الشاعرة ليلى الطيّب والوجع الرومانسي – وجدان عبدالعزيز
قبل الدخول في قصيدة (ادمن عدّ الوجع) للشاعرة الجزائرية ليلى الطيب، لابد من تمهيد بسيط لها، ذلك كونها حملت وجعاً وألماً رومانسياً، ومن هنا فان النص الشعري يتمتع باستقلال ذاتي، فهو يستمد مصداقيته من وقائع تاريخية محددة، وحينما يتناولها الشاعر، يتناولها بحرية، وبما يتناسب مع رؤيته، وقد يغاير بها وليس كما جرت فعلا، فللشعر حقيقته الخاصة به، أو فلنقل طريقته في البحث عن الحقيقة، التي تختلف عن الحقيقة الفيزيقية والميتافيزيقية في آن معاً، ولكنها ليست أقل يقينية منها بحال من الأحوال كما سبق وذكرنا… نعم، قد تختلط الحقيقة الشعرية أحياناً بالحقيقة الميتافيزيقية.. ولكنها تبقى ذات هوية أخرى متمايزة، وكما نعلم فان الشعر مكتنز بأعمق النوازع الإنسانية، وليس من طبيعته، ولا مطلوباً منه، الاهتمام بمشكلة نظرية مفردة.. وتشير نوازع الإنسان وأشواقه إلى طاقة داخلية متحركة، ففي أعماق الإنسان آمال وعواطف تهفو إلى التحقق وتأمل بالاستمرار. إن عواطف الإنسان تتجه إلى تحقيق ذاتها في الآخر الذي يشكل معه وحدة بدئية تحولت إلى ثنائية، وذلك لكي تعبر عن علاقة صميمية بهذا الآخر، فلقد أبدعت الشاعرة ليلى الطيب في التعبير عن مكنونات القلب الإنساني، وصوَّرت سعادة الإنسان وشقاءه في ظل الحب والتعاطف. ولذلك، فإننا نجد أعظم وأجمل ما عبَّر عنه قلب الإنسان في اللهفة والشوق، في اللقاء والبعاد، في بثّ الخواطر وفي النجوى، فكأن الإنسان يبث لواعج قلبه لنفسه من خلال الآخر الذي هو نصفه الثاني، وهكذا كانت تعبيرات الشاعرة الطيب تتحرق وتتألم باحثة في لقاء الاخر ملاذاً لها، وذلك لأنه تبحث عن نفسها في الآخر، فهنالك نداء القلب للقلب، والروح للروح، هنالك نداء عميق للآخر في الإنسان، والطيب تتألم من عدم تحقيق هذا النداء الداخلي، وهكذا في اعتقادي تسمية الشاعرة ليلى الطيب بشاعرة الألم الرومانسي، كونها تألمت من القيود الاجتماعية، وعانت من مرارة الواقع المحيط، فكان إبداعها وليد حب، أو عاطفة، أو خيبة أمل، أو شعور باطني عميق بالمأساة؟ إنها شعرت برقَّة الألم وتلمَّست مأساة الوجود من خلال صراع داخلي بأن الإبداع لا يتم إلا في الألم، فالحب الذي لا يتحقق عندها، والفكرة الجميلة التي لا تلقى صدى لها، والمشاعر النبيلة التي تُدفَن، والعواطف الإنسانية التي تخبو، والعبقريات التي لا تلقى الاستحسان، عبرت عنها بألم رومانسي نبيل ووجداني. فتقول الشاعرة في قصيدتها (أدمِن عدّ الوجع) :
(حزني معي أنضجَهُ الفراق
مبلّل بأمطار الذكرياتُ
أَدمن عدَّ الوجع
قيَّد معصمي …
هو ذا الفناءُ
يلملم فيَّ بقاياه
تلك البادية
تنوح على كتفي)
بدأت قصيدتها بادمان عد الوجع، واردفتها بـ(حزني معي انضجه الفراق)، لترسم لنا معالم الالم الذي تعانيه، وادمى معصمها .. هذا المقطع الاول .. وعمقت ذلك الهم الموجع في بقية المقاطع من حالة الغياب الى كظم الضيم، ورغم ان هناك قبلة دافئة باقي اثرها من الماضي، الا ان الليل طويل، حيث تقول : (حزينٌ هذا الصمت/السّاقطُ منك !!..
/أراد أن يتوضأ/في حضن السماءِ)، فالحرف (ك) من كلمة (منك) تشير للاخر، أي ان الشاعرة ذاتيا موجعة تبحث عن الاخر لتعويض حالة الوجع بذلك الحب الذي يسكن اعماقها للاخر، ومن ثم تقول : (تضربني ضفائر الوقتِ/في مهدٍ وخطته الشقوق/فأصبح اللقاء/في فنجانِ الغيابْ !..)، فهل تفي الكلمات هذا الوجع الرومانسي في قصيدة (أدمِن عدّ الوجع)؟؟