العبودية السلعة والتجار والسوق

العبودية السلعة والتجار والسوق
د. أكرم عبدالرزاق المشهداني
لا شك في اهمية الاتجار بالبشر لعصابات المنظمات الاجراميه المنظمة وجماعات العصابات والاهميه هذة تكون مماثلة في ارباح هذة التجارة. وقد أصبحت هذه بفضل شبكة الانترنت دوليه تعبر حدود الدول في وقت قصير جدا بالمقارنة بالحال من ذي قبل فقد اصبح للانترنت دور خطير في حياة الانسان، حيث اصبح من الممكن ان تشاهد الافلام المجسمة بالصوت والصورة عن طريق الانترنت، كما انه من الممكن ان يشاهد الشخص الحجرة التي يريد ان يحجزها، وايضاً استخدام البريد الالكتروني وهو وسائل متعددة وواردة في جميع انحاء العالم والصادر اليها كميات كبيرة وسرعة فائقة، وكذلك عن طريق شبكة الانترنت يمكن التعرف على الاخبار عن اخبار الازياء والفنون والاداب العالمية في اسرع وقت وبأقل التكاليف الممكنة، وعلى ذلك فالاتجار بالبشر يمكن ان يمارس عبر الانترنت مثل اعلانات البيع او البريد الالكتروني للتراسل بين دول المصدر والاخرى المستوردة لهذة التجارة.
عناصر جريمة الاتجار في البشر
من خلال التعريف السابق وفي ضوء الخصائص السابقة يتضح لنا ان جريمة الاتجار بالبشر لها ثلاثة عناصر هي السلعة، التاجر، السوق، نتناولهم على النحو التالي
1 ــ السلعة
تشمل السلعة في جريمة الاتجار بالبشر في الشخص الذي يتم تجنيده او نقله او تنقله او ايواؤه او استقباله من بلد الى بلد من اجل استغلاله ويستوي في ذلك ان يكون استغلاله طواعية واختيار منه او قسرا وكرها عنه، ويتمثل هذا الاكراه في استعمال القوة او التهديد بها او النصب او الاحتيال وغير ذلك مما يدخل في هذا الصدد.
ويتم استغلال هذه السلعة الشخص اما بطريق السخره بعد تقديم عمل قانوني ومشروع له ولكن دون الحصول عكلى مقابل عادل لهذا العمل واما في استغلاله في ممارسة البغاء والاستغلال الجنسي واما في مجال نزع اعضاءه الجسدية للتجارة فيها.
ومن الاهمية بمكان القول ان هذه السلعة تتركز بصورة دائمة في فئات المجتمع الاكثر ضعفا وهم غالبا من النساء والاطفال وتزداد هذه الجريمة بصفة اساسية عند وقوع الكوارث الانسانية او الصراعات المسلحة الداخلية حيث يكون اللاجئون والنازحون من بلادهم هم المستهدفين من الشبكات الاجرامية المنظمة العاملة في هذا المجال.
ويستوي في ذلك ان يتم استغلاله طواعية منه او كرها عنه فالخروج طواعيا يكون عن طريق تقديم الوعود الكاذبة بتوفير فرص عمل بمقابل مادي كبير يتم الاعلان عنها في الصحف او عبر شبكة الانترنت او عن طريق الاتصال المباشر بهم ويتم تزويدهم بتذاكر الانتقال ووثائق سفر مزورة للوصول الى الجهة او البلد المضيف وذلك مقابل حصول الوسطاء على سندات مديونية بهذه المبالغ مما يؤدي الى ارهاق هؤلاء الضحايا بتكاليف باهظة وديون تضمن ارتباطهم بهؤلاء الوسطاء.
اما الخروج جبرا وكرها فيتم عن طريق الاكراه وذلك باستعمال القوة والخطف والاحتيال والنصب وغيرها من الصور الاخرى.
2 ــ التاجر
يقصد به ذلك الشخص او الجماعات والعصابات الاجرامية المنظمة التي تباشر عملية نقل وتنقيل الاشخاص الضحايا من اوطانهم الى البلد المستورد لهم وتقوم بشؤون هذه التجارة مع الاخذ في الاعتبار ان برتوكول منع وقمع الاتجار بالبشر المكمل لاتفاقية الامم المتحدة لمكافحة الجريمة المنظمة اشار في مادته الرابعة الى انه لاتسري احكام هذا البرتوكول الا على الاتجار عبر الوطني الدولي في البشر الذي تقوم به جماعات اجرامية منظمة دون الحالات الفردية العارضة
ويعني ذلك انه يخرج الحالات الفردية والعارضة في الاتجار بالبشر من نطاق ما وصفه بجريمة الاتجار بالبشر.
ومن الجدير بالذكر ان الوسيط ليس مجرد شخص طبيعي بل هو مشروع منظم محترف مثل هذه التجارة فهو مشروع اقتصادي متكامل البنيان قريب الشبه من المشروعات الاقتصادية متعددة الجنسيات اذ ان الشبكة الاجرامية التي تقوم بهذه التجارة تتكون في الغالب الاعم من وسطاء بتخذون من الدول العارضة لهذه السلعة مركزا لهم حيث يقومون باختيار الضحايا محل التجارة ومن وسطاء مسهلين للمساعدة في عبور هذه السلعة من بلد المنشأ الى البلد المضيف الذي يوجد فيه وسطاء آخرون يقومون بمهمة استلام هذه السلع وتوزيعها على الانشطة المختلفة.
3 ــ السوق
تتعلق جريمة الاتجار بالبشر بانتقال الضحايا من موطنهم الاصلي الى بلد آخر او عدة بلاد اخرى وذلك من اجل استغلالهم وعلى هذا يكون النقل مباشرة بين الدولة العارضة والدولة المستوردة وقد يكون بين هؤلاء البلدين بلد عبور او تجمع.
التعاون العربي في مكافحة الاتجار بالبشر
أقدمت جامعة الدول العربية على خطوة ايجابية فأطلقت مبادرة لمكافحة الاتّجار بالبشر في آذار مارس 2010 بالتعاون مع المؤسسة القطرية لمكافحة الاتجار بالبشر ومكتب الأمم المتحدة المعني بالجريمة والمخدرات، ولا بدّ من وضع سياسات عربية لكل بلد عربي، وبذلك يمكن أن تؤتي الجهود الرسمية بالتعاون مع المجتمع المدني ثمارها وتفلح في معالجة أسباب الظاهرة مثل الفقر والجهل وانعدام تكافؤ الفرص وشحّ الحريات والفجوة بين الشمال والجنوب وعدم الاستفادة من منجزات الثورة العلمية ــ التقنية. ولعل جريمة الاتّجار بالبشر اليوم تسير جنباً الى جنب مع جرائم المخدّرات وغسيل الأموال والتزوير، وكلّها أصبحت جرائم دولية، عابرة للحدود الوطنية والقارات، وهي شكل مستحدث من أشكال المافيا الجديدة.
كما ان هناك اتفاقية عربية بين وزارات العدل والداخلية العربية تحت مظلة الجامعة العربية تتضمن اسس التعاون في مكافحة هذه الجرائم كما ان المجلسين العدل والداخلية العرب وضعا نصا قانونيا نموذجيا للاسترشاد به من قبل الدول العربية في تشريعات مكافحة الاتجار بالبشر.
القانون العراقي لمكافحة الاتجار بالبشر
التحق العراق بالركب الدولي في مكافحة هذا النمط الخطير من الاجرام المستحدث، فقد انضم العراق الى اتفاقية مكافحة الجريمة المنظمة عبر الوطنية والى بروتوكولها الملحق بها والخاص بقمع الاتجار بالبشر.
كما اصدر العراق قانونا خاصا بمكافحة الاتجار بالبشر وهو القانون رقم 28 لسنة 2012 الذي جرم بموجبه فعل الاتجار بالبشر وفقاً للتوصيف الدولي، وهذا بلا شك يعد خطوة هامة في طريق المساهمة في الجهود الدولية للوقوف بوجه هذه الظاهرة الخطيرة.
تشكيل لجنة مركزية لتنفيذ القانون برئاسة وزير الداخلية
أصدر مجلس الوزراء العراقي قراراً بتشكيل لجنة مركزية لتنفيذ قانون مكافحة الاتجار بالبشر رقم 28 للعام 2012 برئاسة وزير الداخلية وعضوية الأمانة العامة لمجلس الوزراء ووزارات الخارجية وحقوق الانسان والعدل والمالية والنقل والعمل والشؤون الاجتماعية والهجرة اضافة الى مفوضية حقوق الانسان وممثلية اقليم كردستان والمحافظات العراقية. كما أوعزت الى المحافظات بتشكيل اللّجان الفرعية طبقا لما جاء في المادة 4 من القانون وبرئاسة المحافظ.
ملاحظات على القانون العراقي لمنع الاتجار بالبشر
القانون العراقي لمكافحة الاتجار بالبشر رقم 28 لسنة 2012 تضمن العديد من مواضع الخلل وبخاصة في مجال تعريف الاتجار بالبشر، اذ عرفت المادة 1» اولا من القانون الاتجار بالبشر بقولها يقصد بالاتجار بالبشر لاغراض هذا القانون تجنيد اشخاص او نقلهم او ايوائهم او استقبالهم بوساطة التهديد بالقوة او استعمالها او غير ذلك من اشكال القسر او الاختطاف او الخداع او استغلال السلطة او باعطاء او تلقي مبالغ مالية او مزايا لنيل موافقة شخص له سلطة او ولاية على شخص اخر بهدف بيعهم او استغلالهم في اعمال الدعارة او الاستغلال الجنسي او السخرة او العمل القسري او الاسترقاق او التسول او المتاجرة باعضائهم البشرية او لاغراض التجارب الطبية ، وهذا التعريف مأخوذ من التعريف الوارد في المادة 3 من بروتوكول منع وقمع ومعاقبة الاتجار بالاشخاص وبخاصة النساء والاطفال المكمل لاتفاقية الامم المتحدة لمكافحة الجريمة المنظمة عبر الوطنية بروتوكول باليريمو ــ ايطاليا لسنة 2000 والسابق ذكره نصاً.
الا ان المشرع العراقي خالفه في ستة مواضع خطيرة هي
1 ــ قام المشرع العراقي برفع لفظ التنقيل الوارد في التعريف الدولي من تعداد الافعال المكونة للجريمة، بالرغم من ان اللفظ المرفوع التنقيل له معنى غير النقل الواردين في النص العراقي والدولي، ويواجه انواعا من الافعال لا يستوعبها لفظ النقل ، تتعلق بمسؤولية الناقلين او اصحاب وسائل النقل كالسفن والطائرات والحافلات وغيرها.
2 ــ كما قام المشرع العراقي برفع حالة استغلال حالة الاستضعاف الواردة في النص الدولي، من تعداد طرق قهر او اجبار الضحايا، واكتفى ب التهديد بالقوة او استعمالها او غير ذلك من اشكال القسر او الاختطاف او الاحتيال او الخداع او استغلال السلطة او باعطاء او تلقي مبالغ مالية او مزايا لنيل موافقة شخص له سيطرة على شخص اخر على الرغم من ان العبارة المرفوعة تعالج حالة الاشخاص الذين يجدون انفسهم تحت السيطرة في الاعراف والممارسات المشابهة للرق، وهي حالة موجودة في العراق، ويعاني منها بعض النساء، من الضحايا لاعراف عشائرية تقليدية متخلفة.
3 ــ كما قام المشرع العراقي برفع حالتين هامتين من حالات الاستغلال هما الاستعباد و الممارسات الشبيهة بالرق الواردة في التعريف الدولي، رغم انهما من حالات استغلال البشر الخطيرة والتي يعاني منها مجتمعنا العراقي كتقديم المرأة تعويضا الى قبيلة او عشيرة اخرى الفصلية و زواج الشغار الذي يعطي الرجل فيه ابنته او اخته الى اخر ليتزوجها في مقابل اخذه بنته او اخته ليتزوجها بلا مهر، وهو المعروف باسم زواج كصة بكصة .
4 ــ قام المشرع بابدال لفظ نزع الاعضاء البشرية المستخدم في النص الدولي بلفظي المتاجرة باعضائهم البشرية او لاغراض التجارب الطبية ، وهو اتجاه منتقد لان اللفظ الدولي اوسع بكثير من النص العراقي، لان النص العراقي حصر الامر في هدفين الاول هو المتاجرة بالاعضاء، والثاني التجارب الطبية، فيخرج بالتالي اي شكل من اشكال نزع الاعضاء البشرية لاي غرض اخر غير المتاجرة او التجارب الطبية، مثل ان يقوم ثري بخطف شاب او مراهق لاخذ عضو منه لزرعه في جسد ابنه، فذلك يبدو انه لا يعد من اشكال المتاجرة بالبشر وفقاً لمنطوق النص العراقي، في حين ان النص الدولي يستوعب كل تلك الفروض.
5 ــ يلاحظ ان الاتفاقية الدولية ذكرت احوال الاستغلال على سبيل المثال وليس التحديد، بينما المشرع العراقي حصر هدف الجناة في الاستغلال في ثمان اغراض فقط. ويعد ذلك اخطر تعديل اجراه القانون العراقي على التعريف الدولي، حينما اكتفى القانون العراقي بثمانية انواع من انواع الاستغلال هي 1 ــ اعمال الدعارة 2 ــ الاستغلال الجنسي 3 ــ السخرة 4 ــ العمل القسري 5 ــ الاسترقاق 6 ــ التسول 7 ــ المتاجرة باعضائهم البشرية 8 ــ لاغراض التجارب الطبية، في حين ان النص الدولي لم يحصر اصناف الاستغلال، بل اطلقها تحت مسمى الاستغلال وضرب عليها امثلة فقط. معنى ذلك هو ان النص العراقي وقع بخطأ خطير حينما حصر الاستغلال في ثمانية صور فقط، فأذا وقعت جريمة الاتجار بالبشر بكامل اركانها الا ان الجناة كانوا يريدون استغلال الضحية في غرض لا يدخل في الاغراض الثمانية التي ذكرها النص العراقي، فإن فعلهم لا يعد جريمة اتجار بالبشر .
6 ــ وجود خلل في التعريف فيما يتعلق بالاتجار بالاطفال إذ اوجب النص الدولي بموجب الفقرة ج من المادة 3 من برتوكول باليرمو لسنة 2000 ان يعتبر تجنيد طفل او نقله او تنقيله او ايواؤه او استقباله لاغرض الاستغلال اتجارا بالاشخاص حتى اذا لم ينطو على استعمال وسائل القسر والاكراه او الاحتيال، في حين ان القانون العراقي اغفل ذكر ذلك، وذلك يعني ان جريمة الاتجار بالاطفال لا تتحقق ــ طبقا للنص العراقي ــ الا اذا كان هناك تهديد بالقوة او استعمالها او اختطاف او احتيال او خداع ôالخ. في حين يتوجب عدم اشتراط ذلك في الاتجار بالاطفال، خصوصا مع الاطفال الصغار والرضع، الذين يتصور وقوع جريمة الاتجار بهم دونما حاجة الى التهديد بالقوة او استعمالها او الاحتيال او الاختطاف ô الخ كالاطفال الرضع الذين قد يجدهم الجناة في الشوارع او بين يدي من وجدهم مرميين تخلصا من العار او من تكليف التربية والاعالة. وهذا عيب آخر في القانون العراقي. وعليه فإن الاستاذ القاضي رحيم العكيلي يرى بان هذه التغييرات الخطيرة في تعريف الجريمة بالنص العراقي خلافا عن النص الدولي سيؤثر تأثيرا واضحا في النظرة الى استجابة العراق لالتزاماته الدولية بموجب اتفاقية مكافحة الجريمة المنظمة عبر الوطنية وبرتوكول باليريمو لسنة 2000 المكمل لها، كما انه سيؤثر في سلامة تطبيق النص على مجموع الافعال التي تشكلها جريمة الاتجار بالبشر فيخرج افعال خطيرة منها، وسيؤدي ذلك بالنتيجة الى اخراج بعض ضحايا الاتجار بالبشر من المشمولين بالرعاية التي نص عليها القانون لعدم عد ما يقع عليهم كـ جريمة اتجار بالبشر فيحرمون من الاستفادة مما جاء به القانون لضحايا الاتجار بالبشر كالعناية الصحية والمساعدة المالية والمشورة القانونية والمسكن وغيرها.
/9/2012 Issue 4292 – Date 1 Azzaman International Newspape
جريدة الزمان الدولية العدد 4292 التاريخ 1»9»2012
AZP07