الشاعر الأمريكي توماس لكس **

الشاعر الأمريكي توماس لكس **
فكّهوا قصائدكم ..الفكاهة تقيم في الواقع**
بيتر سوانسون-ترجمة بشار عبدالله
ما الذي ذهب بك إلى كلية ايمرسون؟
ــ كان الالتحاق بكلية ايمرسون يعد نوعا من أنواع الحظ. واعتقد ان كلية ايمرسون وسالم ستيت هما الكليتان الوحيدتان اللتان كانتا لتقبلاني. واتضح لي أن الوقت والمكان كانا مناسبين لي. وبالمناسبة، جيمس راندال، الذي أصبح فيما بعد أول ناشر لكتبي؟ في مطبعة راندال، كان استاذي في كلية ايمرسون وهو الذي شجعني في وقت مبكر جدا من التحاقي بتلك الكلية. وأتذكر أن كلية ايمرسون في سنتي الجامعية الأولى، تعاقدت مع شاعرة ناشطة، هي هيلين تشاسن وكانت قد فازت لتوها بجائزة ييل للشعراء الشباب وكان التعاقد معها لغرض التدريس. تلك كانت أول لمحة لا بعد أحد أوسع برامج الكتابة وأكثرها اجتذابا للاحترامــ سواء لمن كانوا في الدراسة الأولية أو العليا في البلاد. أمضيت عامين في فصلها وقد قلبت حياتي رأسا على عقب. كنت في الطبقة لها لمدة سنتين وغيرت حياتي. كانت شخصية حازمة لكنها كانت مدرسة تتمتع بكرم النفس وسخائها. كانت محاولاتي في كتابة الشعر مستمرة ومتواصلة منذ المرحلة الثانويه ولكنني لم ألق أبدا من يرشدني. ثم جاء فصل هيلين ليكون بمثابة لعبة لها قوانين كلية جديدة نعم كانت هناك قواعد ينبغي تعلمها والافادة منها قبل التفكيربكسرها.
أمور أساسية
ما هي بعض القواعد التي كان لابد من تعلمها في فصلها؟
ــ القواعد كانت قواعد الحرفة كالإصغاء مع الانتباه للموسيقى، وتقطيع الأبيات الشعرية، والتقطير، والنحو، والعروض، والوضوح، والأشكال عند التلقي، وما إلى ذلك. باختصار هي الحرفة بعناصرها كافة.
وهل تركت أثرا في طريقتك في التدريس؟
ــ يقينا، أنها تركت أثرا عميقا في طريقتي. فثمة أمور أساسية تعلمتهاــ العديد من الطرق المختلفة في تقطيع الأبيات الشعرية التي يمكن اعتمادها هذا على سبيل المثالــ وهي طرق يحتاج إلى تعلمها الكتّاب الشباب أو الجدد جميعا. فمن الممكن تدريس كتابة الشعر، تماما كما يمكن تدريس الموسيقى أو الرسم. كل شيء ممكن إلا تدريس كيفية صناعة المجاز الاستعارة ، ولكن حتى هذا المفصل قابل للتطوير في حال توافر الكاتب على شرارة فنية حقيقية. أنت لاتستطيع تدريس النار التي تتلظى في البطن، بطبيعة الحال. كما لا يمكنك تدريس الحاجة الى كتابة الشعر وقراءته ، وأيضا لا تستطيع تدريس قوة التحمل. بل لا يمكنك ان تدرس امرءاً ما أن يحب شكل الفن. وبعد ذلك اعتقد أن هناك نسبة اثنين أو ثلاثة بالمئة من الجنون الشعري ذي المنطق الذي لا يمكن تدريسه أيضاــ ولكنه من المحتمل ان يندرج تحت نمط الاستعارة. وكل ما عدا ذلك قابل للتدريس.
هل تتذكرأي نوع من الشعراء كنت تقرأ لهم في ذلك الوقت وتحاكيهم؟ ــ عديدون هم الشعراء الذين كنت أقرأ لهم وأحاكيهم. الشعراء الأمريكان في المقام الأول، من أكبرهم سنا إلى أصغرهم لنقل وايتمان، كرين، اليوت ، باوند، بيريمان، رويثك، لويل، ياريل، ريتش، سكستون، بلاث، جيمس رايت ، غالوي كينيل، روبرت بلاي، بيل نوت، وآخرون. طبعا أنا أهملت هنا قائمة طويلة في الأقل. أما الشعراء الانكليز كيتس، بايرون، وكوليردج؛ وفي وقت لاحق، هوبكنز، توماس، لاركن. وهنا أيضا أهمل قائمة آخرى طويلة. ومن الشعراء الاجانب الذين قرأت لهم أعمالا مترجمة بودلير، ريمبود، والشعراء السرياليون، والدادائيون. ومن الروس، يقف في المقدمة ماندلستام وأخماتوف وبلوك. وإذا ذهبنا إلى اسبانيا ودول أمريكا اللاتينية هناك فالييو، نيرودا ، هويدوبرو، باز، البيرتي، ولوركاــ وآخرون طبعا. اعتقد ان الجيل الذي انتمي اليه، تأثرعلى وجه الخصوص، بالشعراء والكتاب الأجانب بنفس تأثره بكتّاب الانكليزيه. يبدو لي أن أوائل سبعينيات القرن الماضي كانت فترة غاية في الحيوية للترجمةــ فقد ترجم نيرودا وفالييو كل من بلاي ورايت على التوالي، فيما اختص ميروين بترجمة ملندلستام وهكذا.
متى بدأت تفكر في نفسك شاعرا؟ ــ اعتقد انه تفكيري على هذا النحو بدأ منذ تلك الفترة التي دوامت خلالها على محاضرات هيلين، إذ بدأت أؤمن بإمكانية نيل فرصة لأكون شاعرا. يقول روبرت فروست لفظة شاعر هي لفظة ثناءــ وبالتالي فهي لفظة لا ينبغي الاستخفاف بها، وأنا لا أستخف بها طبعا. بل على العكس ما زلت اعتقد» ويحدوني أمل بأن أحظى بفرصة أن أكون شاعرا.
مستغرق في القراءة
عندما اقرأ شعرك، يغمرني شعور عميق بأنك قارئ شره، لاسيما لكتب السير والتاريخ. هل يمكن الحديث عن العلاقة بين القراءة والكتابة؟
ــ نعم أنا قارئ شره. ولكن أليس هذا شأن معظم الكتّاب؟ أنظر كيف صاغها د. جي الأصيل ان الجزء الاكبر من عمر الكاتب ووقته مستغرق في القراءة، ذلك من أجل أن يكتب الكاتب ينبش نصف مكتبة ع أجل تأليف كتاب واحد وقال أيضا نحن نقرأ لنكتشف ما يدنو من ذواتنا . أردت أن اكتب في المقام الاول لانني احببت الكتب التي قرأتها واردت ان أحاول ذلك بنفسي. ولو لم أكن قارئا نهما لكنت رجلا فضا صعب المراس. أنا أقرأ الكثير في موضوعة التاريخ وفي موضوعات شتى لا علاقة لها بالمتخيّل؛ فضلا عن قدر لا بأس به من كتب السيرة الذاتية التي هي نوع آخر من التاريخ ؛ الكثير الكثير في موضوعة التاريخ الطبيعي قرأت مؤخرا خمسة كتب، على سبيل المثال، تدور حول طائر الدودو المنقرض، وجراد البحر، والانقليس، والجراد، وثمرالفانيليا ؛ وكذلك أقرأ الكثير من الشعر والكتابة عن الشعر؛ أقرأ الأنواع كلها. فمثلا لا سبيل آخر للتعرف على طائر الدودو وليس هناك شيء تعرضه عنه شاشات التلفزة، أنا شخصيا لم أر فلما سينمائيا أو تلفزيونيا يعالج هذا الموضوع.
ثمة أمور تهزني في أثناء القراءة وأحيانا أفيد منها في قصائدي. وأحيانا أختطف عناوين قصائدي من القراءة؛ ارفع الاشياء التي تبدو لي أنها تنطوي على امكانيات استعارية وأحاول بعد ذلك استكشافها واستبطان كوامنها. أنا أحب الكتب حبي لمفردات الحياة. واعتزم ان أموت بعد أن أكون قد قرأت عشرة آلاف كتاب. اعتقد انني قرأت حتى الآن نحو ستة آلاف كتاب ، لذلك أفضل أن أمضي حياة طويلة، وإلا فعلي أن ابدأ بقراءة أسرع
يبدو ان للتاريخ عندك أهمية خاصة.
ــ كما أسلفت القول، قرأت الكثير في التاريخ. وقراءتي تلك لم تخضع مطلقا لطريقة منهجية منتظمة، بل كانت وما تزال تتركز على التعمق في مفاصل بعينها في التاريخ خذ مثلا الحرب العالمية الثانية، والعصور الوسطى، وفي الآونة الاخيرة الكثير عن تاريخ العالم في القرن التاسع عشر؟ وتاريخ أمريكا في القرنين الثامن عشر والتاسع عشر. وتبدو الثيمة التي استقرت عليها كتابتي هي وحشية الانسان تجاه المرأة والرجل. والأمثلة على ذلك غزيرة منذ فجر التاريخ وحتى الثواني الأخيرة التي أنضد فيها عبارتي هذه على الآلة الكاتبة. وهناك الكثير الكثير من الإمكانيات الاستعارية المجازية فيما يخصني منها وأدركه أيضا أنا لست سوى كائن فضولي لا أريد إجراء اختبارات على ما أقرأ؛ لا نريد ان أختلف مع أساتذة التاريخ حول النظريات. وكمثال على الكتاب يستهويني جملة وتفصيلا عن الحياة اليوميه؟ بكل تفاصيلها الممكنةــ هو ما يتعلق بالحياة اليومية لمربي الخنازير الألماني في القرن الخامس عشر.
في قصيدتك النهر الغريق اقتباس لعبارة ويليام فولكنر الشهيرة الماضي لم يمت. بل انه ليس ماضيا أصلا . إلى أي درجة تعد هذه الفكرة مهمة لشعرك؟
ــ حسن، في تقديري ان السيد فولكنر كان على حق في هذا. ولا يمكنني هنا تقبل تفسير عبارته على أنها تعني ببساطة التاريخ يعيد نفسه على الرغم من ان هذا المعنى يندرج ضمنيا في العبارة. اعتقد انه يريد القول بأن البشرخيرون بالفطرة على مرّ وجودهم. واعتقد أيضا انه يقول على الرغم من المزايا الهائلة التي جلبها لنا ويجلبها العالم الحديث، فإننا ما زلنا، بوصفنا بلدا، نحمل الماضي في انفسنا، وتاريخنا، دائما. فنحن بلد واحد يعيش بين بلدان عدة. وكذلك الحال عندما ننظر إلى الأمر على نحو فردي. وأعتقد انه يسدد ضربة شديدة في الغطرسة البشرية التي بوصفها حملة لا هوادة فيها من جانب أنا البشر.
عندما تبدأ بكتابة قصيدة تقوم على أمثولة مثل قصيدتك مساعدة قرد على عبور النهر ما الذي يأتي في ذهنك أولا ــ الأفكار أم الاستعارات؟
ــ هذا سؤال شائك. واعتقد ان القصيدة في الأعم الأغلب تبدأ عندي بصورة، وإيقاع، وإلماح طفيف الى شيء قد يكون منطويا على إمكانيات استعارية. شيء يمكن للمرء أن يراه ويسمعه، يثبت الذهن، وينبثق مع القراءة ومنهاــ وهذا ما يبدو أحيانا أمرا يستحق دراسة متعمقة. مثل الدب الذي يمشي فوق الجبال وخلالها ليرى ما يمكنه ان يرى. أنا شخصيا أعد مسودات عدة للقصائد، ثم أحاول عزلها لأرى ما تريد القصيدة ان تخبرني عن ما يلزمها من فعل أو قول. انها بالتالي عملية، تنطوي على الكثير من التجارب والأخطاء. شخصيا أجد لزاما علي العمل حدسيا وبوعي شرس ويقظ على حد سواء، أحيانا بالتناوب بين المستويين، واحيانا أخرى فى آن واحد. في البداية أشرع بالعمل. واعتقد ان قصيدة القرد بدأت عندما رأيت بعض القردة تسبح في النهر المحاط بمشهد طبيعي. ثم نشرت القصيدة وبعد ذلك كتب احدهم الى المجلة يقول ان القردة لا تسبح في النهر إطلاقا ما لم تلقَ من يعلمها فن السباحة من البشر أنني تصورت مشهد القرود في النهر ولم أره. ولكنني أخمّن أيضا أن الذي كتب رسالته للمجلة لم يكن قد سمع شيئا عن المجاز أو الأمثولة.
قصيدتك صور العائلة حول شجرة عيد الميلاد التي يبدو أنها تستخدم صور عيد الميلاد استعارة لنوع بعينه من فن القصيدة العائلية، قد جعلتني اضحك بصوت مرتفع. هال للنكتة والفكاهة مسار مقصود في مسعاك الشعري؟ وهل تعتقد ان هناك نقصا عاما في الهزل ضمن الشعر الأميركي المعاصر؟
ــ لا اعتقد أن أحدا في مقدوره ان يسعى جاهدا من أجل تثبيت الهزل والفكاهة وعيويا. ما اعتقده هو ان بالمرء حاجة الى القدرة على ان يكون مضحكا. أعتقد أن معظم ما هو فكاهي في قصائدي يندرج في السخرية والمفارقة والفكاهة السوداء. انني اعتقد ان هناك مجالا للفكاهه في الشعر. الحياة نفسها تنطوي على الفكاهي. فما الذي يمنع أن ينطوي عليه الشعر؟
/5/2013 Issue 4498 – Date 8 Azzaman International Newspape
جريدة الزمان الدولية العدد 4498 التاريخ 8»5»2013
AZP09

مشاركة