العراق إلى أين ؟ – هشام نجار

العراق إلى أين ؟ – هشام نجار

بعد سقوط النظام العربي في بغداد إثر الغزو الأميركي عام 2003، لم تسقط الدولة فحسب، بل سقط معها التوازن الإقليمي، وفتح الباب واسعًا أمام النفوذ الإيراني في قلب المنطقة العربية. وجدت طهران في العراق فرصة استراتيجية نادرة: حدود طويلة، فراغ سياسي، وغياب القرار السيادي.

وسرعان ما بدأت إيران بفرض حضورها عبر تثبيت قيادات طائفية موالية، وبناء مليشيات عقائدية مسلحة، وتشكيل شبكة نفوذ داخل مؤسسات الدولة العراقية. لم يكن المشروع الإيراني محصورًا داخل العراق فحسب، بل امتد إلى سوريا ولبنان واليمن، في مسعى واضح للهيمنة على المنطقة العربية. إسرائيل من جهتها لم تبدِ معارضة مبكرة لهذا التمدد الإيراني، طالما أنه يصب في تفكيك النسيج العربي وهو هدف إسرائيلي تقوم إيران بهذه الموامرة نيابة عنها . لكن طهران، حين شرعت في بناء مفاعلاتها النووية، تجاوزت الخطوط الحمراء، ما ولّد توترًا حادًا مع تل أبيب، تم احتواؤه لاحقًا في حرب خاطفة لم تتجاوز عشرة أيام، تكبدت فيها إيران خسائر استراتيجية، خاصة بعد هزيمتها في سوريا وتراجع نفوذها في لبنان.

ومع كل هذا، يبقى العراق الحلقة الأضعف في هذه السلسلة المعقدة.

سيطرة مستمرة رغم الرفض الشعبي

رغم أن نسبة الشيعة في العراق لا تتجاوز نسبة 40بالمئة ، إلا أن إيران لا تزال ممسكة بخيوط اللعبة السياسية، عبر أدواتها الحزبية والمليشياوية. ولعل الأخطر من ذلك، أن ثروات العراق تُنهب أمام أعين الجميع، وسط تفكك إداري، وفساد مستشري، وغياب تام للمحاسبة.

موجات احتجاجية

لكن العراق ليس مستسلمًا بالكامل. فقد خرجت في السنوات الأخيرة موجات احتجاجية عارمة، أبرزها انتفاضة تشرين 2019، التي رفعت شعار “نريد وطنًا” ورفضت الطائفية والتبعية والفساد. هذه الانتفاضات قادها شباب من كافة الطوائف، وخصوصًا من السنة والشيعة العرب الوطنيين الذين يجب التأكيد هنا على أمر بالغ الأهمية: إن الغالبية العظمى من الشيعة العرب في العراق هم وطنيون أصيلون، يرفضون التبعية لإيران ولا يؤمنون بنظرية ولاية الفقيه، بل يعتبرون أنفسهم جزءًا من النسيج العراقي والعربي، ويطالبون بدولة ذات سيادة، لا مرجعية خارج الحدود.

مفترق طرق

العراق اليوم يقف عند مفترق طرق مصيري، بين ثلاثة سيناريوهات:

  1. الانهيار البطيء

إذا استمر النفوذ الإيراني، وتواصل نهب المال العام، وفُقِد الأمل بالإصلاح، فإن العراق مرشح للانحدار نحو دولة فاشلة، عاجزة عن النهوض أو الاستقلال.

  1. التحول التدريجي نحو الدولة الوطنية

في حال استمرار الضغط الشعبي، ونمو التيارات المدنية العابرة للطوائف، وظهور قيادة عراقية حقيقية، يمكن للعراق أن يطرد التدخلات، ويعيد بناء دولة القانون والمؤسسات.

  1. الانفجار الإقليمي

إذا تفجرت المواجهة بين إيران وخصومها، فقد يتحول العراق إلى ساحة حرب بالوكالة، يدفع فيها الشعب العراقي الثمن الأكبر.

الخاتمة: من يمتلك القرار؟

رغم تعقيد المشهد، فإن العراق ما زال يملك فرصة حقيقية للإنقاذ. يمتلك شعبًا حيًا، وموارد ضخمة، وإرثًا حضاريًا عظيمًا. لكنه يحتاج إلى قيادة وطنية شجاعة، ونظام سياسي عادل، وظهير شعبي صلب.

يبقى السؤال مفتوحًا، لكنه ليس بلا إجابة:

العراق إلى أين؟

الجواب رهن بإرادة العراقيين أولاً، وبميزان القوى الإقليمي والدولي ثانيًا.

والشعب العراقي الوطني هو سيد الموقف.

مدير المشاريع الهندسية لادارة الصحة في نيويورك

المنسق العام لرابطة المهندسين  السوريين للبناء والتعمير

مشاركة