الصمت الدبلوماسي أمام التجاوز السعودي
عبد الأمير كاظم الجوراني
استوقفني كثيراً وآلمني أكثر بعضاً من كلام المندوب السعودي ضمن خطابه الذي ألقاه في مؤتمر مكافحة الإرهاب .. فهذا النظام كان وما زال يوغل في تجاوزاته على العراق وحكومته وشعبه وبكافة الطرق والوسائل . فقد قال وزير الخارجية السعودي في معرض حديثه خلال المؤتمر بأنّ (الحكومة العراقية هي مسؤولة عن تواجد داعش في العراق والمنطقة بسبب سياساتها الطائفية) .. ونسيَ أو تناسى بأنّ سبب مآسي العراق والأمتين العربية والإسلامية هي آل سعود والوهابية وما تطلقه يومياً ومنذ عشرات السنين من سموم من خلال الفتاوى والخطابات التحريضية ضد الطائفة الشيعية وباقي الطوائف الإسلامية الأخرى ، لا بل حتى باقي الديانات لم تسلم من نفث سموم الوهابية التكفيرية والدموية .. فالكل يعرف إنّ المسلمين ورغم خلافاتهم الكثيرة والمتشعبة ، إلّا أنهم عاشوا متحابين متآخين على مدى قرون من الزمان حتى مجيئ وابتداع (المذهب الوهابي السلفي) الذي جاء به محمد بن عبد الوهاب هذا المذهب الذي تتبناه وتدين به عائلة آل سعود منذ تسلطها على رقاب أبناء نجد والحجاز. والعالم كله بصغيرهِ وكبيرهِ يرى ويسمع ويطالع يومياً نعيق غربان آل سعود ممن يطلق عليهم زوراً وبهتاناً (الدعاة) وهم يطلقون مئات الخطب والفتاوى التحريضية والتكفيرية عن طريق الفضائيات والإذاعات والمطبوعات المتنوعة. وما تزال الجامعات والمدارس السعودية تفرض تدريس المذهب الوهابي التكفيري ضمن مناهجها ليكون هؤلاء الطلبة في المستقبل دعاةً إلى الفتنة والتكفير والقتل المجاني ، وهذا مما يخالف الشريعة السمحاء التي جحاء بها نبينا محمد (ص) . وكان الأوْلى بالمجتمع الدولي والدول المشاركة بمؤتمر مكافحة الإرهاب أن تطلب في بادئ الأمر من حكام السعودية أو إلغاء تدريس المذهب الوهابي التكفيري في جامعاتها ومدارسها ، إن أراد المجتمع الدولي إقتلاع الإرهاب من جذوره .
ومنذ عام 2003 وإلى اليوم استطاعت القوات الأمنية العراقية من اعتقال الكثير من الإرهابيين ، منهم السعوديين وغير السعوديين من الجنسيات العربية الأخرى . وقد ذكر هؤلاء الإرهابيون ضمن اعترافاتهم بأنهم إنما جاءوا (للجهاد في العراق) بناءً على فتاوى مشايخ الوهابية السعودية المنتشرة في البلدان العربية والإسلامية والتي تحفز الشباب المسلم للانخراط ضمن التنظيمات الإرهابية المتشددة بحجة الجهاد في سبيل الله عن طريق غسل أدمغة هؤلاء الشباب السذج بشتى الأكاذيب والتلفيقات التكفيرية ، ليأتوا بعد ذلك ويفجروا أنفسهم في الاسواق والأماكن العامة ليحصدوا أرواح عشرات الأبرياء من النساء والأطفال الذين لا ذنب لهم سوى أنهم ولدوا في هذا البلد المبتلى . ولكن المندوب السعودي تغاضى وأغمض عينيه عن هذه الحقائق التي يعرفها القاصي والداني .. إضافةً إلى تغاضيه عن الدور السعودي في احتلال العراق عام 2003 وما جرّه هذا الاحتلال من مشاكل ومآسي على الشعب العراقي لها أول وليس لها آخر، وآخر تلك المصائب والمآسي هي مشكلة (تنظيم داعش) الوليد غير الشرعي للوهابية السلفية السعودية !!! ثم ّهل نسيَ هذا المندوب أن طائرات وقوات الاحتلال كانت تعسكر في بلاده وبعض دول الخليج الأخرى (كالكويت وقطر) ، ومن هذه القواعد انطلقت قوات الاحتلال لضرب الشعب العراقي في عام 1991 وعام 2003 ، وتكللت هذه الاعتداءات بالاحتلال الذي جرّ على بلادنا المصيبة تلو الأخرى ..والأمر الأشد إيلاماً وقسوةً ، هو الصمت المطبق من قبل المندوب العراقي في هذا المؤتمر والمتمثل بوزير خارجيتنا الدكتور إبراهيم الجعفري الذي لم يعرِّج في كلمته على أكاذيب ومغالطات وتجاوزات المندوب السعودي ، وتَرَكَنا يعتصرنا الألم والحزن بسبب هذا التطاول على حكومة العراق ، ليس حباً بحكومة المالكي فحسب وإنما هي على أقلّ تقدير تمثل العراق والشعب العراقي الذي قام بإنتخابها في وقت سابق. ومرّت كلمات المندوب السعودي مرور الكرام على مسامع وزير خارجيتنا ولم يقم بالرد عليها أمام العالم أجمع الذي كان يتابع وقائع المؤتمر . نعم نحن لدينا ملاحظات كثيرة على أداء حكومة المالكي ، ونعرف إنّ سياساتها الخاطئة قد سببت الكثير من الأزمات والمشاكل ، بسبب ما رافق هذه الحكومة من فساد إداري ومالي ومحاباة ومجاملات على حساب حقوق المواطن العراقي . وقد تأثر بالسياسات الخاطئة لتلك الحكومة كل فئات الشعب العراقي من الشمال إلى الجنوب ، فهذه مدينة البصرة (الشيعية) تأنّ وتشتكي من ظلم الحكومة السابقة فلا خدمات ولا بنى تحتية وهي المدينة الأولى في العراق بإنتاج البترول ، وكذلك إقليم كردستان هو الآخر عانى كثيراً من سياسات تلك الحكومة . ولكن كل هذا لا يبرر للمندوب السعودي في أن يتمادى على العراق ويطلق تلك الإتهامات . فنحن العراقيون وبفضل ديمقراطيتنا الوليدة استطعنا من أن نغيِّر رأس الحكومة العراقية والمتمثل بشخص (نوري المالكي) ، هذا بالرغم من فوزه في الانتخابات الجديدة .. ونسيَ المندوب السعودي في أن يحدِّثنا عن ديمقراطية آل سعود (الفريدة من نوعها) !! فكل فئات الشعب السعودي تنعم بتلك الديمقراطية !! والمعتقلات والسجون فارغة من المعارضين السياسيين !! وليس هناك أي لاجئ سياسي سعودي في الخارج !! والقيام بالمسيرات والمظاهرات مباح لأي مواطن سعودي معارض !! والانتخابات السعودية تجري سنوياً وليس كل أربع سنوات مثل باقي ديمقراطيات العالم ، لأنها كما قلنا ديمقراطية فريدة من نوعها !! وآخر إنتاجات تلك الديمقراطية ، هي السماح للنساء السعوديات بقيادة السيارة بمفردهن دون (محرم) !! ونحن في القرن الواحد والعشرون ، والمرأة في العالم احتلت المناصب المهمة والرفيعة ، وليس أقلها رئاسة الجمهورية أو رئاسة الوزراء أو رئاسة البرلمان كما في الكثير من دول العالم !! أما في السعودية فإنّ المرأة قد حصلت على مكسب ومغنم كبير لم تحصل عليه أية امرأة في العالم !! تمثّلَ في السماح لها بقيادة السيارة بمفردها !! وقد حصل هذا الأمر بعد جهد وعناء طويلين إمتد لسنوات كثيرة ناضلت من أجلها المرأة السعودية في سبيل إنتزاع هذا الحق البسيط من هؤلاء الحكام المتخلفين !! فأيّ مهزلة هذه التي يعيشها الشعب السعودي في ظل هؤلاء الحكام الذين يعيشون في القرون الوسطى !! ومن ثمّ يأتي أحد هؤلاء الحكام لينتقد سياسة الحكومة العراقية والديمقراطية العراقية !!
أما بالنسبة لدبلوماسيتنا المتمثلة بوزارة الخارجية العراقية ، فالواجب يحتّم عليها من الآن فصاعداً أن تقف بقوة بوجه كل من يحاول النيْل من العراق وحكومته أو أن يقلل من شأنهما ، إن أردنا للعراق أن يعود إلى قيادة الصف العربي .. ورُبّ قائل يقول أنّ وزير خارجيتنا قد تعامل (بشفافية) وتغاضى عن هذا التطاول والتجاوز ، وإنه التزم بمبادئ حسن الجوار باعتبار أننا في مرحلة جديدة ونريد أن تكون لدينا علاقات جيدة مع محيطنا العربي ..! ولكن ذلك لا يبرر هذه التجاوزات والاتهامات والتدخل في شؤون بلدنا الداخلية بصفاقة ، والذي قابله الصمت المطبق من قبل وزير خارجيتنا !!
وإذا كانت السعودية وغيرها من دول محيطنا العربي والإسلامي إن أرادت أن تبني علاقات جديدة وجيدة مع العراق قائمة على مبادئ الاحترام وحسن الجوار ، فعليها أولاً أن تبادر هي بذلك ، وأن لا تتطاول وتتجاوز على دولة لها تاريخها وماضيها المشرق . فهل كان المندوب السعودي سيسكت لو قام المندوب العراقي بالتطاول على النظام السعودي وكشف فضائحه وممارساته تجاه الشعب السعودي أمام الرأي العام العالمي ؟؟ من المؤكد ستقوم الدنيا ولن تقعد ! وسيكون الرد قاسياً علينا ، وليس أقله هو أن يقوموا بسحب البعثة الدبلوماسية من العراق إن وجدت ، ناهيك عن قيامهم بحملات تشهيرية عن طريق فضائياتهم ومطبوعاتهم وصحفهم الكثيرة للنيل من العراق والحكومة العراقية ..
أما بلدنا العراق ، فقد أضحى الحلقة الأضعف على المستوى العربي ، وبإمكان أية دولة من أن تتجاوز وتتطاول علينا وعلى حكومتنا دونما رادع أو رد ، بسبب خنوع وخضوع وقلة خبرة قادتنا وساستنا !! فإلى متى سيستمر هذا الحال؟؟ ومتى سيستعيد العراق هيبته وشموخه وعزته وكرامته على المستوى العربي والإقليمي والدولي كما كان في السابق ؟؟
وقد قال الشاعر :
لا تيأسوا أن تستردوا مجدكم فلربّ مغلوبٌ هوى ثمّ ارتقى