الصناعة العراقية ..  إلى أين؟ – كمال جاسم العزاوي

الصناعة العراقية ..  إلى أين؟ – كمال جاسم العزاوي

قد يوحي عنوان المقال بأنه تقرير اقتصادي أو بحث في مقومات الصناعة واسسها ومستلزماتها لكن الأمر ليس كذلك وأن فكرة الموضوع  ستتضح من سياق الكلام والرسالة التي يتضمنها وبداية نقول التصنيع عملية اقتصادية بحتة  تأتي استجابة لمتطلبات السوق وفرق الكلفة وليست عملية اعلامية لتحويل البلد من مستهلك للسلعة الى منتج لها ويمكن لبلد مثل العراق أن يكون منتجاً للكثير من السلع المصنعة وهو مؤهل لذلك بما يتوفر أمامه من فرص ومقومات مهمة  مثلما هو منتج وشريك تجاري مهم في الشرق الأوسط   ان عملية التصنيع ليست غاية تتحقق بدفع الأموال وشراء المصانع الجاهزة بل تأتي استجابة لمتطلبات الحياة وهي  ليست المعيارالوحيد للتحضر والثراء.

عوامل مؤثرة

وعلى هذا الأساس سنتناول موضوع التصنيع والعومل المؤثرة في نجاحه وفق الفقرات التالية  الجدوى الاقتصادية : يعتبر مبدأ الربح والخسارة في النظام الرأسمالي الأساس الذي قامت عليه الصناعة في أوربا وغيرها وتوسعت وازدهرت حتى وصلت الى  ما نراه اليوم من مستوىً عال عجز (العالم الثالث) عن اللحاق بركبه حتى غدت الهوة شاسعة بين الطرفين والتي تحبط أية محاولات للتفوق أو الوصول الى شيء من هذا المستوى ومن هنا يتضح أن أية  فكرة أو مشروع للتصنيع يجب أن يقوم على مبدأين الأول مدى توفر السلعة المطلوبة فقد تبنى مصانع لمنتج معين للحاجة المستديمة له بغض النظر عن الكلفة والمبدأ الثاني يتمثل في كلفة الانتاج فليس من المنطق أن تقيم مصنعاً ينتج الدراجة النارية مثلاً بكلفة (800) دولار للدراجة الواحدة بينما هناك مصنع مشابه في بلد مجاور ينتج نفس الدراجة وبنفس المواصفات وبكلفة أقل لأنه من الأجدى أن نستورد تلك الدراجة من البلد المجاور ونقيم بدل منها مشاريع  اخرى لنحقق الجدوى الاقتصادية   قاعدة صناعية : النمو المتصاعد للصناعات بشكل عام يخلق قاعدة صناعية رصينة من بنى تحتية  تتشكل منها طرق المواصلات ومستودعات ومصاهر للحديد والألمنيوم ومشاريع للمواد  الأولية شبه المصنعة تلك هي الفاعدة الصناعية التي ستستند اليها أي عملية جديدة للتصنيع وهذا بدوره يقلل مبدئياً من كلف الانتاج مما يوفر للسلع المصنعة فرصة التنافس في السوق العالمية لأن هذا المعيار (تنافس الأسعار) هو الأساس في الطلب على السلع ورواجها      مراكز البحث والتطوير : لو لم يكن هناك الاهتمام بتطوير وسائل الانتاج الصناعي وتطوير المنتج السلعي في العالم المتحضر لظلت المصانع  على بدائتها ومن ثم استهلاك خطوط الانتاج وتخلفها بتقادم الزمن مما يعني تعثر المشاريع الصناعية الكبرى وتوقفها وهذا ما نراه غالباً في مشاريع التصنيع العربية ودول العالم الثالث على العكس تماماً مما يحصل في الدول الرائدة في الصناعة التي ومن اليوم الأول لتشغيل مصانعها فانها  تبدأ بتصميم النموذج الجديد المطور لمنتجاتها لتتمكن من مجاراة الشركات الاخرى المنافسة وللحفاظ على مكانتها في السوق العالمية     تصنيع أم تجميع : نظرة شاملة الى الخارطة الصناعية في العراق والمنـــــطقة العربية توضح أن المشاريع الكبيرة منـــــها والمتوسطة  لا ترقى الى فكرة التصنيع الحقيقي المثمر فهي عبارة عن صناعات (تجميعية) هنا وهناك بنسب تصنيع ضئيلة من أصل السلعة وتفتقر الى التطوير.

رهينة الاتفاق

 لذا نجدها رهينة الاتفاق والامتياز الذي حصلت عليه من الشركة الام والذي يحدد مسبقاً نوع السلعة والعدد ولايمكن تجاوزه لعدم توفر الامكانيات الفنية لذلك      وهناك شواهد وأمثلة من الواقع فصناعة الحافلات (سكانيا/ ريم) العراقية (سويدية المنشأ) وسيارات الحمل (صلاح الدين/ سافيم) (فرنسية  المنشأ) وجرارات (عنتر/ زيتور) اليوغسلافية وسيارات (نصر/ فيات) المصرية (ايطالية المنشأ) فمحركات هذه الآلات وتفرعاتها المهمة  تصنع بالكامل في بلدانها الأصلية وتركب وتجمع في بلادنا مما أدى الى تعثر تلك المشاريع وتوقفها لافتقارها الى امكانية التطوير والتوسيع   أولويات التصنيع : ينبغي أن تكون هناك أولويات في قضية التصنيع فالمشاريع التي تدعم الاقتصاد وتلبي حاجات المجتمع أولى من غيرها فليس من المعقول أن نصنع شاحنة ضخمة (صناعة تجــــــــميعية) في الوقت الذي نستورد فيه السيارات الصغيرة والدراجات وهكذا والعراق كغيـــــــره من دول العالم  الثالث يفتقر الى قاعدة صناعية وبنى تحتية ومصاهر للحديد الصلب والألمنيوم وهذا أحد الأسباب في تأخر وتعثر التصنيع الحقيقي في البلاد   الصناعات الحربية : رغم أهمية الصناعة الحربية لكل دولة لتأمين حدودها وفرض سيادتها وكذلك أهميتها الاستثــــــــمارية فهي تدر أرباحاً كبيرة مقارنة بالصناعات المدنية الاخرى الا ان اقامة تلك المشلريع في دولنا الشرقية قد لا يحقق الجدوى من اقامتها لأسباب سياسية ولارتفاع كلفة انشائها فالدول الصناعية الكبرى لا تسمح لشركاتها بنقل التكنولوجيا العسكرية المتطورة للدول الاخرى الا بتحديدات وشروط صعبة حفاظاً على تفوقها  الاستراتيجي وضماناً لأمنها القومي وقد تعطي الامتياز الفني لانتاج الأعتدة الخفيفة وخطوط تجميعية لبعض القــــــطع العسكرية ومثال على ذلك مشاريع  التصنيع العسكري في بلدنا قبل عدة عقــود حيث انفقت مليارات الدولارات في اقامة منشآت ومصانع كثيرة لانتاج الأعتدة الحربية  ونسخ طبق الأصل من بعض الأسلحة الخفيفة  والمتوسطة في نسب تصنيع متفاوتة انتـــهى بها المطاف الى الجمود والاندثار لعدم وجود قدرة  وامـــكانية فنية لتطويرها وهكذا الحال في التصنيع الحربي العربي وغيره من بلدان الشرق الأوسط  يتضح مما تقدم أن الطريق الى اقامة صناعة وطنية حقيــــــقية ليس سهلاً ولا مستحيلاً اذا تم التخطيط الاستراتيجي البعيد المدى لهذا الأمر فبناء قاعـــــــدة صناعية مهمة يجب أن يسبق أي فكرة أو مشروع لتوطين صناعات استراتيجية مهمة تدعم الاقتــــصاد وتستثمر الطاقات البشرية والفنية وتضع الخــــــطط العقــــــلانية للتطوير وفق سلم الأولــــــــويات الواردة.

مشاركة