الشاعرة آمنة عبد العزيز: أعشق أبو الطيب كرجل حرفة
أحمد جبار غرب
بغداد
هيفاء الطول ..سامقة ،كنخلة شامخة ..وجهها تنوره ابتسامة لا تنتهي كما الليل عند ضوء القمر ..هي إحدى نسائنا الجميلات اللواتي يغردن شعرا في قصائد ممتدة ومتواصلة تستلهم الجمال والحب وقيم الخير عند أعتابها..عندما تقابلها تشعرك بابتسامتها الساحرة التي لا تفارق ثغرها وتشعرك في طيف جميل عندما تحاورها ..لديها دلع صبياني ربما مازلت الطفولة مترسخة في دواخلها وما تعنيه من براءة وتلقائية متوغلة في أعماقها…متحررة من كل الأغلال التي تحد من حريتها وانطلاقها لأنها امرأة من هذا العصر تتنفس الحرية والحداثة ..تكتب الشعر وفي الصحافة لها مقالات وتحقيقات رشيقة أثبتت فيها شخصيتها الإبداعية وتكوينها الجمالي اتجاه الأشياء المحيطة بها وكأي امرأة عراقية لها هواجس وإرهاصات حاولت استجلاءها من خلال حواري معها أنها الكاتبة والأديبة آمنه عبد العزيز صاحبة الابتسامة العريضة
{ كيف كانت البداية؟
– كان النهر له وقع في النفس وجريانه في صباحات طفولتي يسترسل كما الشعر من أمام منزلنا في منطقة الكسرة ومن بين طيات ثياب الفجر كان صياح الديك يغرس في ذاكرتي حكاية وبين رائحة خبز تنور (الطين) كان لذاكرتي أن تشحن مزيج من نهم لشيء لم يشبع براءتي !هكذا كانت البداية لتكون مفتوحة النوافذ على مساحات من الكتابة التي لم تنتهي عند حدود المكنون في أعماقي، وأتذكر وأنا في المرحلة قبل المنتهية من عمر الابتدائية أني كتبت قصيدة له؟! وكانت فيها سعة من الحب والخيال الخصب وبكل جرأة أطلعت عليها معلمتي (أمينة) التي كان لها هيبة وجبروت معلمات اللغة العربية، فتغيرت خارطة وجهها حينما قرأت البداية وابتسمت حينما ختمت النص ! ومنذ تلك السنوات عرفت أني أمرأة يسكنها شيطان معلمتي أمينة !
{ أين تضعين نفسك من جيلك من الشاعرات؟
– السؤال أجده خارج عن نطاق تغطيتي، فالشاعرات من جيلي لم أصطف معهن بعد في طابور التقييم أو العدد أو التصنيف، أجد في تكويناتي أني شاعرة من زمن مأهول بالمتضادات الأنثوية ومن زمن كلكامش لم تتضمخ حكايته عن ولادة عشبه البقاء ومن أرض لم تجف مياهها التي غطت وجه الشعر وهذا ليس بخيال جامح لشاعرة للرد على سؤالكم بل هي الحقيقة التي أشعر بها وربما شاعرات جيلي هن ما يتصفن بهذا التوصيف.
{ ما لذي يلهمك عند كتابة القصيدة أو كيف تلد؟
– الحزن سيد المكان والزمان والكتابة ! فهذا اللون من الحياة يثير شهيتي على آخرها للكتابة ويحدث في روحي تشققات لا يمكن ردم صدعها ألا بالشعر، وبالرغم من أن لغة الحب تسيطر على نوع كتاباتي عموما ألا أن للحب لون حزين أكاد أصطبغ به حتى صوتي أخذ صبغته، وفي ضفة أخرى يلهمني المطر حينما يلامس بكارة الأرض فتولد الحياة بكل ألوانها وحينما يسدل الليل ستاره على الأرواح أجد في لونه خفايا وتلصص تتحول لقصيدة.
{ عرفناك كاتبة صحفية أين تجدين نفسك في الصحافة أم الشعر؟
– الصحافة عالم ليس بلصيق بالشعر لكنه قريب منه والشعر تكوين في النفس ولد معي وأن لم أتحسسه كأجزائي وعالم المتاعب الذي امتهنته كصحفية هو حالة إجرائية يمكن لغيري أن يمارسها لكن الاختلاف هنا أني عشقتها وتمرست على مصارعتها للخروج بأحداث كثيرة دونتها فيما بعد على لوحي التعريفي، والأجمل بالنسبة لي أني زاوجت ومهرت بختمي الإنساني بيتين الاثنين كي لا أضيع بينهما، وكثير من التحقيقات والأعمدة الصحفية أخذت مسارات اللغوية للشعر وكذلك النصوص الشعرية لا تخلو من لغة البحث عن الحقيقة والمتاعب !
{ المرأة تعاني اليوم كثيراً من المشاكل والمعوقات وهناك محاولات لتحجيمها والتجاوز على حقوقها وهدر كرامتها ماهو الموقف المطلوب للتصدي لتلك المحاولات؟
– المرأة هي ذاتها الأولى في الخليقة وهي ذاتها التي تحررت من حبلها السري الأول وهي ذاتها التي أخضعت العالم لحاجتها كأجمل المخلوقات الكونية فعبدت كآلهة وهي ذاتها التي احتوت برحمها صرخات الحياة والبقاء وهي من امتلكت ناصية الجنان ومحبة الخالق وهي من أحدثت براكين وزلزال الاشتعال والانطفاء حبا الا ترى معي كم هي تتسع حكايتها لتكون اللام تناهي من الحكايات؟! ما تعانيه المرأة ديدن الحياة بكل صبغتها وهي بالتالي حالة من وجود وصوت وعذابات وفرح وحزن وقيد وحرية وبرأي الشخصي المرأة محكومة بنفسها وبمحيطها اللوني الاجتماعي وعليه لابد أن تكون جزء منه حتى وأن رفضته وفي المقابل تبقى المرأة تمسك بلجام الحياة وكيفما تروم تغير مسار الطرقات لصالحها وبأدواتها الكثيرة كونها قادرة على انتزاع حقوقها من عين حمأة.
{ هل تعكس التكريمات والتقييمات التقديرية حجم عطاء الشاعر وانجازها المثمر ام هي حالة لتحفيز الشاعرة على العطاء والإبداع في ضروف غير مستقرة أو هو مجرد تقليد كلاسيكي؟
– لن تكون الدروع والأوسمة مقاييس الإبداع وان كانت تثير الرغبة بالتفاخر والانتشاء ! المنجز الفكري والأدبي هو ما يترك أثرا من لغة ومن قصة ومن قصيدة ومن ومضة ومن رواية في ذاكرة الآخر، وهناك العشرات من الأشخاص حصلوا على (أطنان) ورقية من شكر وتقدير وقلائد ودروع تكفي لتتويج لجيش منتصر ! وهذا ليس لا يعني أن من حصل عليها بالمبدع الكبير، وفي العكس هناك مبدعون منسيون وهم يمتلكون من الأوسمة مالم نعرف له مثيلا. يبقى التكريم متباين بين هذا وذاك وهو بالتالي ليس بمقاييس المتعارف عليها.
{ من هن الشاعرات اللواتي تأثرت بهن وخلقن لك طريقا وإلهاما لكتابة الشعر؟ قل من هو الشاعر الذي تأثرت به؟
– الشاعر أبو الطيب المتنبي عشقته كخرافة شعر ورجل حرف نصله ألبلاغه والشاعر قيس أبن الملوح العاشق الذي جننت بلون عشقه وتعرفت عليه عن كثب كعاشق مجنون ! وأحببت بدر شاكر السياب بكل (عصيات كوخ) التي كانت تنخر جسده النحيل وهو يصارعها أنهارا وشنا شيلا وجمالا وحبا. وكي لا أغضب ذائقتي الشعري فأني ما تخليت عن محبة لميعة عباس عمارة كشاعرة أرتدي غنجها قصيدة.
{ هل تعتبرين المجتمع المنفتح أمام فضائات رحبة وسيلة كامنة للانطلاق نحو مزيد من النجاح؟
– الانفتاح غير المتدرج أ وغير المتوازن هو أشبه بالترنح وعدم انتظام الخطوات ومن ثم التخبط في اللامتوزانات، كل الأشياء لابد لها تدرج أن ترى النور بشكل مفاجأ يحدث صدمة العمى ! أن تصعد أعلى السطح بقفزة قد تكون نهاية والأمثلة كثيرة، فلابد من خطوات مسبقة كي نكون عارفين بقيمة ذاك التدرج المنطقي وفي مفاهيمي أن الانفتاح يتأتى بالإطلاع على ثقافات أخرى من خلال السفر والأخلاط بالمجتمعات والقراءة عن عادات وثقافات الشعوب كي لانقع تحت طائلة الذهول!
{ ماريك بقانون الأحوال الجعفرية الذي وافق عليه مجلس الوزراء..وهل يأتي بمنافع للمرأة وكيف كان توقيته؟
– كثر الحديث عن أللتي للأسف الشديد مازالت المرأة مغتصبة !! أقول هذا وبكل ماتعنيه هذه المفردة من قسوة، ونحن في القرن الحادي والعشرين ومازال الفكر يتخبط بالضبابية ويبتعد عن منافذ النور كي يعيدنا الى عصور خلت القوانين في الحياة خاضعة لمعطيات الإنسان والبشرية وليس الإنسان خاضع لصيغ التطبيقات والتشريعات الكيفية، الدساتير السماوية بكل مراحل أزمنتها وعللا لسان كل أنبيائها ورسلها كانت في خدمة البشر والمرأة تحديدا، لذا لابد أن يكون هناك رفض لكل ماهو خارج عن صراط الحياة المستقيم وأي انحراف سيقع عنه المرفوض. الضجة التي جاءت مصاحبة لقانون الأحوال الجعفرية تزامنت مع ضجة الخطابات السياسية وربما هي مواقيت عراقية صرنا نعرفها ! عموما أنا ضد أي قانون يجعل من المرأة جسد مهاناً وسنوات صغيرة تغتصب تحت أي مسمى عرقي أثني مذهبي أقلي !! الكلمة هنا ألإنسانية هي الأبقى والمرأة متصدرة تلك الإنسانية.
{ كيف ترين حال أدب المرأة حاليا من وجهة نظرك؟
– دون رتوش ودون تزويق أقول (تخبط وصراعات للبقاء على الأنثى) !!
{ ماهو رأيك بدخول المرأة للمعترك السياسي حتى وان كانت أديبة؟
– قل ما رأيك في تغيب المرأة المثقفة والأديبة عن الساحة السياسية؟ ودون أدنى خط بياني (نازل) وبخطوط الطول والعرض التي تجدد مسارات الأرض أقول هي أي المرأة المثقفة الأديبة من يجب أن تكون متصدرة المشهد السياسي كونها تمتلك أرضية القيادة الصحيحة في الحياة اليومية وهي الأكثر تماساً مع أهمية العطاء على أسس إنسانية فكرية عالية، وبالمناسبة هذا الاسم (عالية) الذي سبق إنسانية فكرية أجد فيها مقومات المرأة التي يحتاجها الوسط السياسي في المرحلة الآتية كونها صوت واضح ومثقف مكتمل.