الطاهر ناقداً وإنساناً – علي خيون

الطاهر ناقداً وإنساناً – علي خيون

   يوم نال الأستاذ الدكتور علي جواد الطاهر جائزة سلطان العويس في الدراسات الأدبية والنقد عام 1988ـ 1989? قالت لجنة التحكيم : ” إن علي جواد الطاهر يتميز بدراساته الأدبية على المستوى الأكاديمي، وهي تتصف بالحرص الشديد على الأناة في الحكم والدقة في النظر الى الجزئيات من أجل بناء كلي متكامل، والجمع المتنوع بين دراسات تهتم بالتراث وأخرى تهتم بالإتجاهات الأدبية المعاصرة مثل” مقدمة في النقد الأدبي” و”دراسة عن الشعر الحر والتراث “، وهو فيها جميعاً ملتزم بالمنهج العلمي، مؤمناَ بجدواه الكبيرة في نقل المعرفة المنظم

    وأضافت اللجنة: “إن مؤلفات علي جواد الطاهر تنقل لقرائها شغفاَ صادقاَ بالتجويد في العبارة والفكرة والبناء وإخلاصاً كلياً لروح العلم وموضوعية البحث النقدي”.

وقد سرني أن اقرأ مؤخراً كتاباً للأستاذ الدكتور سعد التميمي، صدر عن دار الشؤون الثقافية العامة، يضم شهادات لعشرة من الأكاديميين ممن تلقوا علومهم العالية على يديه أو حظوا برعايته أو صداقته، منهم (مع حفظ الألقاب): حسن ناظم، عبد الرضا علي، سعيد الزبيدي، حاتم الصكر، سعيد عدنان، فاضل التميمي، ياسين النصير، جواد الحطاب، عدنان الصائغ، عبد الرزاق الربيعي.

   وقد أجمع المؤلف وأصدقاء الطاهر على أنه كان أميناً على روح النقد ومعناه وشروطه، منذ أن عاش في أجواء القاهرة الأدبية، يستمع الى محاضرات طه حسين ويلتقي كبار الكتاب هناك، وينهل من عيون الأدب يوم التحق بجامعة فؤاد الأول  1947أو بعدها عندما أقام في باريس(تشرين الأول 1948 ـــ 1954) وأبدى اهتماماً بالأدب الأجنبي تلمذة وقراءة ومشاهدة ومتابعة للنقود والدراسات.

     ولي هنا أن أضيف درساً تعلمته من الطاهر، وهو “تواضع العالم”، الذي كنت شاهداً على جانب منه؛ فيوم قرأت مقالته الطويلة عن روايتي “العزف في مكان صاخب” في مجلة الأقلام العدد الصادر في آب 1988 وتقع في 27 صفحة، رفعت سماعة الهاتف الأرضي لأشكره، فقال لي بتواضع جم:

ـــ أنا الذي أشكرك.

تحليل نص

    لم أفهم رده، فراح يشرح لي الأمر بما معناه: إن المقالة النقدية فن قائم بذاته، وهو لايكتبها مجاملة للكاتب أو لنيل رضاه، بل من أجل تحليل نص له ميزات العمل المبدع الذي ينبغي تقديمه للقارىء، وعلى وفق هذا فإن الرواية في رأيه استطاعت أن تنتزع من قلمه مقالة نقدية كاملة تصلح أن تكون فصلاً في كتاب، فإن لم تصلح أن تكون فصلاً، فهي مادة صحفية سريعة لاقيمة لها.لزمت الصمت احتراماً له، إذ لم أهضم فكرة أن يشكرني وهو الذي ذهب الى آفاق عربية على أطراف بغداد ــ وهو يومئذ في السبعين من عمره ــ ليأخذ نسخة من الرواية ويكتب عنها ثم يرسل المقالة بيد ابنه المهندس إربد الطاهر لأن الأنترنيت غير موجود في العراق آنذاك، ثم يعتذر عن الشكر لأن الرواية أوحت له بمقالة؟.  وجاء اليوم الذي اتصل بي ليهدي إلي نسخة من كتابه النقدي” مسرحيات وروايات عراقية في مآل التقدير النقدي” الصادر عن دار الشؤون الثقافية 1993 والذي تضمن تلك المقالة النقدية ص191 ــ 218 وقرأت الإهداء بخط يده، فإذا هو يعبر عما قاله لي تعبيراً دقيقاً: ( إلى القاص الروائي المبدع الأستاذ علي خيون من أكسبتني ” العزف في مكان صاخب” مقالةً وصديقاً..تحية..19/10/1993

   وكان من جمال روحه، وسعة أفقه، وعلو انسانيته، أنه دعا الى ترجمة الرواية وتقديمها الى العالم في نقاء منقطع النظير، فقال: ( ومن هنا جاءت رواية “العزف في مكان صاخب” رواية متميزة إلى جانب أخواتها العراقيات القليلات المتميزات، لتزيد في أمل الإزدهار، ولتقول: إن لدينا ما لا يقل عما لدى أخواننا، وما لانحتشم من تقديمه إلى العالم الذي يملك تاريخاً طويلاً للرواية الحديثة. ولتقول ــ على هذا ـــ إن الرواية العراقية بخير).

    رحم الله الطاهر وأحسن إليه، وهو يعطي الدروس لنا في حياته ومن بعد مماته؛ وهي دروس تدعو الأديب ليحترم فنه قبل طباعته، والناقد ليهتم بمقالته قبل نشرها.

مشاركة