السياسة التركية بعد انقلاب مصر
مراد يتكن
ترجمة ــ سناء عبدالله
منذ وقوع الانقلاب العسكري الذي أطاح بالرئيس المصري المنتخب محمد مرسي في الثالث من تموز الماضي، انتهجت الحكومة التركية دبلوماسية نادرة، ان لم تكن فريدة في تاريخ علاقاتها الدبلوماسية. وفيما اتخذت الحكومة التركية موقفها مدفوعة بتجربة تركية مريرة، يصر رئيس الوزراء التركي رجب طيب اردوغان على عدم قبول سياسة الأمر الواقع التي فرضها الجيش المصري، ويواصل مناشدته زعماء العالم والمؤسسات الدولية لاعادة الرئيس مرسي الى منصبه؛ أي بعبارة أخرى، التراجع عن الانقلاب. وقد يعكس الموقف التركي ذروة السياسات المبدئية ، التي عبر عنها وزير خارجية البلاد أحمد داود أوغلو مرارا عند وصفه السياسة الخارجية لحكومة حزب العدالة والتنمية التركي التي مضى على بقائها في السلطة نحو احدى عشرة سنة. وعلى هذا النهج أيضا، تم توضيح السياسة الخارجية التركية حيال التدخل في الحرب الأهلية في سوريا. ولم تقتصر ادانة الانقلاب العسكري في مصر على الحكومة التركية، بل سارعت قوى المعارضة التركية ومؤسسات المجتمع المدني الى ادانته أيضا، على نحو وكأنها تريد أن تقول بأنها لن تسمح بانقلاب عسكري مشابه في تركيا أبدا. والى جانب المخاوف السياسية الداخلية في تركيا، فقد حظي موقف تركيا المعارض للاطاحة برئيس منتخب من قبل الجيش بتأييد الشعب التركي، بغض النظر عن التوجهات الاستبدادية التي ربما يكون الرئيس المصري قد انتهجها خلال فترة حكمه التي استغرقت سنة واحدة. ولكن السؤال الملح هو هل إن اصرار أردوغان على التراجع عن الانقلاب يمثل مهمة مستحيلة التحقيق؟ في هذا الصدد، تفيد التقارير الأخيرة بأن الادارة الأمريكية كانت على اتصال بكل من الرئيس مرسي والجيش المصري لبعض الوقت، من أجل التوصل الى حل وسط لتجنب حدوث الانقلاب العسكري. وينبغي التنويه أيضا الى أن البيت الأبيض قد أكد موقفه القاضي بالحفاظ على مسافة متساوية من جميع الأحزاب السياسية في مصر، حتى بعد أن تلقت هذه الادارة رسالة انقرة بشأن ضرورة دعم مرسي ونظامه. وعليه، بوسعنا أن نستنتج بأن تغييرا جذريا في موقف الولايات المتحدة بشأن مصر أمر غير متوقع. تجدر الاشارة في هذا السياق، الى أنه من غير المتوقع أن يتخذ الاتحاد الأوربي، الذي يحتاج الى اجماع اعضائه الذين يبلغ عددهم 28 دولة، الموقف الذي اتخذته أنقرة. في الواقع، يبدو أن أردوغان قد آلمهُ موقف البلدان الاسلامية الصديقة، ولا سيما السعودية وقطر، شريكي تركيا في الوضع السوري، اللذين ساعدا تركيا ايضا في مواجهة أزمة منطقة اليورو خلال السنوات القليلة الماضية من خلال دعمها بالموارد المالية. ولعل من الجدير بالذكر في هذا السياق، أن تركيا ربما فشلت في قراءة الصورة الكاملة لانتقال السلطة في قطر في 25 حزيران الماضي وربما بسبب الأزمة الكبرى التي حدثت مع المانيا والاتحاد الأوروبي بسبب أحداث متنزه جيزي ، التي لعبت دورا في الدعم الدبلوماسي الذي تلقاه الانقلاب العسكري في مصر من جانب العالم العربي. وبموجب عملية انتقال السلطة التي حدثت في دولة قطر، ترك أمير قطر، حمد بن خليفة آل ثاني، كرسي الحكم لصالح الدماء الجديدة لنجله ذي الثلاثة وثلاثين سنة، الأمير تميم، في وقت تمت فيه تنحية رئيس الوزراء أيضا ووزير الخارجية حمد بن جاسم، الذي يشار اليه أيضا بوصفه الرجل الذي يشرف على التدخل العسكري الغربي الهائل في الحرب السورية.
وفوق كل ما تقدم، فقد أخذت التطورات في مصر منحى أكثر حدة عقب حادثة اطلاق النار على مؤيدي مرسي في ساحة رابعة العدوية في القاهرة بتاريخ 8 تموز الجاري، مما تسبب في مقتل العشرات من المحتجين. وقد تسببت هذه الحادثة في توجيه الأخوان المسلمين نداء يطالب بالانتفاضة، مما يجعل اعادة تنصيب مرسي في الحكم أكثر صعوبة. ومن المرجح بأن تعمد الامم المتحدة والولايات المتحدة والبلدان العربية الى تركيز جهودها على تشكيل حكومة انتقالية مؤقتة تقود البلاد الى انتخابات في أقرب فرصة ممكنة وبأكبر قدر ممكن من الحرية، والسماح لمرسي والأخوان المسلمين بأن يشاركوا فيها بحرية. تجدر الاشارة الى أن هناك جماعات من بين المؤيدين لحزب العدالة والتنمية ممن يطالبون بقطع العلاقات الدبلوماسية مع قادة الانقلاب العسكري في مصر. ويبدو أن هذا التوجه أقرب الى اتخاذ موقف مبدأي متطرف، وقد يتسبب في مزيد من الضرر للوضع التركي القائم حاليا في الشرق الأوسط ومنطقة شرق البحر الأبيض المتوسط. ومما يذكر بأن تركيا لا تملك حاليا علاقات دبلوماسية مع سوريا. ويذكر أيضا بأن اسرائيل قد جمدت محادثاتها التصالحية مع تركيا، عقب ملاحظات أبداها اردوغان وبعض من وزرائه وجدها الاسرائيليون معادية للسامية . ومما يذكر أيضا بأن الخطوط الجوية التركية لم تعد قادرة على الوصول الى الاردن الاّ عبر الأجواء المصرية مما يضاعف فترة الطيران، بسبب الخلافات تلك. ولم يعد لتركيا الا صلات محدودة مع النصف الشيعي في لبنان بسبب النزاع في سوريا، وليس لها الا صلات ضعيفة بالنصف العلماني للدولة الفلسطينية بسبب التزامها بدعم حكومة حماس المرتبطة في غزة بجماعة الاخوان المسلمين. يضاف الى ذلك، ان أنقرة لا تعترف بالجزء اليوناني من قبرص. باختصار، ان قطع أو خفض مستوى العلاقات مع الحكومة الانقلابية في مصر لا يبدو من أكثر الأمور عقلانية بالنسبة لحكومة اردوغان. هذا يعني بأن تحولا كبيرا في السياسة الخارجية التركية باتجاه الواقعية السياسية سيكون ضروريا، والذي ستكون له عواقب داخلية على السياسيات الداخلية أيضا.
صحيفة حريت التركية
AZP07