العدو الإيماني والعدو الأيديولوجي

العدو الإيماني والعدو الأيديولوجي
الملكوت واحد ، استوعب اطيافاً من البشر ، استخلفه الله ليعمر هذا الكون ، ولكنه سعى وتطور باتجاهات فاجأ الكثيرين بخلطه الاوراق بين ما هو خاص وما هو عام فاوجد عندها مدرستين واضحتين هما المدرسة الرسمية .. والمدرسة التجارية الاهلية ولكي يخلق المناهج والاساليب كان لابد له ان يخلق له عدوا ومن لم يكن له عدوا فليصنع كل من لا يتطابق مع رؤيته الايمانية والايديولوجية عدوا .
وبالرغم من انه افصح عن العدو الإيديولوجي المتمثل بالعقل المغاير الذي ينتج رأيا آخر وبدلا من ان تكون هناك تكاملية و (فن لقيادة البشر ) عبر الاقناع الفكري فانه ركب الموجة من الناحية الفكرية كمسوغ تصاغ تحت ردائه الذرائع ، وبدلا من ان يقوم كل من الفكر والفن والثقافة باصلاح حالة الكون وما افسدته السياسة نجده ينحى منحى ترسيخ الشرعية لهذه المبادئ او الممارسات ويضعها كمناهج دراسية او نظام اعلامي او تجمع ليوسع دائرة ( السوء ) لكي يصار الى ايجاد تناغم وتناسب بين المبادئ والتطبيق وشرعنة الحرب الاعلامية والثقافية والفكرية وما يصاحبها من تمكن فكري وتكنولوجي فيجد المتلقي نفسه متأرجحا بين مصدق لما اكتسبه بالفطرة .. من ان الملكوت هو واحد وما بين محاكاة هذه الطروحات الايديولوجية التي تسير به نحو نسف كل جسور التلاقي مع الأقرب ثم الأبعد وكأن هذا المتلقي هو من ضمن المنظومة المخطط لها وعليه الزام الرضوخ لمشيئة من يفكر بدلا عنه بأعتباره ( قاصرا فكريا ) وعندها لا يكتفي بسلبه خصوصياته العقائدية السياسية والفكرية .. ولكنه يحوله الى معركة وعدو جديد هو العدو الأيماني .
السؤال المهم الذي يضعنا في دائرة الوهم اكثر مما يجعلنا نستفيق من صدمات الجرح المؤلم هو هل نستطيع ان نواكب المعركة الأولى لكي نركب موجة ثقافة المواجهة الايمانية ؟ وهل امتلكنا وسائل المتعة والقوة الفطرية التي جبل عليها من حوّله الايمان الى الرقي والإثراء الفكري والتخلص من كل ضغوط الحياة التي تشله عن اداء دوره الريادي وبشكل يميزه بما يملكه من دين وثقافة واخلاق للتعامل مع الحياة ليس فقط متلقين بل فاعلين لا كما يصفنا الآخرون في صورة من ( يخر صريعا من هول وقوة المعلومات الآتية من الانسان ) وليس ( من يخر صريعا من هول وقوة الانباء التي تأتيه من مقدساته ومكنوناتها واسرار الملكوت ) وهنا لا ادعي بان مجرد التلاعب بالالفاظ والمسميات يمكن ان يحل هذا التداخل الذي يوفر للبعض حياة ايسر وامتع واسهل لكونه نتاج منجزات علمية وحضارية وقيمية لم نكن لنحس بها ان بقيت داخل الحدود الجغرافية لأي مكان ولدت في رحمه .
اذاً الخلاف سيبقى محل نقاش ويبقى الجفاء والفجوة بين الطرفين ..فهل نستعير النموذج ( العربي / الاوربي ) في بدايات تبادل المنفعة عندما كان كل منهما يترك بضاعته في مكان معلوم فيأتي الاخر وياخذها ويترك ثمنها في نفس المكان مبتعدين عن اسقاطات ( face to face ) لما يمكن ان تفضي من نقاشات تجارية تخلق منه عدواً تجارياً ام تسترشد بما فعله الهنود من ( عبادة كل ما يضره وكل ما ينفعه ) اتقاء لشرور الاعداء المحتملين فنصادق كل من ينفعنا وكل من نتوجس منه الضرر فلا عداوات دائمة ولا صداقات دائمة بل مصالح دائمة ام على نمط من يخلط في خطابه بين العدو الايماني والعدو الايديولوجي ؟
لا اريد ان اطيل بالاستنتاجات والتحليلات لأتوقف واناشد بان نوقف الحماس من اجل صنع ( العدو ) والانتقال الى تحوير المسميات ليختفي التحليل المزدوج ولتكون تفاعلية الانسان والمشاركة في الاستخلاف المشروع للملكوت هو في ارضاء الذات مثلما هو ارضاء للرسالة التي خلق الانسان من اجلها وهي الكينونة التي على هديها يتوحد الانسان مع غيره والعمل الجاد لتقديم النماذج التي لا تحدث شرخا في العلاقات والتعاملات بدءا من المناهج الفكرية والثقافية والفلسفية وانتهاء بمنظومة القيم ، فكم من اقلية حافظت على توحدها واصالتها مشافهة او مكتوبة برغم محدودية تواجدها ولكن توحد الكينونة القيمية جعلت ابناءها لا يفكرون في خلق ( العدو ) بل يوجدون طرقاً اصيلة للاندماج على الاقل الظاهري ، فقد حدثني ( صابئي الديانة ) ان والده اجبره واخوته على قراءة القرآن الكريم لان البلد الذي يعيشون فيه يقدسه واسماهم باسماء المسلمين في حين يتجه ابناء جلدتهم بان يكون لهم عدواً مستمداً من ( اسم العشيرة او اسم الشخص او اسم المنطقة ) والشواهد عديدة حتى افترق الاشقاء في من يشجع ايهم هذا الفريق الرياضي او ذاك ولكليهما اسبابه ( للعداوة ) وسارت الامور للتميز بين الطلبة بوضع سؤالين احدهما لهذا المكون والآخر لغيره والطامة الكبرى ان كان المصحح هو ( عدو ) لهذا المكون او ذاك .. فهل وجدت الالوان السبعة لكي تفرق الناس على الوانهم ام انها تختلط في اللون الابيض وما يصح في القرية عند حافات الكرم والطيبة والتوحد نجد الاب ينصح اولاده الخمسة قائلا ( ستذهبون الى المدينة ولا ادري من ستخالطون ومن هو عدوكم وصديقكم ؟ ولكي تحتاطوا ليعتنق احدكم الشيوعية والاخر القومية والثالث الاسلامية والرابع العلمانية وليبقَ خامسكم مستقلا ) وليس بالغريب عندما دعا يعقوب ابناءه ان ادخلوا مصر من ابواب متفرقة ، هي محاولات فطرية لانتقال ابن القرية الى المدينة وبما يعرف (بأريفة المدينة ) لانه يتوقع ان تكون المدينة طاردة لكل غريب ، ويؤسفني ان اقول ان الاستبداد المحلي يكون اقسى من الاستبداد الخارجي ولكل منهما شروره ، فقد حدثنا البلدانيون بما هو اسوأ ، فابن خلدون يرجح العداوات في المجتمع الذي تكثر فيه زراعة ( النارنج ) اكثر من البلد الذي يوجد فيه الزيتون والتفاح .. فهل السبب هو ان النارنج قد جمع بين حلاوة البرتقال وحامضية الليمون ، فكأنما جمع بين العدو الايماني والعدو الايديولوجي ليصبح لهما مذاق جديد يقبله العقل ويرفضه القلب يلوك به اللسان ولكن العقل الايماني يرفضه ..
عافاكم الله من شرور هذه العداوات ولا تستمعوا الى الخطاب الاعلامي عندما يخلط بين المسميات العدائية فان تلك هي اساليب فن قيادة البشر في ملكوت الله .
خضير العقيدي – بغداد
/6/2012 Issue 4215 – Date 2 Azzaman International Newspape
جريدة الزمان الدولية العدد 4215 التاريخ 2»6»2012
AZPPPL