السوق السوداء تنتعش وأزمتا الغاز والمازوت تعودان للواجهة في سوريا
دمشق ــ منذر الشوفي
لم يمض وقت طويل على انفراج ازمتي الغاز والمازوت التي عانى منها المواطن السوري خلال الفترة الماضية حتى عادة للظهور الى الواجهة مرة اخرى، ولكن هذه المرة كانت اقوى في ظل اعتراف الحكومة السورية بوجود نقص بتلك المادتين بحدود 50 بالمائة، بسبب العقوبات الاقتصادية التي فرضت على سوريا قبل اشهر.
وفي جولة على مراكز توزيع الغاز في دمشق العاصمة، تجد أرتالا من المواطنين صراخ وتزاحم وفوضى… نساء ورجال وفتية، اصطفت أمامهم اسطوانات الغاز لتشكل رتلاً آخر موازياً لهم البعض شد رحاله منذ ساعات الصباح الأولى ليحط عند مركز التوزيع ويغص المكان بالناس حتى قبل أن تتم تعبئة السيارة من المركز الرئيسي. وامام هذا الازدحام الكثيف للحصول على اسطوانة غاز، وهربا من الانتظار تحت اشعة الشمس المرتفعة، يأتي احدهم ليقول بصوت منخفض، هل تشتري اسطوانة الغاز؟ تسأله بكم؟ فيقول لك بـ 1200 ليرة سورية اي ما يعادل 25 دولار للاسطوانة الواحدة، واحيانا تباع 1500 ليرة، علما ان سعرها النظامي بـ 400 ليرة سورية، وهذا الامر ينعش السوق السوداء او ما يسمون بتجار الازمات. مراسل الزمان تجول في عدد شوارع دمشق، وتنقل بين اكثر من مركز لتوزيع الغاز الخاص والعام، وجال كذلك على عدد من محطات الوقود، لاحظ المئات من المواطنين السوريين ينتظرون امام مراكز توزيع الغاز ومعهم اسطوانات الغاز الفارغة على امل ان يعود الى منزله، وقد ضفر باسطوانة غاز. اما امام محطات الوقود فكانت السيارات التي تعمل على المازوت والشاحنات الكبيرة والجرارات الزراعية وسرافيس نقل الركاب، اصطفت كذلك الامر منذ ساعات امام المحطات للحصول على بضع ليرات من المازوت بغية مزاولة اعمالها المختلفة. كما ان بعض المحلات التي تعتمد على استخدام مادة الغاز وخاصة المطاعم أغلقت مبدئياً لأن حاجتها كبيرة ويضطر أصحابها لشراء الغاز من السماسرة، وبالمبلغ الذي يفرضونه وبعدد ربما يفوق الحاجة، وأكثر ما يثير الدهشة والحيرة والاستغراب أن التوزيع يتم وفق البطاقة العائلية كما يقول المعنيون هذا للمواطنين. المواطن احمد مرشد متزوج وأب لطفلين قال لـ الزمان أتيت من منطقة صحنايا التابعة لريف دمشق جنوبا لعدم توافر مادة الغاز، على ان احصل على اسطوانة غاز لمنزلي الخالي منه منذ اربعة ايام ، مشيرا الى ان يتردد على مركز المزة منذ نحو اسبوع، مؤكدا انه جاء اليوم من الساعة الرابعة فجراً وجاءت السيارة إلى هذا المركز وذهبت معظم حمولتها للجهات الحكومية ونحن مازلنا ننتظر الفرج . ومن جانبها طالبت السيدة فاطمة من سكان دمشق الجهات المعنية في سوريا بضرورة تأمين هذه المادة الضرورية للمواطنين، مشيرة الى ان منذ اكثر من اسبوع وهي تأتي الى هذا المركز من اجل الحصول على اسطوانة غاز ولم تنجح حتى الان في الحصول عليها. وقالت السيدة فاطمة لـ الزمان ليس بمقدوري شراء اسطوانة الغاز من السوق السوداء بـ 1200 ليرة ، مؤكدة ان تطهو الطعام على سخانة تعمل على الكهرباء، مبينة ان وجبة الطعام تحتاج لساعات لكي تنضج على سخانة الكهرباء. أم عدنان امرأة مسنة افترشت الأرض تنتظر الفرج قالت أتيت من الديماس غربي دمشق منذ الساعة الثالثة صباحاً وسلمت الاسطوانة الفارغة واستلمت ايصالاً ودفعت ثمن الاسطوانة ولكن كما ترى أنا لا أستطيع أن أزج بنفسي بين هذه الجموع وأنتظر مع جيراني لنحصل على حاجتنا ونغادر معاً . وبدوره قال خالد حمدان لـ الزمان ان هذه الازمة جعلتنا نستخدم ادوات عفى عليها الزمان، واصحبت من التراث ، مؤكدا انه اشترى بابور يعمل على الكاز من اجل طهي الطعام لعائلته بأسعار خيالية. واشار المواطن السوري حمدان إلى أنه في الأزمة السابقة كانت تجول في الأحياء سيارة سوزوكي تبيع مادة الكاز معبأة بعبوات ماء بقين ليتر ونصف الليتر بـ 150 ــ 175 ليرة أما في هذه الأوقات فلم نرها حتى الآن ربما يرتب المستغلون أنفسهم لرفع سعر المادة التي هي قليلة أساساً وعندما صرح الوزير ألم يكن يعلم أنه ليس كل المحطات تبيع هذه المادة لابد للمعنيين من إيجاد حل لهذه المسألة المستعصية. أبو حسن صاحب محل معجنات وصاجيات قال بحسرة وهو ينظر إلى محله الخالي إلا منه ومن عامل آخر فقد اضطر لصرف اثنين من عماله، مضيفا ما إن نخرج من أزمة حتى ندخل في أخرى جميعنا يقدر الأوضاع ونحاول أن نتعامل مع الأزمة ونتحايل على الوضع بشكل أو بآخر اضطررت لشراء أسطوانة الغاز بـ 1300 ليرة من السوق السوداء ولكن ما يبعث على الحيرة هو توافر المادة بسعر مرتفع شبيك لبيك يقولون إن التوزيع وفق البطاقة العائلية أي إن العائلة ستستجر حاجتها لمدة شهر ، مستائلا من أين تتسرب الأسطوانات إلى مستودعات السماسرة..؟ على الجهات المعنية تزويد المحلات بحاجتهم أنا واحد ممن اضطرتهم الأزمة للاستغناء عن بعض العمال لحين توافر المادة وإقلاعنا من جديد فشراء الأسطوانة من السوق السوداء يعني أن نرفع سعر إنتاجنا وهنا سنتعرض للعقوبات التموينية وربما لإغلاق المحل. وقال أحد المعنيين في مركز توزيع الغاز في المزة رفض الكشف عن اسمه في تصريحات صحيفة نشرتها احد الصحف الرسمية في سوريا إن أسطوانة الغاز تسلم وفق البطاقة العائلية بسعر 400 ليرة وهو السعر النظامي ، مشيرا إلى أن المركز يوزع وسطياً نحو 1200 ــ 1400 أسطوانة غاز يومياً في حين ان دمشق تحتاج الى ما يقارب 50 ألف اسطوانة تقريبا يوميا. كما ذكر موقع دي برس السوري ان نقص مادة المازوت عن مناشر الحجر التي تعتبر المصدر الرئيسي لعمل 600 عائلة في منطقة الرحيبة بريف دمشق شمالا بتوقف 20 منشرة منها عن العمل بشكل كامل فيما لازالت السبع مناشر المتبقية تعمل بربع طاقتها الانتاجية وهي مهددة بالتوقف عن العمل خلال أيام أيضاً. وقال أحد القائمين على منشرة حجر أنه لم يأت ليتر مازوت واحد لأي منشرة منذ 15 يوم، علماً بأن كل منشرة تشغل من 15 إلى 20 عاملاً، وأن بعض المناشر التي تعمل بربع طاقتها الآن تستخدم الكهرباء والتي لاتفي بالغرض بسبب انقطاعها في ساعات الذروة، أضف إلى ذلك فإن المولدة الواحدة تحتاج إلى 250 لتر مازوت يومياً لتعمل لمدة 8 ساعات، مبيناً بأن 20 سيارة كانت تغادر للبنان أسبوعياً وتنقل من 750 إلى 800 متر مربع من الحجر، وتدر بناء عليه إيرادات بالقطع الأجنبي على المنطقة تصل من 15 إلى 20 مليون ليرة أسبوعياً حسب بيانات لشركة الصرافات التي تستقبل هذه الحوالات المالية.
وقال زياد الظاهر سائق سرفيس لنقل الركاب بريف دمشق لـ الزمان نقف يوميا عدة ساعات على محطات الوقود للحصول على مادة المازوت، ومعظم الاحيان لانحصل عليها مما يضطرنا الامر الى التوقف عن العمل، وعدم تقديم الخدمات للمواطنين ونقلهم الى مدينة دمشق ، مشيرا الى ان المادة متوفرة في السوق السوداء لدى اشخاص يبيعون الليتر الواحد بـ 35 الى 40 ليرة سورية، علما ان سعره النظامي 20 بعد ان كان 15 قبل ايام من رفعه. ومن جانبه اكد احد سائقي باصات النقل اننا نضيع ساعات طويلة من وقتنا في الحصول على مادة المازوت وهذا الامر ينعكس سلبا على المواطن السوري الذي ينتظر وصول الحافلة لتقله الى منزله او مكان عمله . ويطالب السوريون من الحكومة السورية تشكيل خلية ازمة لمعالجة النقص الحاصل في مادتي الغاز والمازوت الذي انعكس سلبا على مختلف القطاعات الاخرى، حيث يعاني المواطنون السوريون الان من ازمة خبز، بسبب عدم توفر مادة المازوت التي تحتاجها الافران لانتاج الكمية اللازمة من الخبر للمواطنين السوريين.
ويخشى السوريون كذلك ان تستمر الامور على هذه الشاكلة لعدة ايام، دون معالجة واضحة وسريعة من الحكومة السورية التي لا تستطيع ان تفعل شيئا في ظل ظروف فرض العقوبات الاقتصادية عليها، التي شلت حركتها بسبب الحصار الخانق لها.
/6/2012 Issue 4220 – Date 7 Azzaman International Newspape
جريدة الزمان الدولية العدد 4220 التاريخ 7»6»2012
AZP02