العراق من أين ؟ وإلى أين؟ -2-

العراق من أين ؟ وإلى أين؟ -2-

 خالد محسن الروضان

الاحتــــــــلال الامــــــريكــــي

في كتابة (المقايضة) يذكر زكي خيري عضو اللجنة المركزية للحزب الشيوعي العراقي ان هناك اتفاق بين الاتحاد السوفيتي والولايات المتحدة الامريكية حصل بعد نهاية الحرب العالمية الثانية ( تكون المانيا الشرقية حصة الاتحاد السوفيتي والعراق لامريكا ) .ومنذ ذلك التاريخ بدأت الولايات المتحدة الامريكية بتوسيع نفوذها في منطقة الخليج العربي والعراق خاصة ودخلت من خلال (مشروع مرشال) في تقديم المساعدات ، وقد تزايد النقوذ الامريكي بعد تقلص النفوذ البريطاني بعد نهاية الحرب العالمية الثانية وسعت امريكا تواجدها العسكري في منطقة الخليج من خلال تواجد قواعدها في الجزيرة العربية والبحر المتوسط وايران في زمن حكومة الشاه وقد اعتمدت الستراتيجية العسكرية الامريكية في الشرق الاوسط على حماية اسرائيل اولا ومصالحها في نفط المنطقة والخليج ثانيا ، كانت سياستها معادية لامال الامة العربية في الوحدة والتحرر وفرض المشاريع الاستسلامية والتسوية على العرب ونهب منظم لثرواتهم  وارصدته المالية واجهاض اي مشروع نهضوي وحدوي ، اعتمدت سياسة الاحتواء المزدوج للعراق وايران واستنزفت قوى العراق وموارده البشرية والاقتصادية بعد ان اوقعت القيادة في فخ مهلك وفتحت الحروب عليه التي اطلق عليها حروب الخليج الاولى والثانية وفرضت حصارا على العراق دام 10 سنوات ، قامت بعده في مارس اذار 2003 بغزو عسكري للعراق وكان المبرر الاساس اسلحة الدمار الشامل التي ادعت امريكا بأن النظام يمتلكها وقد استندت الى استنتاجات مبنية على الخداع والتظليل ، وبعد الانتشار العسكري بدأت المشاكل قبل الحرب وبعدها فالمناقشات كانت تدور بأتجاهات عديدة ثم درست الاداره الامريكية النموذج الافغاني و النموذج البوسني او الكوسوفي .

واخيرا تم اختيار نموذج افغانستان وعين الجنرال (جاي غارمز) الذي وصل الى بغداد في 18 /4/2003 لتولي مسؤولية مكتب الاعمار والمساعدات الانسانية وعند تعيينه تحول الوضع من السيء الى الاسوء لانه تولى المسؤولية بدون سلطة وبدأت الولايات المتحدة تبحث عن مرشحين لتشكيل الحكومة المؤقتة ولما فشل البيت الابيض بدأ يفكر بشخص اخر ، بالفعل تم اختيار رئيس مكافحة الارهاب في وزارة الخارجية (بريمر) السيء الصيت والاثر ، غير ان الوضع الامني في العراق بدأ يتدهور بشكل سريع لذلك حذر البيت الابيض من (صبر العراقيين على الوجود الامريكي الطويل قد يكون قصيرا) ومما زاد سوء الوضع الاعلان الاول المتعلق بحل الجيش العراقي والثاني المتعلق باجتثاث البعث والتي اعتبرها (غارمز) نوعا من الجنون1 .

تحولت اعداد كبيرة من الشعب الى مقاومين ومتمردين ضد الاحتلال وتصاعد الاستياء من الاحتلال بحيث اعاقت هذه العوامل انجاز العملية السياسية المعقدة كما قال (كولن بادل) وزير الخارجية الامريكية المتعلقة بصياغة الدستور واجراء الانتخابات الكاملة .قرر الامريكيون ادارة العراق من خلال الحكومات المتعاقبة لكن ذلك لم ينجح في اطار الشرق الاوسط2.

(1) المحامي الدكتور عبدالجبار عبدالوهاب الجبوري ـــ للاحتلال الامريكي وغزو العراق  احتلال ام تحرير ، كتاب ثرثرة فوق الذكريات ، صفحة 401 ، دار الفارسي ، بيروت ،لبنان ، 2010 .

(2) المحامي الدكتور عبدالجبار عبدالوهاب الجبوري ـــ للاحتلال الامريكي وغزو العراق  احتلال ام تحرير ، كتاب ثرثرة فوق الذكريات ، صفحة 402 ، دار الفارسي ، بيروت ،لبنان ، 2010 .

ويعد غزو العراق احتلالا ودمارا شاملا له حيث فجر الاحتلال الصراعات الطائفية والاثنية واثارت الثارات التي ظل ينزف فيها دم العراقيين طيلة هذه السنوات وتسير في نفق مظلم والوضع من سيء الى اسوأ.

لقد توهم العراقيون رايا عاما وساسه بأن العملية السياسية المعقدة التي اطلقها المحتل هي الفرصة المواتية  لاقامة النظام الديمقراطي في العراق  ولقد نتج عنها تأجيج الصراعات على السلطة واستحوذ عليها تجار السلطة من العناصر الفاسدة والنفعية والتي لا هم لها سوى نهب المال العام والقتل والنهب هو السمة السائدة في البلاد .

العراق الى اين؟

  في مقالته (سايكس بيكو) جديدة بين الربيع العربي وخريفه يذكر الكاتب الدكتور رفعت البياتي  ( لم تكن انتفاضة الشعب العربي في بعض بلدان المنطقة عفوية ولا ردة فعل عن اوضاع قائمة ، بل هي انتفاضات عارمة لازاحة الاقنعة عن الوجوه الظالمة المتسترة خلف قناع الديمقراطية وحقوق الانسان شكلا لا مضمونا ، عاش الشعب العربي تحت الظلم والقهر وكبت الحريات وسطوة هولاء الحكام وتكبيل الحريات وتكميم الافواه وتشويه الاعلام وخنق حرية التعبير مالم يعيش شعب مثله .

ويضيف ( وما دماء الشهداء التي عمدت بها دساتير التحرير ماهي الا قناديل تهدي للطريق الصحيح ) الا ان سراق الثورات كثر والمتربصون لقمع الحريات كثر فهناك العديد من المحاولات البائسة لسرقة هذه الثورات وحرفها عن مسارها الصحيح بالاصطفاف الشكلي مع الثوار مستغلين حماسهم وشغفهم لحب الحريه والاستقلال وهناك القوى الظلامية الخارجية التي تحاول تغذيه الانقسام الداخلي بدلا من توحيده وزرع بذور الفتنة بدلا من زرع الوحدة واثارة الخلافات لخلق دويلات جديدة بالمنطقة العربية حيث لم تكتف بما حصل في سايكس بيكو الاولى من تجزئة الامة وبعثرت خيراتها وتقطيع اوصالها لقطع الصله بين الحضارة الواحدة فأندفعت بعض القوى التي تفتقر لايديولوجية واضحة تنبع من تراث الامة وحضارتها بدأت بأطلاق مفاهيم جديدة كالمناطقية والطائفية والعنصرية وتأجيج الصراع القبلي لاضعاف الثورات والعودة بالشعب العربي للترحم غلى الانظمة الدكتاتورية المنهارة ، وفي العراق وضعت العملية السياسية بطبيعتها المعقدة البلد على شفا حفرة من نار فلقد اتبع القائمون على هذه العملية (الذين انفردوا بالسلطة ) سياسة الثأر ضد الاخرين والتشهير والتــــــــــــــحدث عن تأمر واتهامات لتصفية الاخرين وتهميشهم ، امام هــــــــــذه المخاطر والتحديات مالمطلوب عمله ؟

1.التوحد امام الازمات الداخلية.

2. التخطيط لبناء اقتصاد متين.

3. عدم اضاعة الفرص بالتظاهر.

4. التحول الى ديمقراطية حقيقية من خلال ممثلين حقيقيين لبناء النظام الديمقراطي وابعاد التشوهات الولادية التي تلحق به .

5. الابتعاد عن التطرف في التصرف واعتماد الحكمة والعقلانية .

6. الابتعاد عن خلق جيل من المعادين واعتماد مبدأ تجنيدهم ودفعهم لخدمة البلد .

7. الحفاظ على البنية التحتية التي بنيت باموال الشعب وتطويرها لاحرقها وتدميرها .

اذن الكل مدعو لغرس شجرة الاستقرار والامن والنمو والتقدم  الى الامام وعدم اضاعة الفرص الثمينة لبناء الوطن وهذا يتطلب الوعي في الانتخابات لاختيار الاصلح للقيادة بعيدا عن التحزب والطائفية والعنصرية ، اذن البلد لكل ابناءه بكافة اطيافه لافضل لاحد على الاخر الا بمقاييس التعلق بحب الوطن تربة وحضارة وتراث حاضرا ومستقبلا1 والحفاظ او حفظ الوحدة الوطنية والتمسك بالثوابت الوطنية ضمن حدود الاوطان وترسيخ روح المواطنة الصالحة وفي حفظ روح التعايش السلمي وقطع كل المؤثرات السلبية النابعة من المفاهيم الجديدة (المناطقية والطائفية والعنصرية والقبلية) .

(1) المحامي الدكتور رفعت صبري البياتي ، مقال كي لايتول التغيير الى تدمير .

مسار التغيير بين غياب المنطلقات النظرية والقيادة

    ان الحركة التاريخية لاي شعب من الشعوب ترتبط   باحتياجاته التي تحددها ظروف المرحلة التي يعيشها ودور الانسان بالتاثير بتلك الظروف والعمل على انضاجها لاحداث التغيير الذي يتم من خلاله الانتقال الى  مرحلة جديدة يطلق عليها  ( مرحلة مابعد التغيير)  وهذه العملية مترابطة ومتداخلة لكون المرحلة الجديدة تولد من رحم المرحلة التي سبقتها وهي عملية معقدة وصعبة واحيانا لاتحصل الا بعملية قيصرية . وللتغيير ثلاثة عوامل حاكمة  هي 1.وجود القيادة الريادية   2.اداة واعية 3.منطلقات فكرية ونظرية تهدي وترشد مسار عملية التغيير وتحدد اهدافها .ومن خلال القراءة المنهجية والدقيقة لعملية التغيير التي حدثت في الانظمة العربية نجد ها قد اقتصرت على  التغييرات السياسية في قمة السلطة ولم يكن هنالك برنامج شامل يحدد مسار التغيير مع فقدان الرؤى لمرخلة ما بعد التغيير ومن هذا المنطلق تعتبر اصلاحات سياسية خالية من المضامين الاجتماعية والاقتصادية والثقافية وفي العراق تبدو المسألة اكثر تعقيدا لكون تغيير نظام الحكم فيه جاء عن طريق الاحتلال العسكري وبعملية عسكرية دمرت البنى التحتية للدولة وحل والغاء جميع مؤسساتها مما خلق حالة فوضى انعكست تداعياتها على المجتمع وزادها التأثير السلبي لدول الجوار مما اثقلت معاناة المواطن الذي عاش

سنوات عجاف بين الحروب والحصار ، فكانت السنوات العشر التي تلت الاحتلال بعد عام 2003 قد كرست لتحقيق وعود المحتل بالديمقراطية وتحقيق انتخابات (حكومة منتخبة ) وكتابة دستور . وكان هذا الاتجاه وفق عملية اطلق عليها المحتل (العملية السياسية) .

  وكان هناك اتجاه اخر عرف بالمقاومة لاخراج المحتل ، وهو اتجاه عسكري ولايوجد اي تقارب بين وجهات النظر لدى الطرفين والكل يعتبر نفسه ممثل الشعب وقد احترب الطرفان بعد ان خلط المحتل الاوراق واستخدم مصطلح الارهاب ووضع المقاومة العسكرية في خانة الارهاب وعمل على خلط بين المقاومة الوطنية الشريفة والارهاب ، وكذلك دفع بالعملية السياسية باتجاهات مذهبية وطائفية  واثنية وفئوية  ضيقة، صنع ديمقراطية على اساس طائفي وهذا الجمع غير منطقي ، فالمتناقضات لاتجمع واننا لم نقرأ في الادب السياسي ولابالفكر ولابالتاريخ بان المستعمر يقيم نظام ديمــــقراطي .

لذلك كانت مرحلة الاحتلال وما بعده معقدة تخلتها صراعات دامية وثارات انتقامية وتناحرات سياسية مزقت وحدة النسيج الاجتماعي وعطلت التغيير الجذري والشامل وبقى مسار التغيير متذبذب وحركته اشبه بحركة البندول خطوة الى الامام ويرتد من حيث  بدأ ولم يكن السبب المحتل وما قام به من دور تخريبي والدور السلبي لدول الجوار فحسب بل عدم امتلاك الرؤيا الدقيقة  للتفيير فالنطام التعددي والفدرالي الاتحادي هو مجرد منطلقات عامة غير واضحة وبحاجة لصياغة نطرية تطبيقية لتحقيقها وثقافة معرفية مقترنة  بممارسة ميدانية وهذا لايملكه الذي يتصدى لعملية التغيير حيث جعل منها عملية ثأرية انتقامية فجر الصراعات الطائفية والاثنية والدينية من اجل المصلحة الذاتية وعرقلة بناء الدولة المدنية دولة المؤسسات لمصلحته السياسية ولصالح حزبه وهذا يؤكد غياب الدور الريادي المجرب والذي تثق بقدراته الجماهير . فالقيادة ليست خطب وكلمات رومانسية ولا شئ من الميكيافيلية والدجل والشعوذة وقرع الطبول وحرق البحور ومحابس وخرز بل هي مبادئ واخلاق وقيم ورجولة ومواهب معرغية وتضحية ونكران للذات فهي بذلك تكـــون مشروعاً متكاملاً يبدأ من الشــعب والى الشعب .

 ولكون التغيير الشامل  (الجذري) يبدأ بالانسان ذاتيا دونما انتظار تدخل ( ان الله لايغير ما بقوم حتى يغيــروا ما بانفسهم ) .

 وهنا يتحدد دور اداة التغيير وهي الشعب الذي يحدث التغيير وكيف يعد هذا الشعب ويهيئ لهذه المهمة لكي يكون قائدا لها واعداده ياتي من خلال الايمان بعملية التغيير واهدافها ومن خلال توفير المناخ الملائم للتعايش ويتم ذلك من خلال عملية بناء الفرد في ظل دولة المواطنة التي تضع عناوين الانتماء للوطن فوق العناوين والتسميات الاخرى ،  وبذلك تطوى صفحة  التقديم والتعميم والانتهازية والتلون وتبدأ مرحله المبادئ والاهداف الشريفه الواضحة ويتحقق قبل الهدف الغاية والوسيلة، وتكون النتائج لخدمة واسعاد الفرد وبناء وطن مزدهر.