العراق الهاوية الأخلاقية ـ عادل شامو ـ ترجمة ــ سناء عبد الله

العراق الهاوية الأخلاقية ـ عادل شامو ـ ترجمة ــ سناء عبد الله
الدرس الوحيد الذي سيتعلمه الأطفال الأمريكيون من الحرب في العراق هو أنك لو كررت بما فيه الكفاية كذبة صارخة، فإنها ستصبح يوما ما حقيقة مقبولة. وبموازاة ذلك، يُعد حفظ ماء الوجه أكثر اهمية من الاعتراف بالخطأ، مهما كانت نتائجه مدمرة.
ولسوء حظ هؤلاء الأطفال، فقد أصبح التلاعب بالحقيقة القاعدة المتبعة من جانب إدارة الرئيس بوش، التي غزت العراق استنادا إلى ذرائع اصبحنا اليوم نعرف كما أن الادارة كانت بكل تأكيد تعرف في حينه أنها كانت كاذبة تماما. وبفضل هذه الأكاذيب، اقتنع الأمريكيون، بمن فيهم جنودنا والمدنيون الذين خدموا في العراق، بان لصدام حسين صلة بهجمات الحادي عشر من أيلول وأنه يمتلك أسلحة دمار شامل، وهما السببان الرئيسيان لدخولنا في الحرب. بل ما برح العديد يعتقدون بذلك. إن الضلوع بعملية خداع واسعة النطاق لغرض تبرير سياسة رسمية من شأنه أن يحط من قدر الديمقراطية وأن يعرضها، في آن واحد، إلى الخطر. ولكن المواطنين العراقيين العاديين هم الذين قاسوا أكثر من غيرهم مما جرى.
إننا نعرف الآن من دون أدنى شك بأن العراق لم يكن متورطا في أحداث الحادي عشر من أيلول وأنه لم يمتلك أسلحة دمار شامل. ولكن، وكما كتب بول بيلار، كبير المحللين السابقين في وكالة المخابرات المركزية الأمريكية سي. آي. أي المعني بالملف العراقي، بتاريخ 14 آذار قائلا إن المعلومات الاستخبارية لم تقد إلى قرار غزو العراق ــ ولم تكن سببا في ذلك على الرغم من التوظيف العدائي لادارة الرئيس بوش لاجزاء منتقاة من المعلومات الاستخبارية لغرض تسويق حملة الحرب . في الواقع، لقد كانت هذه الحرب تبحث عن مبرر لها منذ البداية، وأن أية كذبة في هذا السياق كانت ستنجح.
ومن حسن حظ جميع هؤلاء السياسيين، وصناع السياسات، وكبار الموظفين ممن تلطخت اياديهم بدماء العراقيين من جمهوريين وديمقراطيين على حد سواء بأن قاعة المحكمة الوحيدة التي نظرت في أمرهم هي محكمة الرأي العام، حيث نال معظمهم عقوبات مخففة.
في الواقع، فإن انصار حرب العراق ما زالوا يظهرون على شاشات تلفزيوناتنا. إلى ذلك، يعد دان سنيور، الذي عمل ناطقا باسم سلطات الاحتلال الأمريكية وساهم عن عمد في تشويه الوقائع على الأرض خلال تلك الفترة، معلقا ذا حضور منتظم في برنامج الصباح لمحطة إم. إس. إن. بي. سي ، وهو برنامج طاولة مستديرة يجمع مستشاري مؤسسة واشنطن.
أما كينيث بولاك، وهو الباحث المخضرم في مؤسسة بروكنغز والمحلل في وكالة المخابرات المركزية الذي كتب سنة 2002 كتابا بعنوان العاصفة المهددة قضية غزو العراق والذي نادرا ما تجد اليوم إشارة إليه على موقع المؤسسة، هو وجه مألوف في حلقة المعلقين في صالونات المؤسسات الفكرية. وفي هذه الأثناء، يحصل كل من الجنرالين السابقين ديفيد بتراوس وستانلي ماك كريستال، اللذين غادرا منصبيهما مكللين بالعار، آلاف الدولارات لقاء الخطب والمحاضرات والأعمال الاستشارية التي يقومان بها.
ومن المؤكد أن هناك من النقاد والمراسلين ممن يعترفون بأنهم كانوا مخطئين في دعمهم للحرب، لكن تأسفهم على ذلك ينطلق عادة من إيلائهم ثقة عمياء لأولئك الذين خططوا للحرب، وافتقار هؤلاء المخططين إلى الرغبة في التقصي عن الحقائق. وعلى سبيل المثال، اعترف، ديفيد اغناتيوس، الكاتب في صحيفة واشنطن بوست، في عمود كتبه بتاريخ 21 آذار الماضي بأن العراق كان أكبر الاخطاء الاستراتيجية في تاريخ أمريكا الحديث . بيد أن جوهر اعترافه بخطئه يرجع إلى عدم تخصيصه ما يكفي للكتابة عن المسألة الأكثر أهمية ذات الصلة بمنطقية الحرب ، الأمر الذي كان من شأنه أن يمكنه من رؤية حقيقة أن الولايات المتحدة لم تعد تمتلك ما يكفي من القوة والمرونة اللتين تمكناها من تحقيق الانتصار.
ومن النادر أن يعتذر الخبراء السياسيين عن الخسائر العراقية الرهيبة التي تسببت بها الحرب. في هذا الصدد، هناك أكثر من مليون حالة وفاة لمواطنين عراقيين وملايين آخرين من الجرحى المصابين بعاهات مستديمة لمدى الحياة وبدرجات متفاوتة، بما في ذلك الاف الاسرى الذين تعرضوا للتعذيب في السجون، في وقت لا يزال فيه 16 ألف سجين في عداد المفقودين. يضاف إلى ذلك، فإن 28 بالمائة من الأطفال العراقيين يعانون اليوم من الأمراض النفسية الناتجة عن الحروب والتي تعرف باسم اضطرابات الاجهاد ما بعد الصدمة، ونحو مليوني وثمانمائة ألف عراقي مهجر داخليا أو يعيش كلاجئ خارج البلاد. يضاف إلى ذلك، الاضطرابات الكاملة للاقتصاد العراقي، والدمار الذي اصاب نُظم النقل والتعليم والمؤسسات الطبية. وعلى المرء ألا ينسى أيضاً العدد الذي لا يحصى من المواطنين الذين يعانون من الصدمات النفسية والاكتئاب، والفتنة الطائفية، والتشوهات الخلقية المريعة الناتجة عن التلوث جراء استخدام المواد السامة، وهجرة العقول التي تركت البلاد بحالة جهل وأمية تامة.
من جانبه، لم يتحمل المواطن الامريكي منذ الحرب الاهلية الأمريكية مثل هذه الفظائع. غير أن مناقشة هذه التداعيات غائبة بشكل جلي في وقت لازلنا فيه نحاول جاهدين فهم نطاق حرب العراق وما تسببت به اكاذيبها.
دعونا نبدأ باعتذار صادق للشعب العراقي عن الجرائم التي ارتكتبها حكومة الولايات المتحدة. على أن تتضمن المرحلة الثانية خطة تعويض طويلة الأمد. إن نجم الامبراطوريات يأفل بسبب الانحطاط الاخلاقي من الداخل. وبعد عشر سنوات من الغزو، فان امتنا ما برحت تراقب الهاوية الاخلاقية التي تعيشها البلاد. وإذا ما كانت الأكاذيب قد قادتنا إلى ما نحن فيه، فليس أمام رحلة عودتنا إلاّ أن تبدأ من الحقيقة.
صحيفة آسيا تايمس
عادل شامو، باحث وأكاديمي ومؤلف أمريكي
AZP07

مشاركة