الشاعر والناقد علي شبيب ورد: الهامش لا يعني المتدني والمتخلف والبدائي

الشاعر والناقد علي شبيب ورد: الهامش لا يعني المتدني والمتخلف والبدائي

حوار : حيدر قاسم الحجامي

في مشغله الفردي لا يزال (الشاعر والناقد علي شبيب ورد) يمارس وظيفتين في آن واحد، الأولى تتعلق بالأرشفة والتدوين للمنجز الأدبي العراقي في جنوب العراق، والثانية هي إعمال رؤيته النقدية تجاه هذه النصوص التي تقع بين يديه، أو غيرها، أّذن هو المدون الناقد، أو الناقد المدون، واذا كان النقد يتعلق برؤية لا نهائية لنص ما، ومن ثم إعمال آليات التأويل والتفكيك والاحالة وغيرها، فأن المدون يبتعد عن تلك المسافة، كونه يبحث عن نصوص نهائية لجمعها في أرشيفه، وهنا يبدو التناقض بين المهمتين جلياً، الأ ان ورد لا يزال يمارسهما دون يأمل أحدهما من جرف الأخر، بل يصنع منهما حلقة بلونين، تلتقيان في خطوط تماس يقترحها هو .

عبر هذا الحوار نثير معه اشكاليات تقترب من الشعر والسياسة والفكر والتراث والدين لاكتشاف رؤيته لكل تلك المكونات التي تتصل ببعضها ظاهراً او باطنا ً..

{ تقول في مقابلة صحفية معك، انك وجدت أن قصيدة النثر هي الأجدر بالامتثال لتطلعاتك الفلسفية حول الشعر. أولا.. هل أنت مؤمن فعلاً بظاهرة النثر الذي يقسر قسراً، ليتحول إلى سيد للساحة الشعرية؟ وثانياً.. هل من مهام القصيدة التعبير عن علوم جادة، فيما القصيدة نتاج عاطفي؟

– من المؤكد أن القصيدة الجيدة ذات الصور المدهشة والنسق الاتصالي الموارب– على اختلاف أشكالها – هي الأكثر اهتماما وتقديرا من لدن الذائقة التي تتوفر على كفاءة اتصالية عالية. وهذه القصيدة، لا تنتجها إلاّ مخيلة جادة، سواءً كتبتها وفق نسق موزون أم سواه، لأن الذائقة النشيطة بمقدورها تمييز الجودة، في شعر التفعيلة والنثر على حدٍ سواء. ولك أن تعلم أن شعر النثر يتوفر على طاقات هائلة أكثر من شعر التفعيلة، تمكنه من تخصيب الفعل الاتصالي، بمنظومات بث قادرة على كسب ود المتلقي الحاذق. على الرغم من تمتع شعر التفعيلة بميزة موسيقى النظم، التي تغري الذائقة على الاستمتاع مع أنغام القصيدة. وذلك لأن الذائقة عموما ورثت جَبُلَّة إصغاء صوتية على مر الزمن، بفعل الموجهات المركزية الشمولية للذاكرة الجمعية. وشعراء النثر لا يمتلكون سلطة ما، لفرض مشروعهم الكتابي على الساحة الشعرية، كونهم لا يخدمون السلطات الحاكمة، لأن شعرهم يقوم على مبدأ التمرد على المألوف ونبذ العبودية. صحيح أن النثر متوفر،  ويمكن صياغته في جمل ومقاطع، غير أنه يحتاج إلى سبك جمالي أخّاذ ومدهش لأنه بلا موسيقى. وأنا مؤمن بأن القصيدة الجيدة هي التي تفرض نفسها الآن ومستقبلا بغض النظر عن كونها تفعيلة أم نثر، وربما أميل إلى مستقبل أفضل للنثر. وقد أشار إلى هذا الأمر (الناقد عبد القاهر الجرجاني) في كتابه (دلائل الإعجاز) بقوله: (أن الشعر يمكن أن يوجد بدون أوزان، أي أن الشعرية الحقة لا تتوقف عند الوزن، بل هي التخييل المعبر عن أحاسيس متقدة، ورؤيا نافذة، شديدة العمق، ويكون التعبير الجميل مطيتها. فمن خصائص الشعر: التخييل، الأحاسيس، جماليات الكلمة والتركيب، الرؤية الشفافة.) هذا من جانب، من جانب آخر، من قال لك أن القصيدة نتاج عاطفي فقط؟! لا هي ليست كذلك، كونها نتاج مخيلة يتخادم فيها ما هو عاطفي وما هو عقلي. وبعد فالقصيدة الآن تطورت بما يتناسب والتحولات الاجتماعية والعلمية والتقنية، وخاصة قصيدة النثر فقد ابتعدت كثيرا عن توصيفات (سوزان بيرنار) لها. وهي بعد أن دخلت مضمار (النص المفتوح) تطورت إلى تجارب أخرى، ومنها: (السيرة) و(اللعبة) و(المخطوطة) و(الريبورتاج) و(الباطن) وسواها من التجارب التي ذكرها الشاعر (خزعل الماجدي) في كتابه(العقل الشعري) وسواها من التجارب المحتملة. المشكلة ليست في إمكانيات النثر على إنتاج قصيدة، بل في أوهام الذائقة وطبائعها المتوارثة في اعتبار الشعر الموزون أكثر جدارة من شعر النثر. أما فيما يتعلق بجودة الشعر من عدمه، فهذا إشكال موجود في كلا النمطين، شعر التفعيلة، حيث طغيان شعراء النظم، وكذلك في قصيدة النثر، حيث طغيان الاستسهال أو الغموض المفتعل.

{ محنة النقد العربي، انه بلا هوية واضحة، كل مناهجه النقدية مستوردة عن ثقافات خارجية، ترى هل يمكن تحديد هوية نقدية عربية واضحة؟

– هي ليست محنة النقد العربي فقط، بل محنة الفكر العربي عموما، حيث هيمنة الثوابت والمصدات، التي تمنع التأمل والتمعُّن وحسن قراءة الظواهر المحيطة بالإنسان. فلم يشهد المجتمع العربي سوى جبروت الفكر الشمولي المتوارث، والطارد لكل محاولات منافسته على توجيه عقول العامة وفق مراميه. المنظومة الفكرية للقبيلة العربية منذ القدم، لا تسمح لأفرادها بالخروج عن فروض الطاعة والولاء لمركز السلطة(شيخ القبيلة). وعلى الفرد الانصياع أبدا إلى تعاليمه المستمدة من سنن متوارثة دينية ودنيوية، وكثير من المهن والأعمال معيبة ومستنكرة من قبل أغلب القبائل العربية.  وكذلك ابتعد العربي عن الخوض في حقول العلوم التطبيقية والفلسفة، وبينما ذهب غير العربي الابتكارات العقلية والتطبيقية، ظل العربي أسير الثوابت وتقليد السلف. ولا يمكن لنا أن نلمس في الموروث العربي سوى هيمنة الشعر، الذي ينبري لخدمة تقاليد القبيلة، وخاصة لتهويل النعرات وتمجيد بطولات أولي الأمر. ونتيجة لهيمنة عراقيل التفكير المتوارثة في المجتمع العربي، بتنا دوما، نستقبل مكرهين، كل تحولات الفكر العالمي ومنجزاته العلمية والفلسفية، ومنها المناهج النقدية. بينما نسعى جاهدين لقمع أية محاولة للاجتهاد بشتى تنويعاته، وخاصة خروقات ومشاكسات الصوفيين والمعتزلة والصعاليك وسواهم. من هنا نجد أن كل الفنون الأدبية ومناهجها النقدية وفدت إلينا من منابع غربية، وليس من السهولة أبدا، تحديد هوية نقدية عربية واضحة. ولكن يمكن لنا التعامل مع ما يجري من تحولات في المنجز العالمي، وفق منطلقات متجردة من أيديولوجيا الخوف من الآخر، وطرد نظرية المؤامرة من تفكير أصحاب القرار ومؤسساتهم الثقافية. وهنا أتساءل.. أين الخلل في الإفادة من المناهج الوافدة؟! وما الذي صنعناه أو اكتشفناه نحن العرب حتى نطالب بهوية نقدية عربية؟! النقد ومناهجه يا صديقي يتطور في الغرب ونحن نراوح في مكاننا مع الثوابت الراسخة والوصايا المرعبة والمحذرة والمتوعدة لكل محاولة فحص وتنقيب. نحن ومنذ أزمنة ندعو إلى هوية عربية دون فائدة، كيف يمكن لنا أن نؤسس لنظرية نقدية من دون حرية؟ وسنظل هكذا على الدوام، ما لم نعترف بالأسباب الجوهرية لهذه المحنة.

{ كناقد، هل ترى أن النقد الأدبي لا زال محصوراً بفحص النص الأدبي وتفكيكه من حيث المنهج والأسلوب؟ أم انك تؤمن بضرورة تحول النقد الأدبي إلى ثقافي، يفحص كل أعماق وانساق النص ومحيطه الخارجي المشكل له أم المتشكل منه، كما يشير الغذامي في كتابه الشهير؟

– أرى أن النقد الأدبي كفعل إبداعي معرفي، كان ومازال ويبقى إجراءً رؤيويا يقوم على قراءة النص، غير أن الاختلاف يكمن في نتائجه المتمثلة بنصوص ما بعد القراءة. وهذه النتائج تحددها أهداف وأساليب المناهج النقدية التي تعددت وتشعبت منطلقاتها واستنتاجاتها على امتداد خارطة الذاكرة الأدبية. ومن أمثلتها: الاجتماعي والنفسي والذاتي والموضوعي والفني أو الجمالي والتاريخي واللساني والبنيوي والتفكيكي والسيميائي وأخيرا الثقافي. وسواها من المناهج التي كشفت عن اختلاف زاوية التناول ومنطقة الاشتغال ومستويات التطلع، وما هي(أي المناهج) سوى انعكاس للتحولات الفلسفية والفكرية في هذا العالم المتسارع في تعاقب مجرياته وتنوع تداعياتها على الدوام. وسيبقى النقد محصورا في وظيفته الإجرائية الخادمة للنص، وهي قراءته أو فحصه، ولكن ستتطور وتتباين وتتجدد نصوص ما بعد القراءة، أي نصوص التأويل. وتوخيا لحسن قراءة مفهوم النقد، لا يمكن لي الانحياز لمنهج نقدي محدد، بل أنظر لكل المناهج كعيون ينابيع تنضح  ماءً زلالا يمنح حياتنا دفقا وحيوية وخصوبة أبدية. من هنا جاء كتابي(كولاج تأويل) يحمل مشروعا نقديا لا يستسلم لمنهج محدد، بل يخفى بقصد وفطنة مراجعه المنهجية المتعددة. ولكن هذا لا يعني مواجهة النص من دون ثقافة نقدية نظرية وميدانية، بل يتطلب التعرف على كل المناهج والإفادة منها خدمة لمنطلقاته الرؤيوية.

{  بناءً على ما تقدم.. ترى هل يمكن أن نوسع رؤية النقد إلى خارج النص المدون، بحيث يمتد إلى فحص كل العناصر الخارجية التي تشكل اتساعاً مهماً في عالم الثقافة، كقراءة الظواهر الاجتماعية وصولاً إلى أكثرها اعتياداً لكنها تشكل هوية دافعة وضاغطة على النص الإبداعي؟

– لا يحق لي ولا لأي أحد – مهما كان خبيرا- أن يفرض منهجا ما، ويدعي بصحته وتفرده ووحدانيته في الوصول إلى الحقيقة، فلا وجود لحقيقة نهائية في هذا الكون. فالإجراء النقدي – وفق أي منهج كان – هو إجراء واحد فقط، من عدة إجراءات ممكنة ومحتملة في أي زمان ومكان، للناقد الواحد أو لعدة نقاد محتملين.      وهذا ما أكده (امبرتو إيكو) في كتابه (التأويل بين السيميائية والتفكيكية) حيث يقول: (هناك نظريات حديثة تقول بأن القراءة الوحيدة الجدية للنصوص هي قراءة خاطئة، والوجود الوحيد للنصوص يكمن في سلسلة الأجوبة التي يثيرها.) من هنا يحق للفاحص أن يتناول النص وفق أي منطلق يراه، شريطة أن لا يغالي أو يفرط في الغور بعيدا في مسلكه المنتقى، ويوقع النص النقدي في ترهل لا يخدم النص المفحوص. ربما يظن البعض، وخاصة الذين يطبقون المنهج بصرامة، إنني أدعو إلى إجراء نقدي غير مدرك لأهمية الإفادة من معين المناهج النقدية. غير إنني أجد أنه لا حدود تقف أمام حرية الناقد في اختيار أدواته النقدية، شريطة أن تنبثق من أهم الظواهر المتوفرة في النص. والتي من خلالها يمكن للناقد أن يتحرك للتنقيب في كنوز النص أفقيا وعموديا، دون أن يتناسى تنويعات وتباينات السياقات المنهجية.

{ إشكالية التراث والمعاصرة في الفكر العربي، بعد كل ما يجري وما يعده البعض نتاجاً لتراث مختلف بشأنه وبتفسيره، وكل التيارات الظلامية اليوم تنهل منه. ترى كيف يمكن التعامل مع هذا التراث الخطير، هل آن الأوان لأحداث قطيعة معه بعد أن فشلت محاولات نقده التي استمرت طويلاً على ما يبدو؟

– التراث موجود في جميع دول العالم، وينطوي هذا التراث عادة على نصوص متنوعة في درجة علاقتها مع الذاكرة الجمعية، التي توارثتها عبر الأزمنة. وبعض هذه النصوص تحتل أهمية مركزية لدى هذه الذاكرة، وخاصة التي أخذت درجة القداسة وبمستويات متفاوتة. وأهمها النصوص الدينية التي تستبطن جملة تعاليم ووصايا لعبت وتؤدي دورا جوهريا في توجيه المنظومة الفكرية للذاكرة، التي تستخدمها السلطة للهيمنة على الشعوب.

 إن لعبة الجمع بين المؤسستين الدينية والدنيوية كانت ومازالت سببا رئيسيا في إخضاع الشعوب وتحويلها إلى حشود خاشعة لدكتاتورية المركز ذات البنية الهرمية. دهور وأزمنة من السلطات الشمولية التي تركع شعوبها عبر الإفادة من تأويل النصوص الدينية لمصالحها، على أساس أنها ممثلة للإله في الأرض.

وقد ساهمت هذه الحكومات الجائرة وعلى مر الزمن في توطين موجهات راسخة تمنع الإنسان من محاولة التفكير للوصول إلى قراءة مجدية للنصوص الدينية. فظلت السلطات الجائرة تتوارث الحكم، ضمن مناخ (سياسي/ ديني) يؤسس وينشر (ثقافة القطيع) المجدية والمشرعِنة لسلطات (أولي الأمر) بشتى ألوانهم ومراتبهم الاجتماعية. فليس غريبا أن تتواصل فتاوى قتل الآخر باسم الرب والوصايا الدينية، وخاصة في أغلب مجتمعات الشرق التي مازالت تتحكم فيها الخرافات والبدع الروحانية. لقد آن الأوان لإعادة قراءته وليس مقاطعته، ولكن بعين فاحصة متبصرة تلج حقول الألغام والأسلاك الشائكة والخطوط الحمر، لإنتاج نصوص التأويل المجدية لصنع وجود أفضل.

{  في السياق يقال أن الاستمرار في نقد السلطة العربية المستبدة والسالبة للحريات العامة، أفضى إلى موتها أخيرا، لكنه موت أدى إلى ولادة أكثر الهويات والثقافات تطرفاً وأصولية والتي تمارس السلطة بغطاء ميتافزيقي مغلق، هل هذا مؤشر إلى غياب الرؤية  لدى المثقف العربي؟

– كارثة المجتمعات العربية هو شراسة السلطات الحاكمة(الدينية والدنيوية) كونها لا تترك السلطة إلاّ بمعونة خارجية، وهذا الأمر عادة ما يفضي بالمجتمعات (المحرَّرة) إلى هاوية. حيث تشظي الدكتاتورية الكبيرة التي كانت متجبرة في بلد ما، إلى دكتاتوريات شتى، كانت في السابق داعمة للجبروت وتحت قبضته. ولا تختلف عن الجبروت أبدا في مناهضتها للحرية ودحضها أو محوها للآخر، ولكن وفق سياق تكفيري يقدس فعل محو الآخر. وهذا مؤشر على تحرر المجتمعات العربية من عبادة القائد الواحد ذي القبضة الحديدية، وتنتهي إلى الأبد ثقافة القطيع، على مستوى الشعب الواحد أو الأمة أو سواهما. فتتمظهر هنا أو هناك تجمعات لثقافة قطيع فئوية يتربع على هرمها العبودي، قادة جدد يتبنون هويات متنوعة ومتعددة على مستوى القومية أو الدين أو الطائفة أو العرق. غير أن هذا المناخ التعددي التناحري المتلاطم في حراكه الاجتماعي، لا ينتج سوى الخراب والدمار على كل الأصعدة، وهو على مر الزمن سيكشف للناس المخدوعين بهكذا تجمعات، أنهم مخطئون في انتماءاتهم الفئوية هذه، وما عليهم سوى البحث عن نسق اجتماعي يستوعب كل الفئات في سلة وطنية واحدة.

{ في ذات السياق، كناقد مهتم بنسق الكتابة وأشكالها ومداها التعبيري، كيف تقرأ ظاهرة شيوع الهوامش على المتون في الوسط الأدبي، بمعنى انبعاث أكثر الثقافات البدائية ً أو الهامشية في المتن الثقافي.؟

– هذه قضية مهمة في النسق الكتابي الجديد، وخاصة بعد انهيار مراكز الفكر الشمولي السلطوي في البلدان الدكتاتورية، عالميا وعربيا. حيث هيمنة تاريخ مراكز السلطة على حساب تاريخ الهوامش والمقصيين قسرا، إنه النسق الكتابي المنفتح على طقوس وفضاءات المهمشين والمظلومين والمندحرين عنوة جراء دهور العسف الفائت. وكما أنه نهج كتابي أكثر إنسانية من النسق التقليدي القائم على إتباع المألوف والمتعارف والسلفي، كونه ينظر بعين المساواة تجاه المركز والهامش انتصارا لحق وجودهما معا. وأنت لو أخذت نماذج من التواريخ الفائتة لوجدتها كتبت بأمر الحاكم وفق فرية مفتعلة، تقول بأنه يمثل سلطة السماء على الأرض. والهامش لا يعني المتدني والمتخلف والبدائي، بل هو ذلك العالم الآخر الخفي والمقصي والمهمل والمعتم، ولكنه بحاجة ماسة لإظهاره وإشهاره كي يكشف لنا ظلم المركز. والكتابة بهذا الاشتغال الاركيولوجي في عوالم الهامش، تكون قد نهضت بوظيفتها الإنسانية وفعلها الجمالي المستقرئ للكوامن والجوانيات المكبوتة جراء أزمنة تسلط وجبروت المركز. وربما ينتج هذا نوعا من الإرباك في الظاهرة الثقافية عموما، وحتى تسود الفوضى لاختلاف وتصادم المألوف مع غير المألوف، ولكن ستكــــون الغلبة للأحق والأجدر.

 { عن حال الشعر العراقي.. أنت جمعت ودونت كتابين بحثيين عن شعراء الناصرية، كيف وجدت النص الشعري العراقي، ما هي مشاكله الدائمة أثناء عملية الفحص، هل يعاني النص العراقي كما يقال من اضطراب هوياتي وتعريفي واضح يميزه؟

– الشعر العراقي وعبر سفره المديد، مر بمراحل شتى بفعل تأثره بالظروف المتباينة للمجتمع العراقي، وتلك المراحل تتراوح بين الانتعاش والانكماش. وعبر تجربتي في ميدان البحث المتمثلة في كتبي الصادرة وغير الصادرة، تمكنت من التعرف على أهم ملامح النص العراقي وتحولاته، والتي بينتها في تلك الكتب. وعلى مستوى الشعر وجدت أن الشعر العراقي وبسبب تلاقحه مع الشعر العالمي. لم يعد أغلبه منصاعا لوظيفته التقليدية، القائمة على خدمة مركز السلطة. بل أصبح بعض منه متمردا على مراكز السلطة بشتى تنويعاتها، وراح يعيد قراءة الظواهر الاجتماعية بحرية تامة دون التقيد بوصايا وتعاليم الذاكرة الجمعية. أما ما يتعلق بالهوية، فهذه إشكالية تعاني منها المنظومة الفكرية العربية عموما، حيث حيرتها وقلقها بين الحراك والسكون/ التحرر والجمود/ الكشف والإخفاء/ البوح والصمت، وسواها. وحقيقة الأمر، ليس من اليسر التوصل الآن، إلى ما يمكن أن نسميه هوية محددة للجغرافيات الشعرية، بسبب هذا التداخل بين التجارب العالمية عموما. وذلك نتيجة الانفتاح المتواصل لكل تجارب العالم على بعضها، وبشكل يومي وسريع، جراء تأثير شبكة المعلومات العنكبوتية، والتطورات المتسارعة في وسائل الاتصال المختلفة.        { كناقد أيضا وشاعر.. كيف ترى الإفادة من الدرس النقدي الأكاديمي العراقي، هل يمكن القول بوجود ظاهرة نقدية عراقية في الجامعات، يمكن معها الاطمئنان إلى وجود متابعة فاحصة وعلمية للنص الإبداعي، خصوصاً في الكليات ذات التخصص في حقول الدراسات الأدبية؟

– لا يمكن لنا إنكار النشاط النقدي الأكاديمي في الجامعات العراقية، لأن الجامعة العراقية، كانت ومازالت هي المكان الذي تفحص فيه الورش التجريبية للنـــــــــص الإبداعي العراقي.

كما أنها يفترض أن تكون أكثر من باقي المؤسسات، خدمة للحركة الثقافية والأدبية، كونها تتوفر على متخصصين في الشأن الثقافي بتنويعاته المتعددة. ولكن الدرس النقدي الأكاديمي، تعامل بسياقات تقليدية وآليات مفرطة بالأبوية والتعليمية، وحتى بروح تسلطية، وأحيانا ينظر للظواهر الثقافية والمعطيات الإبداعية، من فوقية وغلو في استخدام مقاييس ووصايا جبروتية. كما أن الواقع العراقي، أثر سلبيا على الوسط الثقافي عموما، وبالأخص على دور الجامعة، المهم في الانفتاح على النشاط الثقافي للمجتمع. ونلمس أيضا جيوش من الأكاديميين أغلبهم غير منتج نقديا، بسبب عدم حرص الجامعات على اختيار المستوى العلمي معيارا للتنافس بين المتقدمين للدراسة. كما لم تتخلص الجامعات بعد من خضوعها للسلطة السياسية الحاكمة سواءً في الأنظمة السابقة أم الآن، لذا تكون أغلب الأطاريح كإسقاط فرض وغير مجدية علميا. ولم تتمكن بعد من الغور بعيدا في ميدان متابعة مستجدات التجارب الكتابية، للخروج بمفاهيم جديدة نقديا، بل أن بعض الأكاديميين، يحاربون محاولات ابتكار مصطلحات نقدية جديدة.

{ أسألك كشاعر عراقي، هل تجد ضرورة لإحداث قطيعة ما مع التاريخ، أو تجاوز تياره المهيمن على العقلية الشعرية، لتحرير النص وتحديثه جوهرياً؟

– لست أفضل القطيعة في مفهومها السلبي، بل في ما تعنيه من موقف مواجه لهذا التاريخ المعمول بأمر من السلطة، وفي كل الأزمنة منذ بدء التدوين والى الآن. حيث بات من الضروري بعد المتغيرات الجديدة في الراهن العربي، أن نعيد قراءة الفائت وفق منطلقات متحررة من كل عراقيل أو مصدات مكبلة للحراك الجمالي والمعرفي والإنساني.

إن قوى التسلط في التاريخ العربي، تمكنت من إبقاء الذاكرة الجمعية تحت قبضتها الفولاذية التي تمنع العقل الإبداعي عموما والشعري تحديدا، من التحرر نحو آفاق الكشف والتجديد. وحسن قراءة التاريخ ومن ثم تأويله، هو المنطلق الأكثر جدوى لتخصيب المناخ الإبداعي وتفعيل طاقاته الكامنة. كان الفكر السلطوي العربي ومازال، يعيد إنتاج وسائله المعرقلة لعجلات التطور الإبداعي، لإبقاء العقل الشعري كخادم مطيع لمآرب مؤسساته المركزية. لا حياة ولا حراك للنص الإبداعي الجديد والمتغير، سوى بالتخلص من شباك الفكر الشمولي القامع للإبداع الجمالي والتطلع الانساني. النص المتمرد على قيوده والمحطم ، هو القادر على الابتكار والتحليق في المحتمل والغرائبي والمشرق، والذي يتواءم وأحلام المواطن المتجدد والعارف بما هو مجدٍ له.

{ حدثني عن مشاريعك الكتابية القادمة.

– مشاريعي القادمة هي محاوله لإكمال ما بدأته من اشتغال في تجارب كتابية تحاول أن تجد لها سبيلا ممكنا لإقناع المتلقي على التواصل معها تخادميا خلال عملية الاتصال والتلقي. لست من القابعين في ملكوت المألوف والعادة، من الساعين لتبيان مدى خطورة الركون للثوابت والتعاليم الصارمة. أشرع كل حين في محاولات ممكنة ومفيدة في تطوير أدواتي وتقنياتي الكتابية، وفق منطلق الاندهاش بالعالم المرعب في تحولاته وتمثلاته. بعد كتبي الست الصادرة(ناطحات الخراب) و(دهشة القراءة الأولى) و(دموع أور) و(أور المنافي) و(كولاج تأويل). و(عناء الماس) انطولوجيا مسرحية. أحث الخطى لتقليل مديات وأزمنة إنتاج وتسويق كتبي الجديدة ، والتي يمكن حصرها بالآتي:(سماء..ث.. امنة)شعر. و(طائر وكره النص) شعر. و(أور الحكي) المنجز السردي في ذي قار. و(بياض الشعراء وسواد العالم) فحوصات في تقانة المونتاج الشعري. و(اشراقات في زمن العتمة) مقالات في الثقافة والفن. وعساني أوفق في انجاز سواها.

——————

-علي شبيب ورد

– بكالوريوس فنون مسرحية.

– عمل مدرسا في معهد الفنون الجميلة/ ذي قار.

– عمل رئيسا لأتحاد أدباء ذي قار.

– نشر قصائد ودراسات نقدية عديدة في الصحف والمجلات العربية والعراقية.

– شارك في مهرجانات وملتقيات ومؤتمرات كثيرة وحصل على ودروع ابداع وشهادات تقديرية عديدة.

– فاز بالجائزة الأولى في مسابقة وزارة التربية (النشيد المدرسي وأنشودة الطفل) عام2009.

– عضو (أمانة الشؤون الثقافية) لاتحاد الادباء والكتاب في العراق.

– عضو هيئة تحرير (مجلة الأديب العراقي) لاتحاد الأدباء والكتاب في العراق.

– عضو الهيئة الادارية (لملتقى الخميس الابداعي) اتحاد الأدباء والكتاب في العراق.

كتبه الصادرة:

– كتاب ( ناطحات الخراب ) شعر/ عن دار الشؤون الثقافية / بغداد 2009.

– كتاب ( دهشة القراءة الأولى ) مقتربات نقدية في تقنيات الشعر/ عن دار رند/ سوريا 2010.

– كتاب ( دليل المعلم – النشيد والموسيقى ) مشترك/ وزارة التربية / المديرية العامة للمناهج/ بغداد2011.

– كتاب ( دموع أور ) المشغل الشعري في ذي قار(الشعراء المقيمين) عن دار تموز للطباعة والنشر/ سوريا 2011.

– كتاب ( دراسات نقدية عن الأدب الكوردي ) مقالات نقدية (مشترك) منشورات اتحاد الأدباء الكورد/ دهوك2010.

– كتاب ( أور المنافي ) المنجز الشعري في ذي قار( شعراء المنافي ) عن دار تموز للطباعة والنشر/ سوريا 2012.

– كتاب ( كولاج تأويل ) مشروع نقدي / عن دار تموز للطـــــــباعة والنشر/ سوريا 2013.

– كتاب ( عناء الماس ) انطولوجيا نصوص مسرحية/ عن دار تموز للطباعة والنشر/ سوريا 2014.

كتبه المنجزة غير المطبوعة:

– كتاب ( أور الحكي ) المنجز السردي في ذي قار.

– كتاب ( بياض الشعراء وسواد العالم ) نقد في الشعر الحديث.

– كتاب ( اشراقات في العتمة ) قراءات في الثقافة.

– كتاب (سماء  ثـ  امنة ) شعر.

– كتاب ( طائرٌ وكْرُهُ النص ) شعر.

مشاركة