العراق أخطاء التأسيس وخطايا التسييس ــ عبدالستار رمضان

العراق أخطاء التأسيس وخطايا التسييس ــ عبدالستار رمضان
في بدايات القرن الماضي ظهر العراق كدولة ضمن المفهوم الحديث للدولة على انقاض الدولة العثمانية التي خسرت الحرب العالمية الاولى وتم اقتسام البلدان والشعوب التي كانت تحت سيطرتها بين المنتصرين في تلك الحرب، وكان نصيب العراق للبريطانيين الذين حاولوا بكل ما كانوا يملكون من قوة ودهاء سواء العسكرية او السياسية حكمه الا انهم جوبهوا برفض ومقاومة اجبرتهم بعد ثورة العشرين التي انطلقت في كل ركن ومكان من العراق على التسليم وترتيب اوضاع هذا البلد من خلال جلب ملك هاشمي يحكم هذا البلد وتأسيس المملكة العراقية، والتي من خلالها عرف العراق الحكم النيابي وتعاقب الوزارات والتظاهرات والكثير من مظاهر التعدد والتعبير السياسي الذي اهَل هذا البلد ليكون له موقع على خارطة العالم فكان احد الاعضاء المؤسسين لعصبة الامم المتحدة، واحتل مرتب الصدارة والريادة في الكثير من الانجازات ومشاريع البناء مثل انشاء تلفزيون بغداد أول محطة تلفزيون على مستوى الاقطار العربية، وبناء العشرات من الجسور والسدود الكبرى في حين كانت اغلب الدول المجاورة والبعيدة عنه تعيش ضمن نمط واسلوب الحياة قبل عدة قرون.
في بناء العراق لم يكن الزعماء السياسيون من مختلف الآراء والاتجاهات يفكرون او يتصرفون ضمن انتمائهم الديني او الطائفي او القومي او الحزبي بل كانوا يبحثون ويصرون على البحث عن هوية تجمعهم وتوحدهم في سبيل بناء العراق الذي كان بلداً يستحق العيش والفخر بالانتماء وحمل هويته، ولم يعرف المجتمع العراقي صور العنف والقتل الجماعي ومظاهر الشحن والاقتتال بين ابناء الوطن الواحد، لان الناس كانوا بسطاء ومتسامحين بطبيعتهم حيث يمكن بكل سهولة ان تجد في المحلة الواحدة في أغلب المدن العراقية بيوت متجاورة لعراقيين مسلمين ومسيحيين ويهود وعرب وكورد وتركمان وسنة وشيعة وصابئة وغيرهم من مكونات الشعب العراقي التي لم تكن تعطي اهمية لكل هذه التفصيلات والانتماءات بقدر ما تعطي اهمية لبناء البلد وتمتين علاقات الجوار والمحبة والعيش المشترك.
هذا البناء البسيط في علاقات الناس والسياسيين بعضهم ببعض كان سبباً في اخطاء كثيرة وكبيرة في تأسيس العراق الذي ضم شعوبا وقوميات وتركيبات سكانية مختلفة فيما بينها تم جمعها وربطها مع بعض من دون الاخذ بنظر الاعتبار الفروقات والثقافات والولاءات التي كانت بذروها تنمو وتتسارع في الانتشار من خلال الافكار اليسارية والقومية والدينية والمذهبية التي بدأت تغزو الكثير من مناطق العالم.
لقد أدى تأسيس العراق الى عيوب كبرى في البناء، والأسوأ من هذا أن المعالجات والحلول التي ارادوها لبعض هذه المشكلات كانت سببا في الكثير من الازمات والمصائب اللاحقة، فقد تصرف كل الذين حكموا العراق على اساس انهم وحدهم يمثلون الشعب العراقي وان ما عداهم او من اختلف معهم اما خائن او متمرد فكانت حروبهم ومعاركهم التي خلقوها وصنعوها مع الكرد وعلى مدى عشرات السنين عنوان الفشل الكبير في تأسيس وطن اسمه العراق تارة يعتبر نفسه قلب الامة العربية النابض وتارة حارس بوابتها الشرقية وعلى الآخرين ان ارادوا العيش فيه ان يتخلوا او يتراخوا في مطالبهم وحقوقهم القومية المشروعة.
وقد تهيأت للعراقيين فرصة جديدة لتأسيس وبناء العراق الجديد بعد التاسع من نيسان عام 2003 اي بعد سقوط ونهاية النظام الشمولي السابق، فكان تأسيس هيئة الانتخابات المستقلة والاستفتاء على الدستور والانتخابات البرلمانية الاولى رغم كل السلبيات والنواقص فيها بوادر صحة وصفحات مشرقة في التاريخ الحديث لهذا البلد الديمقراطي الاتحادي الفيدرالي ، الى ان الأمر بعد ذلك صار الى حال ومآل آخر حيث يبدو وكأن السياسيين العراقيين لم يتعلموا من كل هذه التجارب، فانتهجوا السلوك ذاته وساروا على النهج نفسه في التعامل مع الواقع السياسي في العراق وبدأت ازمات واصوات تعلوا وقوى تهدد من فراغ الشعور بالقوة والانتماء المذهبي او الطائفي وكانها وحدها تملك الحق والحقيقة في العراق.
ان اساس وجوهر الازمة او الاصح الازمات في العراق هو عقلية التسلط وشهوة الحكم المنفرد سواء عن طريق القائد الواحد او الحزب الواحد او من خلال بوابة الطائفة او القومية وغنائم الديمقراطية الحديثة التي اوصلتهم من غياهب المجهول والنكرات التي كانوا فيها الى كراسي السلطة والنفوذ والتحكم بمليارات الدولارات التي من خلالهم ارادوا شراء واخضاع الكل ليس بمنطق المشاركة والاقناع بل باسلوب الهيمنة والاخضاع والذي ربما توهموا او اوصلهم المحيطون بهم من المسشارين سيئوا السمعة والتاريخ الى امكانية تحقيق ذلك، لكنهم كل يوم يحصدون نتائج سياساتهم وسوء توقعاتهم التي جعلتهم وحيدين امام الشعب والمظاهرات والاحتجاجات التي ربما تتطور الى ماهو ابعد من ذلك. العراق يعيش ازمة خانقة ومسدودة تبدأ من أخطاء التأسيس بتكوينه الحالي الذي جمع هذه الشعوب والقوميات المكونة له وحاول صهرها في بناء غير ممكن وغير قابل للعيش والحياة بفعل تغير العالم ومفاهيم حقوق الانسان الغائبة في هذا البلد وحقوق وآمال وتطلعات ابنائه المشروعة في حياة حرة كريمة، الى خطايا التسييس الذي امتد الى كل كبيرة وصغيرة في هذا البلد والذي يتم تسييسه وتجييره لمصلحة هذا الطرف او المكون او الطائفة، من الدستور الذي يدعي الكل بالتمسك والاستناد اليه الى مجاري المياه التي طافت وقتلت العديد من الضحايا بفعل زخات مطر ليست شيعية ولا سنية ولا عربية ولا كردية بل امطار طبيعية عراقية .
AZP07

مشاركة