الصراع الإيراني ــ الخليجي ــ الغربي
وسام الدين العكلة
شهدت الأشهر الأخيرة تطورات متسارعة طرأت على ملف ايران النووي عكست الاهتمام الجدي للدول الغربية لوضع حد لهذا الملف الشائك، كما عكست هذه التطورات ادراك الغرب بأنَّ العقوبات المفروضة على طهران من قبل مجلس الأمن الدولي لن تستطيع أن توقف المساعي الايرانية لامتلاك قدرات نووية متطورة بسبب عدم الالتزام بتطبيق هذه العقوبات من قبل العديد من الدول الصديقة لايران ، اضافة الى قدرة طهران على المناورة على هذه العقوبات وافراغها من محتواها . لذلك لجأ الغرب الى فرض عقوبات انفرادية خارج اطار مجلس الأمن تمثلت بفرض الولايات المتحدة عقوبات اقتصادية ومالية ومصرفية على العديد من المصارف والمؤسسات والشركات الايرانية التي لها علاقة ببرنامجي ايران النووي والباليستي، اضافة الى فرض حظر على استيراد النفط الايراني السلاح الأقوى الذي تمتلكه ايران. كما دأبت دول الاتحاد الأوربي وبعض الدول الأخرى أستراليا، اليابان، تركيا المسعى ذاته. ويبدو أن هذه العقوبات التي لم يمضِ عليها سوى بضعة أشهر أتت أكلها أكثر من تلك التي فرضها مجلس الأمن منذ عام 2006 حيث انعكست هذه العقوبات على صادرات النفط الايراني وانتاجه وضربت الاقتصاد الايراني في العمق. هذا على الصعيد الاقتصادي والمالي، أما على الصعيد السياسي فقد دفعت هذه العقوبات ايران الى القبول باستئناف المفاوضات مع المجموعة السداسية 5ــ1 حيث عقدت الجولة الأولى من المباحثات في اسطنبول الشهر الماضي ومن المقرر أن تعقد الجولة الثانية في بغداد في الثالث والعشرين من الشهر الجاري في ظل تكهنات تشير الى نية ايران تقديم تنازلات حول انتاجها من اليورانيوم المخصب مقابل البدء برفع العقوبات المفروضة عليها.
أما على الصعيد العسكري فقد كثفت الولايات المتحدة من اجراءاتها العسكرية لمحاصرة ايران وفرض المزيد من العزلة عليها مع التلويح دائماً باستخدام القوة العسكرية لوضع حد لبرنامجها النووي، وقد تمثلت هذه الاجراءات بنشر درع صاروخية متطورة في تركيا والعمل على نشر درع مماثلة في دول مجلس التعاون الخليجي لمحاصرة ايران ومنعها من استخدام ورقة اغلاق مضيق هرمز الاستراتيجي. اضافة الى الوعود التي قطعها الرئيس الأمريكي باراك أوباما لرئيس الوزراء الاسرائيلي بنيامين نتنياهو خلال زيارته الأخيرة لواشنطن في آذار»مارس الماضي بتزويد اسرائيل بالوسائل اللازمة لتنفيذ هجومها ضد المواقع النووية الايرانية على شكل طائرات تحمل صهاريج تزويد الوقود في الجو أو ما تعرف بطائرات الارضاع لاعادة التزود بالوقود جواً وقنابل حديثة خارقة للملاجئ والمواقع النووية الايرانية المحصنة تحت الأرض وذلك بعد الانتهاء من حملته الانتخابية في تشرين الثاني»نوفمبر المقبل.
والتطور الأهم الذي يعنينا هنا هو التداعيات التي ترتَّبت وما يمكن أن تترتَّب مستقبلاً على الزيارة المفاجئة وغير المسبوقة التي قام بها الرئيس الايراني محمود أحمدي نجاد لجزيرة أبو موسى في 11 نيسان»أبريل الماضي واعلان ايران عن نيتها تشكيل محافظة خليج فارس التي ستضم الى جانب جزر أبو موسى وطنب الكبرى وطنب الصغرى عدد من الجزر الايرانية في الخليج العربي بهدف الاستفادة من الموقع الاستراتيجي الهام لهذه الجزر، وقيام البحرية الايرانية بنشر منظومة صاروخية دفاعية وهجومية على الجزر الاماراتية الثلاث وهو الأمر الذي أثار حفيظة دول مجلس التعاون التي أعلنت بدورها عن القيام بأكبر مناورات عسكرية تنفذها قوات درع الجزيرة منذ تأسيسها عام 1982 اطلقت عليها اسم الوفاء للجزر في اشارة الى الجزر الثلاث أبوموسى ، طنب الصغرى، طنب الكبرى .
وهدفت هذه المناورات التي بدأت في التاسع والعشرين من نيسان»أبريل الماضي على الأراضي الاماراتية واستمرت يومين الى اختبار قدرة قوات درع الجزيرة على تنفيذ المهام الخاصة المحدودة والعمليات الكبرى في السواحل والجزر الواقعة بالمياه الاقليمية في ظل المعطيات الراهنة دون استخدام ذخيرة حية، واختبار مدى التنسيق بين صفوف القوات البرية والبحرية والجوية لتعزيز دور قوات درع الجزيرة، لتصبح نواة قوة للتدخل المسلح لحماية أعضاء دول مجلس التعاون الخليجي ضد أي اضطرابات أو تهديدات تحاول زعزعة استقرار وأمن أحد الأعضاء.
واللافت للنظر أنَّ هذه المناورات تمَّت بمشاركة قادة عسكريين أمريكيين ومستشارين بريطانيين يعملون في صفوف القوات الجوية والبحرية وفي أسلحة الدفاع الجوي الاماراتية، وأخذت بعين الاعتبار التعامل مع معظم أنواع الأسلحة التي تستخدمها القوات الايرانية في اشارة واضحة الى أنَّ هدف هذه المناورات هو الاستعداد لأية مواجهة قد تندلع مع هذه القوات مستقبلاً.
غير أنَّ التطور الأهم مشاركة مقاتلات الشبح المتقدمة أف ــ22 القاذفة للقنابل في هذه المناورات، حيث تمَّ استقدام عدد من هذه المقاتلات من السرب 302 المتمركز في قاعدة الميندورف ــ ريتشاردسون في ألاسكا للمرابطة في قاعدة الظفرة الجوية قرب أبوظبي في الامارات العربية. ومن المرجح أن تنضم هذه الطائرات الى طائرات أف ــ15 من الجناح 104 من حرس ماساتشوسيتس الجوي القومي المرابطة في قاعدة العديد الجوية في قطر. ومن المتوقع أن تُسند الى هذه الطائرات في حال شن هجمات عسكرية على المواقع النووية الايرانية مهمة تدمير سلاح الجو الايراني وبطاريات الدفاع الجوي لتمهيد الطريق لقاذفات قنابل أمريكية واسرائيلية لتقوم بعمليات ضد مواقع ايران النووية والبنية التحتية الاستراتيجية لجيشها وقوات الحرس الثوري الايراني.
وفي موازاة ذلك نشر موقع ديبكافايل الاسرائيلي يوم السبت 28»4»2012 تقريراً أشار فيه الى أنَّ البحرية الأمريكية، وسلاح الجو وقوات استخبارات ووحدات من القوات الخاصة متمركزة في الولايات المتحدة وأوربا والشرق الأوسط شاركت الأسبوع الماضي في تدريبات سرية خاصة بأمر من الرئيس باراك أوباما لمحاكاة ردود أفعال على ضربة أمريكية ــ اسرائيلية محتملة على منشآت ايران النووية، ولم يحدد التقرير مكان اجراء هذه التدريبات.
وأضاف التقرير أنَّه في نهاية التدريبات المذكورة، قدم وزير الدفاع الأمريكي ليون بانيتا ورئيس هيئة الأركان المشتركة الجنرال مارتن ديمبسي ثلاثة استنتاجات أولها أنَّ الرد الايراني على أي ضربة عسكرية سيكون محسوباً ويهدف الى الحد من الأضرار وصون الموارد العسكرية ، وثانيها أنَّ ايران ستعود للعمل على بناء سلاح نووي خلال وقت قصير، وثالثها توقع أن يغير تدمير العناصر الجوهرية لبرنامج ايران النووي موقفها في المفاوضات ويجعلها أكثر اذعاناًً للمطالب الدولية .
من جانبها انتقدت ايران نشر مثل هذه الطائرات في المنطقة ومشاركتها في المناورات التي نفذتها قوات درع الجزيرة معتبرةً أنَّ ذلك يعرّض أمن المنطقة للخطر . وقال رامين مهمنباراست المتحدث باسم وزارة الخارجية الايرانية لا نؤيد أبداً وجود قوات أجنبية في المنطقة، ولا ننصح بلدان المنطقة بأن تقدم دعما لوجودها . مشيراً الى أنَّه على البلدان الاقليمية الاستعانة بالتعاون الجماعي لتوفير امنها . كما أشار وزير الدفاع الايراني أحمد وحيدي الى أنَّ عمليات انتشار من هذا النوع هي مؤذية وغير مجدية في آن واحد، وهدفها نفسي بالدرجة الأولى وترمي الى بث شعور بعدم الأمان في المنطقة . كما وصف النائب كاظم جليلي المتحدث باسم لجنة الأمن الوطني والسياسة الخارجية في مجلس الشورى الايراني البرلمان قيام الولايات المتحدة بنشر طائرات مقاتلة في الامارات العربية بأنَّه
مؤامرة أمريكية ــ اسرائيلية ترمي الى زعزعة الاستقرار في المنطقة .
من جانبه أعلن قائد القوات البرية في القوات المسلحة الايرانية العميد أحمد رضا بوردستان عن الاستعداد لبدء مناورات مشتركة بين الجيش وقوات الحرس الثوري سيتم تنفيذها في مختلف مناطق البلاد لرفع قدرات وكفاءات الوحدات والقوات عبر اعداد الظروف والأجواء الخاصة بساحة القتال، مضيفا نحن ومن خلال هذا الاجراء نكون على استعداد لمواجهة المراحل الحرجة في أقصر مدة زمنية بما يتناسب مع حجم التهديدات ، مؤكدا أنَّ التعاون والتنسيق بيننا ليس بالأمر الجديد، هذه المناورات تعد نموذجا آخر من هذا التعاون المشترك ليتضح بشكل عملي للآخرين ، موضحاً أنَّ هناك احتمالات لاشتراك القوات الجوية في تلك المناورات التي من المقرر اجراؤها في النصف الثاني من العام الايراني الحالي.
والحقيقة أنَّ هذا الحشد غير المسبوق للقوات الجوية الأمريكية في القواعد العسكرية في الخليج مع اقتراب موعد المفاوضات النووية المقرر اجراؤها في بغداد في الثالث والعشرين من الشهر الجاري، اضافة الى الطائرات المتمركزة على سطحي حاملتي الطائرات أبراهام لينكولن و انتربرايز ، يظهر أن ادارة أوباما تسعى لممارسة مزيداً من الضغوط على ايران لتقديم تنازلات حقيقية في هذه المفاوضات. كما يأتي نشر طائرات الشبح F22 الأكثر تطوراً في سلاح الجو الأمريكي على خلفية تصاعد حدة التوتر بين الامارات وايران بعد زيارة الرئيس الايراني محمود أحمدي نجاد لجزيرة أبو موسى في 11 نيسان»أبريل الماضي ووقوف الولايات المتحدة الى جانب الامارات حيث اعتبرت واشنطن أنَّ هذه الزيارة ساهمت في تعقيد المشكلة، وأعربت عن دعمها لدعوة الامارات العربية الى حل النزاع بالطرق السلمية، وهو الموقف نفسه الذي تبنته كثير من دول العالم. كما يهدف نشر هذا النوع من الطائرات القادرة على الوصول الى الأجواء الايرانية خلال خمسة دقائق ــ انطلاقاً من قاعدة الظفرة الجوية ــ الى ارسال عدة رسائل الى طهران أهمها أنَّ التهديدات الأمريكية باللجوء الى الخيار العسكري لحسم ملفها النووي جدية ويتوجب عدم اغفالها من الجانب الايراني في حال استمرارها بمواقفها المتصلبة تجاه بعض المسائل العالقة بينها وبين الغرب وعلى رأسها قضية تخصيب اليورانيوم ودورة الوقود النووي، كما يهدف نشر هذه الطائرات في الامارات العربية الى تعويض النقص الحاصل بعد انسحاب القوات الأمريكية من العراق.
ونعتقد أنَّ العنجهية والفوقية التي يتعامل بها القادة الايرانيين مع دول الخليج والتهديدات المستمرة التي يطلقها المسؤولون الايرانيون ضد بعض الدول الخليجية بين الحين والآخر هو من دفع هذه الدول الى استشعار الخطر المحدق بها ودفعها الى تطوير قدراتها الدفاعية والهجومية الى جانب زيادة التنسيق والارتماء في حضن الولايات المتحدة باعتبارها الشرطي الحامي للمنطقة من النفوذ الايراني المتزايد فيها من وجهة النظر الخليجية، ويمكن الاشارة في هذا الصدد الى أنَّ الولايات المتحدة أعلنت في كانون الأول»ديسمبر 2011 عن بيع أسلحة تضم رادارات وبطاريات صواريخ دفاعية الى الامارات العربية المتحدة بـ 3،48 مليارات دولار اضافة الى صفقات لبيع أسلحة بعشرات المليارات من الدولارات لبقية دول مجلس التعاون الخليجي وعلى رأسها المملكة العربية السعودية.
وتجدر الاشارة الى أنَّ طائرة الشبح أف 22 من صنع شركة لوكهيد مارتن الأمريكية وتتمتع بقوة مناورة عالية ولا يتم اكتشافها من قبل الرادارات وتبلغ كلفتها أكثر من 365 مليون دولار وهي من المقاتلات الممنوع تصديرها الى أي دولة في العالم وتملك الولايات المتحدة نحو 160 طائرة من هذا الطراز. وقد تمَّ تصميم هذه المقاتلة في الثمانينيات من القرن العشرين لمواجهة القوات الجوية الروسية الا أنَّه بعد انهيار الاتحاد السوفييتي اتسع دور المقاتلة التكتيكية ليشمل قدرات متعددة المهام مثل توجيه ضربات دقيقة لبعض الأهداف الاستراتيجية الأرضية. وتعتبر الولايات المتحدة هذه المقاتلة عنصراً حاسماً لقوة الولايات المتحدة الجوية التكتيكية، وتدعي أنَّ الطائرة لا تضاهيها أي مقاتلة في العالم، في حين أنَّ شركة لوكهيد مارتن تقول انَّ مزج مكونات الشبحية والسرعة والقدرة على المناورة مع قدرات القتال جو؟ أرض وجو؟ جو تجعل من الطائرة الأفضل على الاطلاق في العالم اليوم.
/5/2012 Issue 4191 – Date 5 Azzaman International Newspape
جريدة الزمان الدولية العدد 4191 التاريخ 5»5»2012
AZP07