العراقيون والعرب.. هل من أخوة صادقة؟

العراقيون والعرب.. هل من أخوة صادقة؟

 

 

خالد عمر بن ققه

 

 

لم يعد العراق في حاله الراهنة، من حرب ضروس تشارك فيها قوى إرهابية من الداخل والخارج، مثار اهتمام الشارع العربي على غرار ما رأينا خلال حربه مع إيران، أو أثناء الحملة الغربية والعربية لإخراجه من الكويت، أو عند الحرب عليه واحتلاله في العام 2003 من طرف الولايات المتحدة والقوى المتحالفة معها.

 

 وعلى الصعيد الإعلامي، العراق اليوم، مجرد خبر يتعلق بأعداد القتلى لجهة تأكيدها أو نفيها،  أو احصائها وعدّها عدًّا، كما قد يتركّز الخبر على مناطق سقطت هنا وهناك في أيدي الإرهابيين أو تم استعادتها من قوى الجيش والشرطة الشرعيين، وفي الغالب يكون الخبر متبوعاَ بتحليل أو تعليق من أحد المتخصصين أو المدّعين من داخل العراق أو خارجه، تماما مثلما يكون التناول الإعلامي للقضايا الأخرى التي تحدث في دول بعيدة، وليست محل اهتمام من المشاهد العربي. نعرف جميعا ان ما كان يجمع العرب من اهتمام قد ولَّى، ومن ذلك الشأن العراقي، الذي ينذر بانهيار كامل للأمة، وقد قلت منذ سنوات ولا أزال أكرر أن غياب الدور العراقي، وتراجع مؤسسات الدولة العراقية  والدفع به نحو حرب أهلية، عوامل ستؤدي إلى تكرار التجربة العراقية في دول عربية أخرى، وما أفرزته الانتفاضات والقتن العربية من آثار سلبية مصحوبة بالدم وخيبة للآمال، تعود باللأساس إلى تعامل العرب مع العراق بعد احتلاله من قوات التحالف بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية، حيث دعم هذا الاحتلال جهاراً من بعض الدول العربية، ثم دُعّمت جماعات إرهابية، عربيا ودوليا، حتى تحول دون استقرار العراق، وهي تُدعًّم اليوم من أجل دفعه إلى الانهيار الكامل، ومن ثم التقسيم لا قدر الله.

 

عرقلة الفوضى الخلاّقة

 

وإذا كانت المنطقة العربية تدخل مرحلة جديدة من تاريخها، بدايتها صراعات داخلية، ونهايتها التقسيم، وكل المؤشرات على الساحات العربية تشي بذلك، فإن الحالة العراقية قد قاومت خلال 11 سنة الماضية هذا المخطط الدولي الذي يكرر اليوم بصيغ أخرى مشابهة وأكثرها حدة تلك التي تعيشها حاليا اليمن وسوريا وليبيا.

 

لقد قاوم العراق قاوم أولا، وعرقل ثانيا حدوث ذلك في دول عربية أخرى بالسرعة التي عملت من أجلها الولايات المتحدة ضمن استراتيجية” الفوضى الخلاقة”، بل أنه ساعد من خلال مقاومته لهذا المشروع العدائي على حماية دول الجوار وقوّى أخرى، فبصموده أصبحت إيران مفاوضا مقبولا لدى الغرب، وما المفاوضات الجارية حول المشروع النووي الإيراني إلا خير مثال على ذلك، ليس هذا فقط بل إن العراق ساهم بشكل غير مباشرفي فوز باراك أوباما، وتحقيق سياسته السلمية، التي هي لصالح كثير من الأنظمة التي تخشى التغييرالحاصل في المنطقة، والعجيب أنها تطالب بتدخل أمريكي فوري في سوريا.

 

الملاحظ أن هناك اهتماما من جامعة الدول العربية لما يحدث في العراق، فقد حذَّر السفير أحمد بن حلي، نائب الأمين العام للجامعة العربية، من تصاعد العمليات الإرهابية التي يشهدها العراق على أيدي تنظيم داعش، مشددا على أن العراق يتعرض لأخطر عملية في تاريخه الحديث تهدد نسيجه الاجتماعي ووحدته الوطنية ووحدة أراضيه.. وأن هناك حاجة إلى مقاربة فاعلة لمساعدة العراق على تجاوز هذه المحنة وتحقيق التوافق بين قواه السياسية وإعلاء المصلحة العليا للوطن بعيدا عن الاصطفاف الحزبي.

 

غير أن مثل تلك التصريحات تدفعنا إلى التساؤلات التالية، منها: ألم تساهم بعض الدول العربية بتسرب داعش إلى العراق؟، وقبل ذلك ألم توفر الجامعة العربية غطاء شرعيا للناتو للتدخل في ليبيا ونحن اليوم نتألم لمآل إليه الوضع هناك؟، ألم تجمّد عضوية سوريا في الجامعة وهي عضو مؤسس مما حال دون إجراء حوارمع الأطراف المتصارعة مما أطال في عمر الأزمة؟، ثم ما موقف الجامعة العربية من الحرب الأهلية الدائرة في اليمن أم أنها مع تحويله إلى دولة فيدرالية على غرار ما يحــــــــــاول قادته السـياسيين؟.

 

التمييز العربي

 

لاشك أنه لا جدوى من الأسئلة السابقة، لأن إجابتها نراها فعلا دمويا على الأرض، والسبب ـ بغض النظر عن العوامل والأسباب الداخلية في كل دول عربية ـ أن هناك تمييزا في التعامل بين الدول العربية، سواء مستوى القرار الخاص بكل دولة، أم على المستوى الشعبي تأثرا بقرارات الحكام، أو على مستوى التجمعات الأقليمية العربية، أم على مستوى الجامعة العربية، فمثلا: هل الموقف العربي الرسمي والشعبي تجاه مصر في أزمتها الراهنة هو نفس التعامل مع العراق اليوم وهي مهددة بالتقسيم، أو هو نفس الموقف من سوريا وهي مهددة بحرب وجودية؟.

 

لا ننكر أن هناك مبررات عديدة لهذا الموقف الرسمي أو ذاك من أحداث العراق، وليس مطلوبا أن تكون في هناك مساواة وعدل في التعامل مع الدول العربية فيما بينها من المنظور القومي، ولكن على الأقل يكون هناك شعور بالحدث الأدنى من المخاطر التي تواجهها هذه الدولة أو تلك، وإذا استمرت سياسة التمييز قائمة بيد الدول العربية، فلن تكون هناك دولة عربية ـ مهما أوتيت من قوة مادية، كبر حجمها أو صغر، ضاقت مساحتها أو اتسعت ــ  بمنآى على الحروب الداخلية، وستشارك فيه قوى إرهابية خارجية تماما مثلما يحدث في سوريا والعراق هذه الأيام.

 

تجربة عراقية قديمة

 

عمليا، ما يحدث في العراق فيه جانب محلي متعلق بالحالة السياسية، ولذلك امتداد خارجي، على العراقيين أن يتخلصوا منه، وإلا سيجدون مصير بلادهم ــ شعبا وحكومة ــ مثل لبنان، حيث يتحكم الخارج في  مصيره بما في ذلك اختيار رئيسه، وليس صحيح ما يروج اليوم داخل العراق وخارجه من أنه لا يمكن للعراقيين أن يتعايشوا، ذلك لأن تجربتهم الوطنية ثرية لجهة المعايشة والوحدة، وهذا لا يعني أنهم ليسوا في حاجة لمن يريهم سبيل الرشد، فقد سلكوه منذ آلاف السنيين. أيها العرب، العراقيون اليوم في حاجة إلى أخوة صادقة تبعدهم عن طريق الغي، وتجعلهم يتخلون عن الدعوة للتجييش والإنقسام والإرهاب من كل الأطراف، بما فيها تلك القادرة على صناعة القرار، والتي تعتقد أن الحل في الإقصاء والابعاد بحجة تقوية طائفة من المجمتع العراقي على حساب أخرى، لأن التطرف لا يولد تطرفا، ولا يظن أحد في العراق أو في الدول العربية الأخرى، أن الحل يكون في الانقياد لفكر جماعة مغلقة حتى لو كانت صاحبة حق.