الشاعرة اللبنانية نسرين بلوط لـ الزمان الثقافة ربيع دائم والنقد جوهر الإبداع
فتحي المزين
أديبة وشاعرة لبنانية ، تعدت موهبتها حدود الوطن ويُحلق عالياً فى سماء الإنسانية ككل ، حصلت على عدد كبير من التكريمات فى مصر وإيران ولبنان ، تجمع بين موهبة الشعر ولمسة الكتابة الروائية ، لهذا كان لــ الزمان
معها هذا الحوار
نسرين بلوط. أديبة لبنانية ممكن تعرفى نفسك للجمهور؟
دائما أدع قصائدي تعرّف عني.. ورواياتي كذلك.. كأنها تترجم كنه ذاتي ونزعتي نحو الجموح والتصاعد التدريجي الى عالم من السمو… انا اسبر غور النفوس والعقول من خلال كتاباتي ملغية ذاتي احيانا لكن النفس طماعة بالفضول فتضع بصمتها أينما حط القلم زاد كلماته…
قصيدتي الزهر والعشب والانسان ترجمت مراحل حياتي من الطفولة والتوق لحضن الام والاب الراحلين والتهافت لأديم الوطن.
كلمينا عن إنتاجك الأدبى حتى الآن وصداه بشكل عام.
حتى الآن صدر لي ثلاث دواوين من الشعر… ارجوان الشاطئ، رؤيا في بحر الشوق و مهربة كلماتي اليك…
وعندي روايتان لم يصدرا بعد..الاولى بعنوان مساؤك ألم والثانية لم أضع لها عنوانا بعد..
الصدى كان جيدا واخترقت القصائد باحساسها قلوب الناس لأني حاولت فيها ان أعبر عما يجيش في صدورهم.. وأن أغلف قصائدي بقناع رمزي يحوي الكثير من المعاني المكثفة العمق والأبعاد…
وتناول بعض من النقاد بعض القصائد التي عبرت في المحتوى عن منحدرات وتعرجات النفس البشرية اتجاه الحبيب والأوطان العربية والحنين…
الأدب والسياسة
كيف ترى مستقبل الثقافة العربية بعد الربيع العربي؟
قبل حلول الربيع العربي بسنوات مديدة كان للثورة والثقافة خيط وطيد يتأصل في الأرواح كالبذور في الأرض الصالحة تنبت لتكبر وتتمايل في الأصيل نخيلا يافعا حافلا بالكرامة والعزة والاعتداد…فهناك أصوات مثقفة كثيرة صدحت بالحرية وطالبت بها منذ الأزل…غوته الأديب الالماني الذي شهد ثورات اوروبا في القرن الثامن عشر نوّه بحرية الفكر والقلم لقيادة ثورة سليمة تصل للنور والانعتاق الأزلي..والذي قال عن الانسان العربي الثوري بأنه روحٌ نارية متَّقدة تحلِّق بجناحي نسرٍ .وفيكتور هوغو الاديب الفرنسي الذي ربط بين الأدب والسياسة بحوار متمدن يتقد ثورة ويعج وطنية…وأكد أن الادب هو منحنى ايديولوجي…لوركا الشاعر الاسباني قدم روحه قربانا قبل جسده لثورة حتمية تمثل عقيدته الشعرية الفكرية..
الشاعر احمد شوقي نفي بسبب افكاره الثورية الجريئة الى اسبانيا.. والشاعر ابو القاسم الشابي اعتقده الناس مجنونا في ذاك الزمن بعد أن صدح بقصيدته اذا الشعب يوما أراد الحياة..والتي باتت سمفونية في قلب كل انسان متوحد بأرضه….ووطنه…
شعراء المهجر الذي ضم عمالقة الأدباء اللبنانيين مثل جبران خليل جبران الذي ثار على منحنيات الدين بتفسيراته الخائطة عند بعض رجاله وميخائيل نعيمة الذي ثار على نظرية التقارب والتباعد بين افراد المجتمع الواحد ورشدي ايوب الذي ثار على غربته داعيا لبناء وطن افضل من اجل التعايش فيه.. وغيرهم وغيرهم ممن تربعوا على عرش الثورة المخفية التي ضمتها طيات كلماتهم بشعار الحنين الدائم الى الوطن…
هذه بعض امثال عن بعض الشعراء والأدباء الذين ماد بهم القلم الى آفاق راقية للحرية وحب الوطن قبل حب الذات..
الربيع العربي رغم سحقه لملوك طغاة عاثوا هولا وسحقا لأماني الشعب وتطلعاته الا أنه خلّف بعض الضباب الذي قد يغشي البصيرة ربما بسبب محاولة البعض تضييع الثورة الحقيقية التي بدأت ناصعة بثوب أبيض… في دسائس الفتنة والانحلال… وهنا يأتي الدور الحقيقي للمثقف العربي بأن يميط اللثام عن كل ما هو خفي ومخفي…
فالثقافة لا تقف عند الربيع العربي ولم تكف قبله عن دورانها المعطاء الذي يشبه الكرة الارضية بطقوسه وفصوله ودورانه وجغرافيته وكيانه… فهي الربيع بحد ذاته.. حيث تتفتح الزهور وتورق في مهب الريح رغم أنف الضباب المتلبد في الأمد…
ما الفريضة الثقافية الغائبة؟
الغائب هو دور المؤسسات الثقافية والحكومة في بلادنا العربية التي لا تولي الثقافة حقها ولا تزودها بواحات البوح والرؤيا حتى تنضح وتبرق باستمرار..
فللقلم سحره البراق الأخاذ الذي ان باح لا يسكت عن الكلام الجوهري الفائض من اعماق الروح ومن خلف اللامرئي الخاطف…كلمح البصر….وهذا كله بحاجة الى تتبع وترتيب وتزويد وتسطير…
هل انت راضية عن أداء المثقفين خلال الربيع العربي؟
الشاعر أو الأديب الحقيقي الذي يمتلك الموهبة الحقيقية كما تحتوي افنان الشجر على اخضرار العشب…استطاع ويستطيع ان يعبر عن كل ما يدور حوله في اي زمان أو مكان.. في كتابي الجديد مهربة كلماتي اليك… كتبت عن ثوة تونس وثورة تونس وثورة مصر وثورة ليبيا…. واهديت الجزائر قصيدة سفينة الشهداء… كان قلمي يحفزني للتعبير عن هذا القمع السادي الذي ولّد انتفاضة الشعب الحقيقية..
النشر الإلكتروني خدم الابداع أم اصبح هناك حالة من الترهل؟
كل ما زاد عن حده نقص.. النشر الالكتروني في حدود وتلقائية قد يخدم الابداع من خلال انتشار اعمال الاديب وتسريب كلماته للضوء والنور.. وتخليد افكاره من خلال تثبيتها عبر موقعه الخاص او عبر المواقع والجرائد الالكترونية..
لكنه في نفس الوقت قد يسري كالسم القاتل في بدن الفكر عندما يلغي هذه الحميمية القائمة منذ الأزل بين الكاتب والقارئ…والخصوصية التي تجمعهما سويا وبسرية من خلال الورق والحبر والغلاف وكل تفاصيل الكتاب…
هو خدم من ناحية وضر من ناحية اخرى… ضررا ليس له هذا العمق الحقيقي السحيق ولكنه قد يصبح جارفا وافرا ان بدأ يجتث هذا الشغف الخفي بين الكاتب وقارئه من خلال الكتاب الذي يمثل ذاتية واحاسيس وهفوات الاديب..
دور مصر الثقافي
الدور الثقافي المصري.. هل مازال فاعلا ام تراجع؟
مصر بشعبها.. بملوكها القدامى.. بحضارتها الفرعونية التي تجوب بارواحها بلاد الغرب والسمو كانت وما زالت محطة لا تقاوم لأقلام الأدباء العرب كافة..
الثقافة في تطور رغم كل ما قد يحيق بها من نشوز احيانا.. او تهافت البعض ليدّعوا المعرفة احيانا اخرى… ومصر حفلت وما تزال بأصوات أخاذة بأنفاسها الابداعية الحقيقية الداعية للمحبة والسلام والثورة في نفس الوقت..
فلطالما دعا على سبيل المثال الأديب طه حسين الى نهضة أدبية ما زال تأثيرها قائما عبر الأيام..فقد كان معروفا عنه انه مفطور على التحدي يمزج القديم بالحديث ليمد الادب بلون جديد عاش وسيعيش عبر الاجيال…
ولطالما صدح الشاعر احمد شوقي بخمار الهوى المتلحف بالنوى وبالعقل والحكمة والتحكم بالنفس والمثابرة والمقاربة والتقارب كل هذا باسلوب شعري بحت يحوي أعذب المشاعر والكلمات…
ولم تخلُ نبرات كلمات الروائي نجيب محفوظ من التلميح للفكر المنبلج في ضياء الفجرفانتقد المجتمع الذكوري الذي عايشه في زمنه ونعايشه حتى الآن..وتناول هذا النشوز في مجتمعاتنا العربية في سلوك ومفاهيم المجتمع وتفسيراته لأحداث الكون.
هذا الدور الذي لعبه هؤلاء العمالقة وأمثالهم لا يزال أثره رنانا عابقا على مر العصور..مرتحلا الى النفوس…مصدّرا مبدعين جدد يحذون حذو من سبقوهم ببصمتهم الخاصة التي لا تخلو تأثرا من تأثير من سبقوهم..
هل هناك أدب ذكوري وأدب نسوي؟
الابداع لا يفرق بين الذكور والاناث.. لكنه يهوي بسياط موجعة على عقيم الفكر والقلب الذي يدّعي المعرفة وهو يركن بجهل في زوايا الظلمة والغرور الكاذب الذي لا يدوم..المبدع الحقيقي هو من يسلط ضوء المعرفة على العقول ويغمر بعذب الحس القلوب ويمس فيها شرارة كانت مطفأة حالكة ليوقدها من جديد..
ربما تختلف لمسة المبدعة الانثى عن لمسة المبدع الرجل لكنهما يلتقيان رغم وعور الشعاب التي قد تحيق بهما على قمة شاهقة لابداع راق يخلد مع الزمن جبلا من العطاء اللامحدود.
هل النقد يواكب الابداع؟
النقد هو جوهر الابداع ولبّه وسره.. ان كان فقط نقدا صادقا بناء وليس نقدا بهدف تقليص دور المبدع والتنديد به وتفنيد ما قدمه من المعنى الحقيقي للقضية التي يعالجها ويتناولها…
ومن لا يصغي للنقد فهو كالذي لا يقرأ ولا يفهم الا ذاته فيهوي في بئر الأنانية التي تقضي على شرايين تطوره الذي يضخه الابداع من بحيرة الفكر والتطلع والمعرفة والاطلاع.
ما سؤال النقد اليوم؟
قد نرى النقد يركز على الفكر والحداثة والمعارضة وسلوكيات ومنهجيات واتجاهات…لكنه يميل في كثير من الأحيان للفضح اكثر من النقد البناء.. الفضح المجحف بحق الكاتب..الناقد الأمين يحق له أن يسأل ويتساءل.. أن يشيد ويهدم.. أن يتوغل ويبصر.. دون أن يقلل من قيمة العمل وتقييمه المحق…
فالناقد المزيف لا ينقد الا نفسه ويهذي كمن يكلم ذاته هو بأحكام قد لا تمت للكاتب بأي صلة.. أما الناقد المتزن فهو من يرصد كل ما ورد بدقة وواقعية وتلقائية واضعا عمل الكاتب في ميزان الصدق.
الرواية والشعر
ماذا يمثل لك الشعر وماذا تعني لك الرواية؟؟
الشعر يعني لي الحياة.. التي تمثل كل ما هو حي يرزق…من الهواء والماء والنبات والانسان والزهر..بشقيه الذين لا يوصدان ابدا.. شقي الفرح والترح… الأمل واليأس..التآلف والتناحر..التقارب والتباعد..احساس الروح وهتاف القلب…
هو يتدلى كبارقة أمل في صحراء كئيبة ويضيء سريعا كالبرق..كلمح البصر.
والرواية هي المنفذ التفصيلي لكل هذه العناصر..لكل هذه الاحاسيس…تنضج على شخصيات حقيقية تحدد لهم المصير وتنفذ من خلالهم الى المجتمع بسلبياته وواقعيته وتبسط كل ما يدور فيه خلف الستار المقفل..من احداث وتوقعات وصراعات.
لديك من الشعر ثلاث دواوين مطبوعين.. وروايتان لم تطبعا بعد..اين تجدين نفسك اكثر؟..
في الشعر اجد نفسي محلقة في المدى أحترف الخيال وأندس في كم الزهر وبين شهيق الرياح وزفيرها..أضج بالحنين لحبيب مجهول اناديه وأقول
ماد بي الحنين إليك…
والصيف يتسرب إلينا…
من لظى الشمس المستعرة بأشعتها…
تنصب في أغواري الملتهبة شوقا….
تعبق في خاطري كالحلم الأزلي…
الوردي الظل المتلحف بالأفق..
يثمل من خمر العشق توقا…
وفي الرواية أتوغل في ثنايا النفوس الحائرة والقلوب الصاغرة لصوت القلب أو العقل لأقدم نموذجا من الحياة.. وراءها مغزى وعبرة..
ففي روايتي الاولى أكدت أن الانسان يستطيع بارادته أن يعرف زمنه عن قيمته الحقيقية ان أراد هذا…وأن يصل الى ما يرومه رغم ما قد يعتم على حياته من ضوضاء المصاعب وخفوت ضوء الأمل..فهو من يستطيع ان يحيي أمله من جديد بل أن يحققه..
وفي روايتي الثانية مساؤك ألم عالجت مشكلة اجتماعية من خلال قصة حب بين شخصين من بلاد مختلفة..وتطرقت لخطر الانترنت على العقول والتي قد تصنع من الشخص الآخر تمثالا من الوهم نحيي حوله آمالنا التي تستحيل الى خيبات..
ما هى مشاريعك الأدبية القادمة؟
مساؤك ألم هي الرواية التي أنوي طباعتها بعد ان اوقع كتابي الشعري الجديد مهربة كلماتي اليك في لبنان وعدد من البلاد العربية…
AZP09