العراق إلى أين؟

العراق إلى أين؟
قررت الحكومة العراقية السماح بحوزة قطعة سلاح في كل دار جاء ذلك على لسان الناطق الرسمي للحكومة علي الدباغ في بيان جاء فيه بناء على توجيه مجلس الامن القومي فقد تقرر السماح بحيازة بندقية او مسدس في كل دار على ان يقوم الحائز بتسجيلها باقرب مركز للشرطة .والمستغرب في هذا التوجه هو مرور تسع سنوات على بناء العملية السياسية التي من المفترض ان تجعل الحكومة العراقية ملتزمة بالتوجهات الديمقراطية كحرية الاحزاب والصحافة وحق التعبير بكل الوسائل السلمية وقبول الراي والراي الاخر بشفافية والتداول السلمي للسلطة ولو استعرضنا الاحداث التي جرت قبل وبعد 2003 لوجدنا التوجه الخطير لمجتمع امن ومسالم نحو الدمار والموت وبوتائر تكاد تكون متصاعدة فبعد قيام ثورة 1958 استبشر الشعب بسقوط معاقل الفقر والتحول نحو الرفاهية وقد حدث هذا فعلا في نقلة نوعية للحالة الاجتماعية والاقتصادية ،وللضرورة تم تشكيل المقاومة الشعبية كرديف مساند للقوات المسلحة في حالة حدوث عدوان داخلي او خارجي ونتيجة لعدم وضع اطراف الجبهة الوطنية برنامج عمل لما بعد سقوط النظام الملكي وعدم قيام قيادة الثورة بتشكيل تنظيم سياسي ساند لها لتحقيق اهداف الثورة ونتيجة لانسحاب القوى القومية بالاتجاه المعاكس ومعاداة عبد الكريم قاسم لرفضه الاندماج الفوري في وحدة مع مصر وسوريا احتوى الحزب الشيوعي المقاومة الشعبية ووقعت احداث سلبية مؤسفة نتيجة اندساس عناصر تخريبية لها مصلحة في تخريب الوضع وقد شهدت تلك الفترة امور غريبة منها ان الشرطة التي كانت اداة القمع ضد اي تحرك وطني في العهد الملكي تبنت شعار اسئل الشرطة وماذا تريد (وطن حر وشعب سعيد).ونتيجة لذلك الوضع اصدر القائد العام للقوات المسلحة امرا بحل المقاومة الشعبية ،وبعد انقلاب 8شباط الاسود شكل حزب البعث الحرس القومي لمساندة الانقلاب وكان ما كان من فضائع ارتكبت بحق المواطنين وانتهاكات صارخة لابسط حقوق المواطنة مما يسر لحليفهم عبد السلام عارف القيام بانقلاب 18 تشرين وجرت حملة واسعة لتصفية تلك العناصر وايداع قسم كبير منهم في المعتقلات وبعد موت عبد السلام سلمت السلطة الى شقيقه عبد الرحمن وقد تميزت فترة حكمه بالهدوء النسبي والاعتدال غير ان ذلك لم يرق للدوائر الاجنبية فقد تم التنسيق بين العناصر العسكرية المشبوهة وقيادة حزب البعث وجرى انقلاب 17تموز لينهي حكم الرئيس عارف وساد لغط في الشارع بان الانقلاب امريكي مما دفع قيادة الحزب وعلى راسها صدام لتصفية الحلفاء
والاستيلاء كليا على السلطة وفي عام 1970 جرى تشكيل الجيش الشعبي وكان مسؤوله صدام لغاية 1974 ليتولى المسؤولية طه ياسين رمضان وقد بلغ منتسبي الجيش الشعبي في عام 1987 بحدود 650 الف عنصر وفي الحرب العراقية الايرانية زجت اعداد كبيرة منه في قواطع العمليات العسكرية وانيطت بالكثير من القواطع مسك الارض وقد كانت عناصره اشبه ما تكون بعمال السخرة حيث يفرض على منتسبي الدولة الالتحاق بالجيش
الشعبي كما جرت حملات في الشوارع والمحلات والمساكن للغرض نفسه وبعد الغزو للعراق لم يكن دور يذكر له وبعد الاحتلال تم حل المؤسسات العسكرية كالدفاع والداخلية وتدمير المعسكرات والقواعد وحصل ما حصل حيث اصبحت الاسلحة والاعتدة والمعدات العسكرية سلعة مشاعة في المجتمع العراقي وراجت تجارة بيع الاسلحة واصبحت الارصفة معارض البيع وباسعار زهيدة وقد ذكر احد التقارير التي نشرت في جنيف ان اكثر من من سبعة ملايين قطعة سلاح موزعة في العراق منذ قرار سلطة الائتلاف الموقته بحل وزارتي الدفاع والداخلية.
واعلن (دليل الاسلحة الخفيفة في العالم) لعام 2004 ان سقوط النظام في نيسان 2003 ثم حل القوات العسكرية في ايار سمحا بواحدة من اهم واسرع عمليات انتشار الاسلحة الخفيفة ،واضاف التقرير الذي اعده معهد الدراسات العليا في جنيف ان حوالي 4/2 مليون قطعة سلاح ناري كانت بحوزة القوات المسلحة وشبه العسكرية والاحتياط سرقة او تم بيعها في السوق بينما كان تحرك قوات التحاالف محدودا ومتاخر جدا وتابع ان هذه الاسلحة تضاف الى 3/2 مليون قطعة يملكها المدنيون العراقيون من قبل مشيرا الى ان الاسلحة النارية تنتشر بمعدل حوالي ثلاثين قطعة لكل مئة نسمة هذا جانب ،الجانب الاخر هو التنظيمات الميلاشوية التابعة للاحزاب الدينية والعلمانية.
وبعد هذا السرد لما حصل في العراق عودا على بدأ حول السماح بحوزة قطعة سلاح في كل بيت نقول بعد انتشار السلاح بالشكل الذي حصل بعد الاحتلال والتوترات التي اوجدتها الاحزاب الدينية انفجرت الحرب الطائفية وتم قتل الالاف من العراقيين بدون جريمة ارتكبوها وتم التهجير والتهجير المعاكس واصبح العراقي لا يمتلك حرية التنقل في وطنه ولولا تصدي الاشراف والخيرين والمخلصين لتربة هذا الوطن لاستمرت تلك الحرب ولا احد يتكهن بنتائجها وقد جرت حملات واسعة من قبل قوات الاحتلال والقوات العراقية لجمع الاسلحة واستمرت المداهمات والتفتيش للبحث عن الاسلحة والاعتدة لكبح جماح لغة الموت ويبدو ان الكثير من المليشيات علقت اعمالها بعد هزيمة المحتل وانسحابه من العراق تاركا دول الجوار الاقليمية تحتوي وتستقطب التنظيمات االسياسية ومليشياتها لترسم مستقبل العراق وبدلا من ان تقوم الحكومة بتصفية هذه المليشيات وسحب اسلحتها تم دمج الكثير من عناصرها الى القوات
المسلحة واشركت في العملية السياسية غاضة النظر عن جرائم ارتكبت بحق ابناء الوطن سواء من هذه الطائفة او تلك ترضية لهذا الحليف او ذاك بل ذهب السيد رئيس الوزراء في احد تصريحاته ان لديه الكثير من ملفات الفساد والارهاب ولا ندري ماهي نقطة الضعف التي توقف تنفيذ الاجراءات بحق هؤلاء الفاسدين والارهابيين وهما عاملان يشدان الجماهير حول القائد الذي ينتصر لها ، ان قرار السماح بامتلاك قطعة
سلاح في كل دار يحمل في جنباته امورا غير منطقية اولها من اين تاتي كل اسرة بقطعة سلاح حتى تسجلها في اقرب مركز للشرطة بعد ان تم مصادرة اكثر الاسلحة التي كانت بحوزة الاسر ولم يبقى سلاح الا بحوزة المليشيات والعصابات الاجرامية وبعض الحهات الساندة للسلطة ان هذا الاجراء كما يتضح هو اطفاء الشرعية على السلاح الذي تبقى بحوزة البعض المسموح له بحمل السلاح ومن الطبيعي سيمتنع كل من لا يسير في خط الدولة بالكشف على سلاحه كونه سيكون تحت الطلب متى ارادت الحكومة ذلك ،ان نشر ثقافة الموت وامتلاك السلاح. مغاير لما تدعي الحكومة بانها ماضية في ترسيخ القانون والعمل بالدستور ونشر المفاهيم الديمقراطية وضمان حق المواطن الذي كفله له الدستور ،فهل ورد نص في الدستور يسمح بهذا الخرق ان الحكومة مدعوة الى الغاء هذا القرار والتوجه نحو ثقافة السلام والوئام تقافة الاوراد والاشجار ثقافة تحويل العراق كله الى واحة خضراء وليس (المنطقة الخضراء ) المحاطة بمئات الكتل الكونكريتية والمدججة بالقوات والمعدات العسكرية ثقافة الحوار الهادف والتداول السلمي للسلطة ثقافة الوطن الواحد والرمز الوطني الواحد والاقوى هو من ينتصر في عقله وليس بقوته والعبرة لمن اعتبر فأين الحزب النازي والفاشي وكتائب فرانكو والشيوعي الذي كان يسيطر على المعسكر المضاد للمعسكر الراسمالي .
دعوة مخلصة لكل من يهمه العراق ان يضع ( العراق اولا )ولنترك المكاسب الفئوية والشخصية وعندها سسنتصر جميعا.
خالد العاني- بغداد
/5/2012 Issue 4197 – Date 12 Azzaman International Newspape
جريدة الزمان الدولية العدد 4197 التاريخ 12»5»2012
AZPPPL