العبادي وستراتيجية أبعاد الذئب

العبادي وستراتيجية أبعاد الذئب

 

 

 

عصام فاهم العامري

 

 

برزت العديد من المؤشرات خلال الاسبوعين الماضيين ، وهذه المؤشرات تضافرت على أكثر من مستوى ، وهي بالاجمال تقود الى  ايجاد دعائم لمعادلة جديدة في العراق  . فعلى المستوى الدولي هناك خروج واضح للمجتمع الدولي عن سلبيته إزاء الأوضاع في العراق وانخراطه في جهود وقف تغوّل تنظيم الدولة الإسلامية الذي شارف خلال الأيام الماضية على إسقاط إقليم كردستان واقتراف جرائم حرب مروّعة ضد المدنيين. فالضربات الجوية الأمريكية ساعدت في تمكين البشمركة ؛ وقد عملت امريكا على تزويد قوات البشمركة بالسلاح بشكل مباشر ؛ وبالفعل استعادت هذه القوات قضاء مخمور القريب من أربيل عاصمة الإقليم . كما ان هذا التطور سمح بوجود تطور اخر هو اعادة التنسيق والعمل المشترك بين القوات العراقية وقوات البيشمركة ، وقد سمح التطور الاخير وبمساعدة السلاح الجوي الامريكي باستعادة سد الموصل ، فضلا عن اعطاء المبادأة للقوات المشتركة ، حيث انتقلت هذه القوات من الدفاع للهجوم من اجل دحر داعش في المناطق التي سيطرت عليها .  يضاف الى ذلك ان الضربات الامريكية اوقفت فعل او على الاقل قلصت فعل الإبادة الجماعية التي مارسه الارهابيون .  والى جانب الضربات الجوية كان هناك تحرك دولي بارز من جانب فرنسا وبريطانيا ودول الاتحاد الاوروبي والفاتيكان في توفير الدعم الدبلوماسي لحكومة اقليم كردستان ، وكذلك تقديم عون انساني وإنشاء جسر لإيصال المساعدات إلى العراق وإقليم كردستان تحديدا ، وخاصة للمناطق المحاصرة في سنجار للتخفيف من معاناة الايزديين والمسيحيين والتركمان والنازحين من كافة الفئات ومحاولة انهاءها باسرع وقت .

 

والتطور الاهم الذي سمح به التحرك الدولي وكذلك الانخراط العسكري الامريكي الجديد في زيادة الضغوط الذي اوقف التعطيل الذي مارسه المالكي في البدء بعملية تشكيل الحكومة عبر اختيار مرشح جديد  لرئاستها . هذا التطور في حد ذاته رغم انه يمثل خطوة صغيرة لكن تأثيرها كان كبيرا لانها  اوجدت مفاعيل لعمل مشترك بين الاطراف السياسية العراقية .

 

وهذا التطور ، اقصد تطور اختيار العبادي لرئاسة الوزراء ،  حمل في طياته متغير دفين ، الا وهو استيعاب ايران لدرس فشل رجلها المالكي في ادارة ملف الحكم في العراق وقبولها بالاتيان بالعبادي الذي هو في كل الاحوال شخصية بطبيعته برغماتيه و انه يميل للاستقلالية وعدم اخضاع حزب الدعوة والسياسة العراقية لايران ، بالطبع لا يعني ذلك انه مستعد لتوتير العلاقات مع ايران ، ولكنه سيعمل حتما على عدم اخضاع القرار السياسي العراقي لايران .

 

وفي اعتقادي ان ايران سمحت بحدوث هذا التطور لانها ادركت ان امريكا لن تتدخل في العراق مرة اخرى من دون وجود حكومة جامعة تحظى بالقبول  السياسي والشعبي العام فيه  ، ووجود مثل هذه الحكومة يحتاج الى رجل يستطيع ان يحقق توازنات معقدة ، وهذا ينطبق على العبادي . اذن قبول طهران بالعبادي هو بهدف الاستعانة بسلاح الجو الأمريكي لضرب تنظيم داعش الارهابي الذي يهدد نفوذ ايران في العراق ومن الممكن ان يشكل تهديدا لايران نفسها. .

 

وفي كل الاحوال ان صعود العبادي مكان المالكي، وكذلك قرار أوباما قصف داعش، لا يكفيان للرهان على حدوث معادلة جديدة في العراق. فقد وعد الرئيس أوباما باتباع استراتيجية ” بعيدة الأمد” لمكافحة تنظيم الدولة الاسلامية ، ودعا (  مساء الاثنين الماضي )  اوباما العبادي الى تشكيل “حكومة وحدة لديها برنامج وطني يمثل مصالح جميع العراقيين”، محذرا بغداد من مغبة التأخر في هذا الامر لأن الخطر “على الابواب”، قائلا “لقد اعجبت خلال حديثي معه ( يقصد العبادي ) برؤيته لتشكيل حكومة جامعة ولكن عليهم القيام بهذا الامر لأن الذئب عند الباب”. واضاف  و”لكي تكون لهم صدقية لدى الشعب العراقي يجب عليهم ان يضعوا خلفهم بعض الممارسات القديمة وان يشكلوا حكومة وحدة ذات مصداقية”. فما الذي قصده اوباما بهذا الكلام ؟

 

فالواضح ان اوباما قصد ان الحكومة الجديدة وبرنامجها وسلوكها ستكون موضع اختبار ضمن استراتيجية طويلة الامد ، وان اخفاق هذه الحكومة في انجاز ما مطلوب منها سيضعها امام الذئب المتربص بالعراق عند الباب ،، وهو بهذا المعنى يقول ان امريكا على استعداد في مشاركة العراق باستراتيجية ابعاد الذئب مادامت حكومته على السكة الصحيحة ، وهذا يتطلب عدة امور يجب ان تحدثها حكومة العبادي في المقدمة منها : ( اولا ) تراجع العقلية الطائفية والميول الاستبدادية التي راجت في الحقبة المالكية ليس فقط على مستوى الممارسة الحكومية ، وانما ايضا تراجعها على المستوى العمل البرلماني ، وبالتالي من الممكن ان نشهد مشاركة واسعة في عملية صنع القرار السياسي من دون تفرد كما كان يحصل في الحقبة المالكية . ( ثانيا ) التخفيف من سياسات تسيس الاجهزة الامنية وتشكيل قوات محلية جديدة لحماية السكان في المناطق السنية، على غرار نموذج البشمركة الكردية . وهذا من شأنه ان يسهم في ابتعاد المناطق الغربية والشمالية ذات الاغلبية السنية لتكون حاضنة للتنظيمات الارهابية ، وبالتالي تحولها الى محاربة هذه التنظيمات وبالاخص داعش واخواتها ، مما يساعد في دحر داعش على نحو متسارع . ( ثالثا ) ايجاد صيغة لتوازن نسبي  بين السلطة المركزية والحكم الذاتي المحلي ، وممكن ان تشتمل هذه الصيغة ترتيبات تلبي احتياجات أكراد العراق الذين يتمتعون بصلاحيات محلية معتبرة، ومزيداً من اللامركزية بالنسبة لبقية البلاد، واتفاقاً جديداً بشأن إدارة وتقاسم عائدات الموارد الطبيعية للعراق، وخاصة النفط . ( رابعا ) اعادة الاعتبار لاستقلالية القضاء وايقاف تغول رئاسة الوزراء عليه وعلى المؤسسات والهيئات المستقلة الاخرى ، وهذا من شأنه ان يمنح العفو عن عشرات الآلاف من السنة المعتقلين بدون محاكمات وان يحد من التطبيق التعسفي لقرارات ” اجتثاث  البعث ” ولقانون محاربة الإرهاب الذي أساء المالكي استعماله لإيقاف منافسيه السياسيين من السنة والشيعة .

 

وقد قال اوباما هذا الامر بوضوح  ” هدفنا هو ان يكون لنا شركاء حقيقيون على ارض الواقع. واذا كان لدينا شركاء حقيقيون على ارض الواقع يصبح خروج المهمة عن مسارها اقل احتمالا”، واعدا ب”استراتيجية لمكافحة الارهاب” مشتركة بين العراق وحلفاء الولايات المتحدة.

 

وبالمختصر ،  ان امريكا كما العالم تريد من العراق كي تساعده فعلا  تشكيل حكومة شراكة حقيقية وتوجهها نحو اصلاح الخرائب التي احدثتها الحقبة المالكية ، وهذا من شأنه ان يسهم بتغيرات جوهرية في عملية الاستقرار في المنطقة ، اذ انه يسمح لعودة العراق الى حضنه العربي وبالتالي ابتعاده عن المحور الايراني وسياسات الاستقطاب الطائفي الاقليمي التي عززتها الحقبة المالكية .  وانتهاء الحقبة المالكية وسياستها حتما سيعيد رسم المعادلة الاقليمية وتأسيسها على نحو جديد .