السيد – منهل الهاشمي

قصة قصيرة

السيد – منهل الهاشمي

   جدران متهرئة , تغطيها بيوت العنكبوت.. والعثة.. وخطوط الارضة التي احالته للوحة تجريدية طبيعية في بيت حواسم متهالك مسقّف بمعدن خفيف (الجينكو) كان اعجز من ان يمنع مطرا او شمسا. (ابو زينب) رجل توسط الستينيات عمرا , والعذابات دهراً. عاطل عن العمل كونه متخم بالامراض المزمنة : سكر.. ضغط.. تصلب الشرايين. شُفي باعجوبة من جلطتين قلبية سابقتين. زوجته لا تقل عنه امراضا وبؤسا ويأسا وأسىً. له ابنتان توأم معاقتان جسديا وعقليا في ربيعيهما الثالث عشر مقعدتان لاصابتهما الولاّدية بضمور في خلايا الدماغ. تتناوبان امهما وبكريتها (زينب) على خدمتهما واطعامهما وتغسيلهما وتنظيفهما بعد قضاء الحاجة.

  زينب عشرينية جميلة لم تنل حظها من التعليم سوى الابتدائية لضيق ذات اليد. ارملة لشهيد من الحشد الشعبي بقيت لاكثر من عام تراجع دائرة التقاعد لترويج معاملة زوجها الشهيد دون جدوى. في كل مرة كانت تنهمر عليها في الدائرة قصاصات الورق المكورة محتوية ارقام هواتف !!. كانت المعادلة واضحة بسيطة كسقوط المطر , تمشية المعاملة, وتسليم الرواتب بأثر رجعي مقابل تسليم نفسها… وبصور ومسميات شتى : زواج متعة.. صداقة.. علاقة حب بريئة !!. ولانها شريفة حرة رفضت ان تأكل من ثدييها فقد تكورت في زاوية الغرفة وحيدة.. معزولة مكتئبة تلوك آلامها.. ومعاناتها.. وعذاباتها , حتى اضطرت في النهاية للرقود وهي ترفس بقوة كما الطير المذبوح تحت تأثير قطبي التيار الكهربائي المار عبر صدغيها … فالكي كان آخر علاج لاكتئابها !.

   هم يعيشون على راتب الرعاية الاجتماعية, وما تجود به ايدي الكرام من جيران ومعارف وفاعلي خير, من مبالغ ومواد غذائية وملابس وسواها من متطلبات المعيشة. غدا ابو زينب نجما اجتماعيا معروفا.. ومألوفا لكثرة ما تتسابق القنوات الفضائية ومواقع التواصل الاجتماعي على عرض مأساتهم على الملأ وطلب الدعم لهم.

   هناك… في قلب غرفة المعيشة, تتوسط صورة عملاقة لـ(السيد) بلحيته البيضاء وعباءَته وعمامته السوداوين والممتدة من السقف حتى الارض, مع كل فجر حالما ينهض الرجل للصلاة فأول شيء يفعله – حتى قبل غسل وجهه – هو ان يمسح بعناية شديدة صورة (السيد) مخافة غضب الله …… و(السيد) !!!.

مشاركة