الشيخ الدكتور عمر السامرائي
إلتقى رؤساء دول إسلامية أعزته وأجلته
مجيد السامرائي
نال أعلى شهادتين عن الشيخ عبد القادر الكيلاني والاعلى منها عن الفيروآبادي
مبري مفوه لا يرقى إليه الا قلة من نظرائه
أستاذ الفكر والعقيدة في كلية الامام الاعظم الشيخ الدكتور عمر السامرائي
يتحدث هنا عن رؤى ومواعظ وعبر
ماذا تقول في مسألة الرؤى؟
– النبي الكريم (صلى الله عليه وسلم) يبين لنا أن النبوة قد انقطعت ولم يبقَ منها إلا المبشرات، قيل: وما هي يا رسول الله؟ قال: «الرؤية الصالحة يراها المؤمن أو تُرى له». فرؤى الأنبياء وحي، كما في قوله تعالى: فَلَمَّا بَلَغَ مَعَهُ السَّعْيَ قَالَ يَا بُنَيَّ إِنِّي أَرَى فِي الْمَنَامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ فَانظُرْ مَاذَا تَرَى قَالَ يَا أَبَتِ افْعَلْ مَا تُؤْمَرُ سَتَجِدُنِي إِن شَاءَ اللَّهُ مِنَ الصَّابِرين، وقوله على لسان يوسف عليه السلام: يَا أَبَتِ إِنِّي رَأَيْتُ أَحَدَ عَشَرَ كَوْكَبًا وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ رَأَيْتُهُمْ لِي سَاجِدِينَ. إذن رؤية الأنبياء حق، وهي من صور الوحي.
وفي الحديث الصحيح قال النبي صلى الله عليه وسلم: «من رآني في المنام فقد رآني حقاً، فإن الشيطان لا يتمثل بي». وفي رواية أخرى عند البخاري: «من رآني في المنام فسيراني في اليقظة». وقد اختلف العلماء في تفسير اليقظة: فمنهم من قال: إنها يوم القيامة، ولكن جمهورهم قالوا إنها في الدنيا؛ أما رؤية الله عز وجل فمخصوصة بالآخرة، كما قال تعالى: وجوه يومئذ ناضرة إلى ربها ناظرة)، فالنظر إلى وجه الحبيب الأعظم يوم القيامة نعيم لا يدانيه نعيم.
وهل سبق أن تمثلت لك رؤيا رأيت فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم؟
– نعم، رأيته صلى الله عليه وسلم في طفولتي، وكأن القيامة قد قامت والناس حشروا في صعيد واحد، كل واحد يحمل مفتاحه بيده، فرأيت النبي (عليه الصلاة والسلام) في ذلك الاستعراض يتفقد المفاتيح، فلما وصل إلي وجد انحرافاً في مفتاحي، فابتسم وعدّله بقطعة خشب فوق ظهر الكعبة ثم أعاده إليّ، وبعد ذلك العام مباشرة رزقني الله زيارة البيت الحرام مع والدي – أطال الله عمره – ووالدتي رحمها الله، وكنت حينها في الصف الثاني الابتدائي.
ولكن ما سر انقطاع الرؤى بعد أن كبرت وحججت البيت أكثر من مرة.
– المشاغل… مشاغل الحياة أثقلت كاهل الناس، الدنيا تغيرت وتبدّل كل شيء من حولنا، من لم يهتم بأمر المسلمين فليس منهم، وقد عمّت الفوضى حتى وجه الأرض تغيّر وأصبح قبيحاً منذ قتل قابيل أخاه هابيل، ومن هنا كان أول بيت قاله آدم عليه السلام شعراً يرثي به ولده.
ورد كثيراً الحديث الشريف: «من رآني في المنام فقد رآني حقاً، فإن الشيطان لا يتمثل بي». فهل من رؤية رُويت لك عن أحدٍ رأى الرسول صلى الله عليه وسلم عياناً؟
تجربة شخصية
– نعم، لكن يجب التنبيه: العلماء أجمعوا أن الشيطان قد يتمثل في صورة نور، بل حتى ادعى تمثّل رب العزة، لكنه لا يمكن أن يتمثل بسيد المخلوقين (صلى الله عليه وسلم) وقد روي أن عبد القادر الكيلاني رحمه الله، تجلى له نور وقال: «يا عبد القادر أبحت لك المحرمات»، فعرف أنه إبليس وقال له: اخسأ يا لعين، فانطفأ النورُ فإذا هو دخان، فقال له إبليس: «نجوتَ بعلمك». وهكذا يتضح أن الشيطان قد يموّه على الناس بغير صورة النبي، لكنه أبداً لا يستطيع التمثل به.
ذكرتَ قبل قليل مسألة الرؤى، فهل لك أن تحدثنا عن تجربتك الشخصية مع هذا الموضوع؟
-أنا طالب علم في مدرسة سامراء في سبعينيات القرن الماضي، وقد درسنا آنذاك على يد الشيخ أيوب الخطيب – عالم سامراء ومفتيها – رحمه الله. ولا أنسى أني سمعت منه قصة رواها عن شيخه أحمد الراوي، وعن محمد أمين المدرس آل الشيخ رجب الرفاعي، الذي يُعد من كبار مشايخ سامراء.
وما تفاصيل هذه القصة؟
– في أوائل ستينيات القرن الماضي زار رئيس ديوان الأوقاف في وقته – وكان يُدعى سامي باشا عالم العمري، وهو من الموصل المدرسة العلمية في سامراء، وجلس بين يدي الشيخ أحمد الراوي، قدّم نفسه قائلاً: «أنا سامي باشا عالم العمري، رئيس ديوان الأوقاف»، فرحّب به الشيخ الراوي ترحيباً حاراً، ثم سأله عن نسبه إلى عبد الله باشا عالم العمري، المعروف بلقب «باشا عالم» أي رئيس العلماء بالتركية، أجاب الرجل بأنه جده، فسأله الشيخ عدة أسئلة، فبان أنه لا يعرف جده حق المعرفة كما يعرفه هو.
عندها بدأ الشيخ أحمد الراوي يروي بسنده عن عبد الله باشا عالم العمري، فيقول: كان هذا الرجل في ليلة من الليالي قد رأى في المنام حضرة النبي (صلى الله عليه وسلم) طرق الباب فخرج عبد الله باشا، فإذا هو برسول الله (صلى الله عليه وسلم) بوجهه المشرق قبّل يده وقال: «تفضل يا رسول الله». فأجابه النبي: «لا، أنا جئت برسالتين».
– وما مضمون هاتين الرسالتين؟ الرسالة الأولى أن يبلغ أهل الموصل سلام رسول الله (صلى الله عليه وسلم)، ويقول لهم إنه راضٍ عنهم لكثرة صلاتهم عليه ليلة الجمعة، وخاصة النساء حين يكثرن من الصلاة عند سماع المؤذنين.
أما الرسالة الثانية فكانت لملا حسن البزاز، شاعر النبي ومدّاحه الكبير، فأمره النبي أن يطمئن، لأن جميع قصائده ومدائحه ورسائله قد وصلت إليه – صلى الله عليه وسلم. كان ملا حسن قد اعتاد أن يرسل مع الحجيج قصائده ومدائحه لتوضع عند الروضة الشريفة في المدينة، فلما سمع الخبر قال: «يا سيدي يا رسول الله، بعثتُ لك الكثير، فهل وصلتك رسائلي؟» فجاءه الجواب عن طريق عبد الله باشا: «نعم، كلها وصلت». ثم أعطاه النبي دليلاً، وهو آخر بيت كتبه ملا حسن في إحدى رسائله: «إليكَ وإلا لا تُشدّ الركائب * ومنك وإلا لا تنال المواهب
وعنكَ وإلا فالحديث زخارف * وفيك وإلا فالمحدّث كاذب.
وحبك يا خير النبيين مذهبي * وللناس فيما يعشقون مذاهب»
– وماذا كان أثر هذه الرؤيا في الموصل؟
– أعلن عبد الله باشا الطوارئ في المدينة، وأمر المؤذنين أن يكثروا من التمجيد والصلاة على النبي في وضح النهار، وزُيّنت الطرقات بالعطور والزهور، ودُعي العلماء جميعاً، وكان من بينهم ملا حسن البزاز نفسه. فلما بُلغ الرسالة النبوية وسمع الدليل، سقط على الأرض مغشياً عليه من شدة هول الموقف، وقيل إنه لم يلبث أياماً حتى توفي شاباً رحمه الله.
– ويبدو أن لهذه القصة أثرها الكبير في نفسك.
نعم، وقد ذكرتُها على منبر جامع الشيخ عبد القادر الكيلاني في بغداد عام 1994 حين كنت خطيباً هناك، ونقلتُها كما سمعتها عن الشيخ أيوب الخطيب، عن الشيخ أحمد الراوي، عن إبراهيم المدرس آل الشيخ رجب. وقد وصلتني يومها رسائل كثيرة من أهل الموصل شاكرين، لما وجدوا في القصة من صدق وعبرة. ومنذ ذلك الوقت ولعتُ بذكر ملا حسن البزاز، فلا تكاد تخلو خطبة أو كلمة لي من الإشارة إليه. ثم اكتشفت لاحقاً أن كثيراً من المدائح المتداولة في الطرق الصوفية في سامراء، والدور، وتكريت، والأنبار، والفلوجة، وبغداد – ومنهم وليد الفلوجي الحافظ – إنما أصلها من أشعار هذا الرجل إنه بحق كنز مدفون يجب أن يُظهر للناس.
-وهل واصلت الاهتمام بذكره في خطبك الأخرى؟
نعم، فقد بقيت خطيباً ثلاثة عشر عاماً في جامع الداوودي الكبير ببغداد، وكان يحضر الصلاة هناك أعلام كبار، مثل عبد الكريم زيدان- رحمه الله، ومحمود شيت خطاب، والرئيس الأسبق عبد الرحمن محمد عارف، ومن بينهم أيضاً الدكتور وجيه زين العابدين، الكاتب الإسلامي المعروف. وكنت أذكر في خطبي أمثال هذه المواقف، ومنها قصة ملا حسن البزاز، لما فيها من دروس في محبة الرسول (صلى الله عليه وسلم) وصدق التعلق به.
-ذكرتَ أنك قلت بيتاً من الشعر ووصفتَه بأنه يكتب بماء العيون لا بماء الذهب، أي بيت تقصد؟
هو بيت قديم يقول:
«نِعَمُ الإلهِ على العبادِ كثيرةٌ * وأجَلُّها نَجَابةُ الأولادِ»
-وماذا كان الموقف الذي رافق قولك هذا البيت؟
بعدما انتهيت من الخطبة وجلست في غرفة الإمام، جاءني الدكتور وجيه زين العابدين – رحمه الله – وقال لي: «يا ملّا عمر، أنت تقول هذا البيت يكتب بماء العيون، ونحن أهل الموصل قد رددنا على هذا القول». فسألته: من قال ذلك؟ فقال: «ملّا حسن البزّاز». قلت له: وماذا قال؟ فأجاب: لقد ردّ قائلاً:
«نِعَمُ الإلهِ على العبادِ كثيرةٌ * وأجلُّها عند اتباعِ الهادي
لا مثلَ ما قال الذي قد قال لا * وأجلُّهنَّ نَجَابةُ الأولادِ»
فبدأ يحدثني عن ملّا حسن البزاز قبل أن أتعرف إلى الشيخ هشام عبد السلام نوري. وأخبرني أن ملّا حسن كان عالماً كبيراً، وله كتابات كثيرة على أبواب المساجد في الموصل، وإن كان فيها بعض الملاحظات على العقيدة.
-هل لك أن تذكر أمثلة مما نُسب إليه من كتابات؟
نعم، من ذلك ما كان مكتوباً على أضرحة الأنبياء جرجيس ودانيال وشيث وغيرهم. على سبيل المثال، عند حضرة سيدنا جرجيس كان مكتوب:
«ظهرَتْ حضرةٌ ملئتْ نوراً وتقديسا * وقصد نبيِّ الهدى ذا المجدِ جرجيسا
ما جاءهُ أحدٌ يشكو ملمّتَهُ * إلا ونفّسَ عنه الكربَ تنفيسا»
كما نُسبت إليه أبيات كُتبت على القبور في الموصل، منها:
«أنا في قبري وحيدٌ قد تخلّى الأهلُ عني * أسلموني بذنوبي خبتُ إن لم يعفُ عني
حاسبوني فدقّقوا ثم منّوا فأعتقوا * هكذا شيمةُ الملوكِ بالممالكِ تُرفِقوا»
وأيضاً:
«أصبحتُ ضيفَ الله في دارِ الرضا * وعلى الكريمِ كرامةُ الضيفانِ»
كثير من أبيات التوسل والمدائح في الموصل كانت تعود في أصلها إلى ملّا حسن البزاز.
-وكيف كان أثر شعره في بيئتكم الدينية؟
كان له أثر كبير، حتى أن المرحوم عبد الكريم بيارة – وهو أحد المدرسين – قال عني: «الشيخ عمر يحفظ من الشعر أكثر مما يحفظ من القرآن». وكان شيخي عبد الكريم يحثني دوماً على حفظ القرآن فكنت أوازن بين الأمرين، وأرى أن الشعر حكمة، والنبي صلى الله عليه وسلم – وإن لم يكن يقول الشعر – إلا أنه كان يحب أن يسمعه من غيره.
-هل تأثرت بهذا حتى في وجدانك الشخصي؟
نعم، أحياناً كان البيت يهجم عليّ دفعة واحدة حتى أبكي، كما في البيت الذي ذكره الإمام الحلبي عند حديثه عن هجرة النبي -صلى الله عليه وسلم- مع أبي بكر رضي الله عنه:
«وردَ الكتابُ من الحبيبِ بأنّه * سيزورني فاستعبرتْ أجفاني
هجم السرورُ عليَّ حتى أنّه * من فرطِ ما قد سرّني أبكاني
يا عينُ قد صارَ البكاءُ لكِ عادةً * تبكينَ في فرحٍ وفي أحزاني»
وقد روى الحلبي أن أم المؤمنين عائشة قالت: إنها رأت أباها أبا بكر- رضي الله عنه – يبكي يوم الهجرة من شدة الفرح حين أخبره النبي أنه سيكون صاحبه في الرحلة.
– وهل تعتبر الشعر عندك موهبة فطرية أم اكتسابية؟
أراه موهبة من الله، وهبة إلهية، والإنسان عليه أن يشكر نعمة الله ويحافظ عليها، وإلا تعرّض لزوالها.
– وأنت في طريقك إليّ اليوم، هل كنت تردد بيتاً من الشعر؟
لا والله، بل كنت أدعو «دعاء الكرب».
– ولماذا دعاء الكرب تحديداً؟
لأنه دعاء عظيم كان الإمام الشافعي يتمتم به حين استدعاه الخليفة هارون الرشيد، وكان غاضباً عليه. فلما دخل الشافعي، انقلب الغضب ترحيباً، وأكرمه الخليفة. فسأله الوزير: «ما الذي حدث؟» فأجابه: ببركة دعاء الكرب.
وقد رواه الشافعي عن مالك، عن نافع، عن ابن عمر رضي الله عنهما، أن النبي صلى الله عليه وسلم دعا به يوم الأحزاب حين تكالبت قريش والمنافقون واليهود على المدينة. ومما جاء فيه:
«اللهم إني أعوذ بنور قدسك، وبركة طهارتك، وعظم جلالك، من كل طارق إلا طارق يطرق بخير. اللهم أنت غياثنا فبك نغوث، وأنت عياذنا فبك نعوذ، وأنت ملاذنا فبك نلوذ…»
فلما دعا به النبي صلى الله عليه وسلم، أرسل الله الريح فقلبت قدور المشركين، وقطعت حبالهم، وشتّت شملهم.
– ذكرتَ الدعاء، وهذا يذكرنا بدعاء السفر الذي كان مسنوناً، لماذا أُلغي؟
لا أدري، لكنه دعاء عظيم فيه عبر، ومن السنة أن يقول المسافر: «اللهم أنت الصاحب في السفر والخليفة في الأهل والمال…» وهو من جوامع الأدعية التي يحتاجها المسلم في حله وترحاله.
– يقال إن السفر قطعة من العذاب، ما رأيك؟
نعم صحيح حتى سُمّي السفر سفراً؛ لأنه يُسفر عن أخلاق الرجال. والإنسان في سفر يكون في شدة، لذلك قال النبي صلى الله عليه وسلم: «موت الغريب شهادة»، فهو بين أهله حتى يعود.
-حدثنا عن أبرز سفركم؟
كانت لي عدة سفرات:
عام 1968 وأنا صغير ذهبت للحج أول مرة.
عام 1978 ذهبت أيضاً مع والدي رحمه الله.
عام 1988 كنت مرشداً لقوافل الأعظمية.
عام 1989 أوفدتني وزارة الأوقاف والشؤون الدينية ضمن برنامج «رسالة العلماء والقراء» إلى دول جنوب شرق آسيا وإفريقيا، فذهبت إلى سريلانكا وجزر المالديف.
وفي 1990 جاءتني دعوة جديدة من المالديف، وهناك فوجئت في المطار بالشيخ هشام عبد السلام نوري البزاز، مقرئ الموصل المبارك. فكانت سفرة معه ببركة من الله.
-وماذا تذكر عن هذه السفرة مع الشيخ هشام؟
كنا في ضيافة رئيس الدولة آنذاك الحاج مأمون عبد القيوم، رجل أزهري عالم، صار رئيساً بالانتخاب. كنت ألقي الخطب وهو يتلو القرآن بحضرة الرئيس. ومنذ ذلك العام توطدت علاقتي بالشيخ هشام عبد السلام ولم تنقطع إلى اليوم.
– وأنت على المنبر، ماذا تشعر؟
أهم شيء الصدق. ما خرج من القلب يدخل إلى القلوب بلا استئذان، أما ما يخرج من اللسان فلا يتجاوز الآذان. قال الإمام الآلوسي: «مواعظ الواعظ لن تُقبل حتى تعيها نفسه أولاً». وأسوأ حال أن يظهر الواعظ للناس إحساناً ويخالف قوله عند الله.
نراك تذكر الشيخ عبد القادر الكيلاني كثيراً.
نعم، رسالتي للماجستير كانت عن منهجه في التربية والسلوك حتى أن لقب «الباز الأشهب» هو لقبه، وقد قال عن نفسه في قصيدة:
«ما في المواهب منهلٌ مستعذبٌ إلا ولي فيه الأذذ الأطيب
أنا بلبلُ الأفراح أملأ دوحها طرباً وفي العلياء بازٌ أشهب»
– ومن العلماء الذين تأثرت بهم أيضاً؟
الإمام الفيروزآبادي، صاحب القاموس المحيط، وشرحه الإمام الزبيدي في تاج العروس. وله كتاب نفيس اسمه: بصائر ذوي التمييز في لطائف الكتاب العزيز. تناولت فيه الجانب الصوفي، مثلاً عند تفسير كلمة وقى يربطها بالتقوى والخوف، ويذكر أقوال أهل العلم في ذلك.
-وماذا عن دقة الألفاظ في العربية؟
العلماء بيّنوا فروقاً دقيقة: فـ جلس غير قعد. إذا كان قائماً ثم جلس فهو قعود، وإذا كان نائماً ثم جلس من نومه فهذا جلوس. اللغة العربية بحر واسع.
-لكن هناك كلمات يُحذّر منها العلماء؟
نعم، منها ثلاث: «أنا»، «لي»، «عندي». إبليس قال: أنا خير منه. فرعون قال: أليس لي ملك مصر. قارون قال: إنما أوتيته على علم عندي. فليتجنب المرء هذه الكلمات تكبراً.
– وماذا عن المتنبي الذي أكثر من قول «أنا»؟
المتنبي شاعر عظيم، لكن نُسب إليه ادعاء النبوة، وقد أنكر الناس ذلك. الإمام الشوكاني قال: «كل الشعراء يمشون إلا المتنبي فإنه يطير». ومن نكد الدنيا عنده أن يرى أعداءً له لا يستطيع قطع مودتهم. كل كلمة قالها المتنبي موهبة من الباري.
-نأتي للبلاغة، ما أبرز ما يعجبك فيها؟
الجناس والطباق والتورية. مثلاً الحافظ إبراهيم جالساً مع شوقي قال له:
«يقولون إن الشوق نار ولوعة * فما بال شوقي اليوم أصبح بارداً»+