشعب .
3. ضمان اختيار العناصر الجديدة للحكم وفق مبادئ الكفاءة والنزاهة والامان والاخلاص .
فشتان بين ديمقراطية من الشعب والى الشعب وديمقراطية اسس لها المحتل (الامبريالية والامريكية ) فالديمقراطية والحرية هي نقيض للاستعمار .
الخاتمة
كان العراق ولايزال ويبقى الى الابد وارث الامة وحضارتها وثقافتها ، وارث ثورتها ونضالها وتاريخها لتحرير الانسان من العبودية برؤية الانسانية الثورية الشاملة النابعة من وحدة التاريخ البشري ، وهب نضاله ووجوده للاطياف والاجناس كافة على اختلاف الوانها وتعدد طبقاتها وتناقض رؤاها .
العراق يبقى لانه قوي الشكيمة ثابت العزم لايسكت على الظلم والتسلط والاستعباد وهو البلد الصعب الذي يعرفه الجميع من المحيط الاطلسي الى الخليج العربي… يبقى العراق ولم تسقط بغداد.
المصادر
1. تاريخ الوزارات العراقية ـــ عبدالرزاق الحسني .
2. حضارة وادي الرافدين بين السامين والسومريين ـــ د.احمد سوسه .
3. الامة والدولة في السياسة العربية في القرن الاول الهجري ـــ د. نزار عبداللطيف الحديثي .
4. اسباب الاحتلال البريطاني للعراق ـــ مجيد خدوري .
5. جريدةالاستقلال 27 كانون الثاني 1925م / تقرير حزب الامة /لجنة عصبة الامم ــ خدوري .
6. العراق بين 1921 ــ 1925 ـــ رجاء حسيني الخطاب .
7. الاحتلال الامريكي وغزو العراق / كتاب ثرثرة فوق الذكريات ــ
المحامي الدكتور عبد الجبار عبد الوهاب .
8. مقاللة سايكس بيكو جديده بين الربيع العربي وخريفة / كي لا يتحول التغيير الى تدير ـــ المحامي الدكتور رفعت صبري البياتي .