العراقيون بين الطبيعة والتكوين
لا توجد محددات ثابتة عن النشأة الاولى لشعب العراق فهي ضاربة في بطون التاريخ وان التكوين الاول قد يبدأ من سيدنا آدم عليه السلام حسبما دونته التشريعات السماوية في قصص المرسلين والأنبياء ، فهو اذاً عريق من حيث النشأة والتكوين فأن وحدة موضوعي تبحث عن طبيعة هذا الشعب الخلاق او ما يسمى ( بالسايكلوجية ) لقد كان سباقا في اللبنة الاولى لمنطق التطور العقلي وممهدا للبشرية القواعد الارتكازية لكيفية النمو الحضاري العام منذ اكثر من خمسة آلاف سنة على زمن السومريين وما بعدهم الآشوريين والأكديين والبابليين.
ان هذه الاطلالة على تاريخ هذا الشعب العظيم توصلنا جميعا الى ماهية العراقة ودورها في مواجهة المحن والكبوات وكيفية الوثوب وتحديدا معاني المواطنة التي تواترت عبر آلاف السنين ، ولنا وقفة مع النتاجات الابداعية للعراقيين على زمن تلك الحضارات القديمة فهم وضعوا اسس ودعائم الكتابة والقانون والرياضيات والهندسة وحتى القانون الدولي حيث وقع ملك اكدي اسمه ( نارامسين ) اول اتفاقية دولية في التاريخ مع حكومة عيلام كان مضمونها عدم الاعتداء وتوالت التشريعات القانونية في ظل المملكـــــــات المتعاقبة على زمن اورنمو وحمورابي ومسلته الشهيرة والتي هي بمثابة دستور تكونت من مائتي واثنان وستون مادة ، ثم جاءت التشريعات الاسلامية التي كانت نقطة تحول مفصلية ما بين العهد القديم لكي تسهم في بناء الانسان العراقي على وفق المفاهيم الالهية التي احدثت ثورة اخلاقية غيرت مجرى التاريخ الانساني برمته.
فالعراقيون بناة حضارة علموا باقي الانام العلوم كافة بمختلف فروعها وصنوفها وتوجهاتها بالرغم من الارهاصات الحادثة في مسيرتهم إلا انهم بعد كل كبوة ينتصرون واثبين لغدهم ومستقبلهم وكان اوج عصر النهضة بدأ سنة 132 هجرية وانتهى على يد الغزاة جيوش هولاكو الذي دمروا جل حضارة العراق ما قبل الاسلام وبعده ، إلا ان المسيرة لم تتوقف ومضى هذا الشعب في عطائه بفضل ابنائه الغيارى ، فالشعب الذي يملك هذا الارث بالتأكيد له مقومات تميزه عن باقي الشعوب من حيث مقاييسه لمعنى المواطنة والوطنية ولا يحتاج الى دروس تقويمية من الغير ، ان العناصر الداعمة في البنيان المجتمعي العراقي وحدة الارض والدين والتاريخ والصيرورة العشائرية التي كانت من اهم عوامل الديمومة والتحدي والبقاء والمواصلة في العطاء ، واليوم له قدر مكتوب مع محنة اخرى لا تختلف عن سابقاتها من حيث جسامتها التي اصابت لحمته بالصميم منذ عام 2003 ولكنه ماض الى امام بفضل ذات الهمم والغيرة والنخوة المشهودة والمعهودة في سلالة اهله النجباء . لقد تجاوز الخطر الاعظم والأكبر من المحنة والباقي من صغائر الامور التي لا تؤثر على تركته الشرفية وخزائن نبله الموروثة عن اسلافه الذين تركوا بصماتهم على جبين هذا الوطن .
سفيان عباس – بغداد
AZPPPL