الشعارات على الجدران

الشعارات على الجدران

الإبحار نحو فضاء الإغتراب

تعد ظاهرة الكتابة على الجدران أو ما تعرف بالجداريات، ظاهرة وجودية أرتبطت بمناحي الخوف والقلق والاغتراب، وتنامت جراء الحروب والصراعات، فهي لم تقل أهمية عن الفنون الأخرى التي عرفها أدبنا العربي، فلكل فن يولد من رحم عصره، له اهميته ودوافعه. إذ نبعت اهمية فن الكتابة على الجدران من رحم المجتمع، ويمكن تسميته بالفن المجتمعي، إذ أتسم بتجسيد الحياة اليومية والتعبير عن المضامين الاجتماعية والفكرية، فهذه الظاهرة لم تكن وليدة اليوم، ولها جذور ممتدة عبر العصور، حيث كانت عبارة عن كتابات تكرس الإرشادات والوصايا والتعليمات، وغالبا ما ترتبط بهاجس النظافة، لكن بتقدم الزمن، انتشرت بشكل ملفت للنظر فأصبحت ظاهرة الغاية منها إيصال الصوت المغيب والمهمش، فيعتقد أصحابها إنها رسالة افكار ومشاعر وبثها عبر تلك الجداران، لها أبعادها ودلالاتها قد تحمل مفهوم (الوطن، الحب، السخرية، الاغتراب، الحرية، الحلم، التهديد) وغيرها من هذه الموضوعات، وتكتب هذه الجداريات غالبا ما بتناص من أقوال الشعراء، والروايات العربية والعالمية، والشعر الشعبي، تنضوي على رؤية جوهرية تتعدد فيها الدوافع والأسباب من أهمها:

{ بث الصوت الفردي وعكس تجربته الذاتية التي عجز عن إيصالها، فأتخذ من الجدار ملاذا لبث همومه ولوعته.

{ عاش الفرد انكسارات شتى انغمست فيها الروح، عن الحياة وعاشت أنواع الغربة والاغتراب، فانطلقت الذات إلى التحايل من الخوف والقلق الملازم لها، إلى تلك الكتابات.

{ أن تلك المعلقات الجدارية أو الكتابة الجدارية توحي بدلالاتها على البقاء والخلود، والتمرد على الواقع ورفض تلك العوالم التي تسلب إرادة الإنسان الحقيقة وتطمس صوته وهويته.

ومن تلك الجداريات التي نرصد ملامحها وتشكلاتها وفضاءها الصوري:

هذه الكتابات تعطي دلالات عميقة بهاجس الاغتراب، توضح صراع الكاتب مع نفسه بسبب الغربة التي عاشها، فهي عبارة عن صرخات الروح بعد صمت وعجز، ما عادت الروح تطيقه، فباحت للجدران بأعمق مكنوناتها، فهي خلوة النفس التي تنتظر بزوغ الفجر وشمس الحرية، التي طال انتظارها، حيث الانتقالات من صورة حسية إلى صورة واقعية بحجم المأسي التي يعيشها كل يوم.

وهكذا خلقت الكتابات الجدارية نوعاً من الاغتراب الذاتي، وأبرزت قدرة هذه الكتابات على الغوص في التقاط النصوص التي تعكس اثرها في نفوس الآخرين، مُحْدِثَةً تأثيرها الفاعل والقوي، في جدلية التشظي والالتئام، وسط تشتت الذات والحيرة والقلق الوجودي المصاحب لها، إذ ساهمت عوامل عدَّة بدءاً من المجتمع، وانتهاء بالصوت الرّاَفض للواقع المزري، فكانت الكتابات انفعالية صارخة، حققت الوظيفة العفوية الجمالية التي طالما حركت مشاعر القارئ المتحمس لقضايا وطنه اولاً والدافع الذاتي ثانياً.

ويبقى السؤال مفتوحاً عن مدى قدرة هذه الكتابات على التغيير والتطور الانطولوجي، وهل ستصبح نوعاً أدبياً في ظل التطور الزمني لتلك الأجناس والأنواع الادبية بمؤثرات ما بعد الحداثة؟ أم إنها ستتلاشى بعد رفض أغلب النقاد والأدباء لهذه الظاهرة التي عدها البعض نوعاً من أنواع الخراب الحضاري والعمراني، بما تتركه الجداريات من تشوهات جدارية ولا سيما اتصف البعض منها بضعف الرسم الاملائي، فيما اعتبره آخرون ظاهرة تنبع من رحم المجتمع قامت على انقاض الحروب والثورات العربية، باحثة عن التغير وإيصال الأصوات التي كتمت، وتبقى الموضوعات تتوالد التي طالما كانت المحرك والدافع للمشاعر والاحاسيس، لتحقيق صفة المتعة والتأثير في المتلقي.

إبراهيم خزعل خليفة العبيدي – بغداد

مشاركة