السيد الصدر وماعون الشوربة
هذه القصة حقيقية وقعت في يوم رمضاني بارد من كانون الثاني في عام 1998 كان الارتباك واضحاً على تصرفات و حركات (احمد) وهو يحاول ان يشغل نفسه في الطبخ للتحضير لوليمة الافطار مع عائلة صهره الحاج ابو حميد والد زوجته الرجل الكبير والوقور هذا اليوم يختلف عن كل ايام رمضان لا بل يختلف عن كل ايام عمره فمن اقيم على شرفه هذا الافطار ليس كباقي البشر.
انه السيد الذي يتكلم الجميع عنه وسيحل ضيفاً على هذا المنزل تأمل أحمد (الشوربة) التي يعدها والتي ستلمس شفاه (السيد) فياله من محظوظ وكم سيحكي لاصدقائه ويفتخر انه كان ممن طبخ الاكل الذي تناوله السيد وممن قدم للسيد الطعام وممن جلس امامه وتأمل وجهه عن قرب وسيجد ما يحكيه لأبـ ……… عصرت قلبه في تلك اللحظة غصة ألم فليس لديه اطفال يحكي لهم قصة منذ ثلاث سنوات وهو ينتظر ان يرزقه الله سبحانه بطفل يفرح به تلك الفرحة والشوق الذي لم يذق طعمه ولكنه تخيله في عيون أخوته وفي عيون كل أب يراه وهو يحضن أبنه أو يقبل أبنته ويتلمسه عندما تحضن يده تلك الايادي الصغيرة والرقيقة للاطفال الذين يحبونه ويرتمون في حضنه عندما لا يجدون ابائهم ولكنهم يتركونه مهرولين الى ابائهم وهم يرددون لفظة : بابا .. بابا .. أأأه كم يحب هذه الكلمة كم يتمناها ولكنه منع منها بمشيئة الله وهو سلم أمره الى الله بعد ان عجز الطب والاطباء من شفائه وصارحوه ان ينسى ويتوقف عن التفكير ويستسلم فلا أمل من أن يرزق بطفل وباتت حياته هي ممماته ولكنها استعادة بعض حيويتها وتحرك الماء الراكد في نهر روحه عندما تحرك الناس واستشعر تلك النهضة في النفوس الميتة وعادت روح الامل تنمو في الارض اليباس عندما رواها هذا السيد فتعلقت القلوب والابصار والافئدة بحبائل نهضته ضد الظلم والاستبداد والجهل.
أنتبه أحمد على صراخ الشباب وصوت السيارة التي وقفت في باب الدار هرع الى الخارج ليستقبل السيد فلفت نظره شدة الضياء الذي كان ينبعث من المقعد بجانب السائق لم يستطيع ان يميز من شدته ملامح الرجل جلس السيد مع الضيوف ينتظرون رفع الاذان ليصلوا ومن ثم يفطروا فسأل عن الحاج (أبو حميد) فقيل له أنه مريض ومتوعك و لا يستطيع النهوض من الفراش فدعى له السيد بالشفاء والعافية اما الشباب فأنشغلوا في تحضير الطعام وتجهيزه للافطار.
ومع ارتفاع صوت الاذان من أحد الشباب طلبوا من أحمد ان يقدم (ماعون شوربة) للسيد ليفطر بها قبل الصلاة وتقدم أحمد حاملا الصحن الى السيد الذي بادر بأخذ رشفات بسيطة من ذلك الصحن وقرأ عليه بعض الآيات ثم ارتفعت عيناه الى أحمد الذي كان متسمراً يراقب السيد كيف يأكل فأعطى السيد ذلك الصحن الى أحمد وقال له : أعطوا الصحن للحاج ليأكله وانشاء الله سيكون فيه الشفاء …..
أخذ أحمد الصحن ليأخذه الى الاعلى ولكنه توقف وتوقفت في رأسه تلك الكلمة (انشاء الله يكون فيه الشفاء) فتذكر ما به من مرض و معضلة عجز عنها الاطباء و لم يدري الا وهو واقف خلف جدار المطبخ يلتهم تلك الشوربة مؤمناً أن فيها الشفاء و لم يأكل غيرها لا بل لم يشرب الماء فصمم ان لا يدخل جوفه الا تلك الشوربة … ولا يتغذى جسده الا عليها … وفي المساء عاد أحمد الى بيته وزوجته ….
بعد تسعة أشهر من هذه الحادثة كان أحمد أب لتوأمين اولاد أثنين كالاقمار ووجد أحمد قصة رائعة يحكيها لأبنائه و يحكيها لأصدقائه فقصها عليّ مرة في محله الذي يصلح فيه الثلاجات في قضاء الهندية بعد أستشهاد السيد وكانت دموع الفرح ودموع الحزن تمتزج في أعيننا عندما نستذكر ابانا السيد (محمد الصدر) في كل يوم وكلما رأيت ابنيًّ أحمد الذي أغتالته الايادي السوداء في يوم كئيب أخر .
علي فاهم – بغداد
AZPPPL