العراق العابر للعقد الشخصية
فاتح عبدالسلام
وتمضي السنوات العشر العجاف الدمويّات ولا يزال العراق بحجمه وتاريخه ووحدته وشعبه وثرواته في فم المدفع، كما كان حين اندلعت حرب بوش لاحتلاله وكما كان خلال حكم بريمر وتأسيساته للتشريع الذي استلهم منه وفيه السياسيون في العراق شكل حكمهم وهيئاته وقراراته.
لا تزال السلطة في بغداد تظن أن دخول ستالايت القنوات الفضائية وخدمة الموبايل وحرية السفر ومن ثمَّ توسيع استيعاب السجون وإلغاء الجيش الشعبي وحل الحزب الذي كان يحكم، هي أكبر المنجزات وأقصاها.
سنوات عشر مضت وكانت هروباً إلى أمام لم تخضع يوماً لرؤية عراقية. كانت ثمّة رؤية أمريكية تصاحبها رؤية إيرانية أو تناقضها أو تتممها أو تنافسها، رؤيتان لا تزالان تصنعان الحدث وتطوراته ثم تعلقان عليه وتوظفانه في سياقهما المطلوب بالرغم من أن الرؤية الايرانية هي الأوضح والأمضى.
العراق الآن لديه أموال طائلة لكنّه بلد متخلف مشلول منخور بالفساد. ما الفرق بين أنْ يكون فقيراً أصلاً أو غنياً ومنهوباً ومشلولاً في التصرف بثرواته لبناء الصناعة والزراعة والتجارة التي تقوم عادةً عليها اقتصاديات البلدان؟
ما معنى أن يجني العراق هذه الأموال من النفط الهائل الذي يصدره ولا يزال يستورد وقود الديزل من ايران؟
إلى متى نبيع النفط ولا نعرف كيف نصفيه ونكرره ونحوّله إلى بتروكيمياويات باتت الدول تعتمد عليها في بناء نفسها وعملتها الصعبة.
العراق لا ينهض إلاّ إذا جرى التفريق بين مهمات مجلس الوزراء السياسية و البلدية و شبه التشريعية من جهة وبين ما هو مطلوب وغائب في التخطيط لصرف دينار اليوم من أجل قطف ثمار اقتصادية وتنموية وبشرية بعد سنة وثلاث وخمس وعشر حسب جداول تخضع لتخطيط ومتابعة من هيئات لا تسقط بسقوط الحكومات أو زوالها، هيئات تكون أنزه من مؤسسات السياسيين وتحت مراقبة كبيرة بعيداً عن أي تأثيرات سياسية أو جهوية أو خارجية. ولنتبع نظام الشركات الاستثمارية الوطنية وليكن البلد شركة وطنية كبيرة بدل أن يكون تابعاً لمجموعة شركات أجنبية.
المشاريع الصناعية الكبرى أو المتوسطة تتنفس الحياة من موازنة هذه السنة وتنتظر ولادتها في الوقت المحدد والواضح بعقد مع شركات محلية وأجنبية ليست وهمية ومن دون وسطاء.
هل توجد هيئة مسؤولة تفكر بحقيقة كم حاملاً للدكتوراه في الكيمياء نحتاج بعد خمس سنوات؟ وكيف نسعى لايجاد العدد المطلوب والنوعي من الآن لضمان قاعدة صناعية وطنية؟
وكم من الوقت والجهد نحتاج لنصنع أطباء تعويضاً لما فقده العراق في الاغتيالات والتهجير؟
الموازنات لا يمكن صرفها وتبديدها في مجرد تحويلها إلى حصص محافظات يديرها جهلة أو مرتشون أو نصف أميين أو مقاولون سابقون أو سياسيون فاسدون صعدوا في غفلة الى مجالس المحافظات، الموازنات ليست أبداً مصروف جيب للمحافظات وصيداً سهلاً للمقاولين الصغار.
العراق سيبقى قرية متعبة إذا لم يعبر فوق عُقد حكّامه السياسية والفئوية والانقسامية.. والأكبر منها العُقد الشخصية والنفسية.
هل ننتظر عشر سنوات أخرى لنشهد ذلك العبور؟
FASL