السلطة الرقمية والرأي العام – مهند عماد عبدالستار

السلطة الرقمية والرأي العام – مهند عماد عبدالستار

الحكومات عامةً ترتكز في إدارتها للدولة على ثلاث سُلطات وهي: السلطة التشريعية المُختصة بتشريع القوانين والرقابة على عمل الجهات التنفيذية، وتليها السلطة التنفيذية التي تُطبيق القانون وترعى مصالح أفراد المجتمع وإدارة شؤونهم وآخرها السلطة القضائية المعنية بإحقاق الحق والوقوف أمام الظلم والأذى الذي يضر بالمصلحة العامة أو بمصلحة الأفراد وأحوالهم والحُكم بينهم.

عادةً يكون للدولة أجهزة رقابية واستخباراتية ومخابراتية وأمنية وصحية وإدارية وقضائية، ولكل جهة رقابية مما ذُكر اختصاصها في المتابعة والرقابة وكتابة التقارير ورفعها للجهات العُليا المسؤولة في البلاد للوقوف عند مَواطن الخرق والخلل بغية معالجته ووضع حلول قد تكون آنية وقد تكون مستقبلية تفاديًا لتكرار تلك الخروقات التي قد تُصيب الأمن الغذائي أو الأمن الصحي أو الأمن عن الحياة… وهلمَّ جرَّا.

قبل اِنتشار منصات التواصل الاجتماعي كانت الحكومات معتمدة في الوقوف عند المشاكل التي تعيق عملها على الجهات الرقابية اعتمادًا كُليًّا في أداء مهامها وذلك عن طريق الرقابة والمتابعة وتصحيح اعوجاجها وتعديل مسارها وتقويم انكسارها ليظهر لنا بأن الشعَب راضٍ على حكوماته كونها متابعة لشؤونهم وإدارة أحوالهم، لكن ونحنُ اليوم في عصر العولمة قد تغيرت الثوابت ولا غرابة في ذلك التحول بسبب الرقمنة والتكنولوجيا.

باتت الحكومات اليوم مُتأثرة بالرأي العام الذي يتم نشرهُ على منصات التواصل الاجتماعي لتصحيح مسار عملها، فبات الرأي العام الرقمي هو الذي حلَّ محل تلك الجهات الرقابية، فاليوم لو أردنا إزالة بناية آيلة للسقوط في أحد الأزقة فلا حاجة للشكوى عند الجهات الحكومية وبالطرق التقليدية وإنما تصوير تلك البناية ونشرها على منصات التواصل الاجتماعي وتداولها بين الصفحات الأكثر شُهرةً، فترى البلدية تتحرك طواعيًا وتلبي متطلبات الرأي العام!.

بعد فاجعة مدينة الكوت إحدى المُدن العراقية واحتراق سوبر ماركت خاص للتسوق الذي كان خالٍ من وسائل الصحة والسلامة واستشهاد قُرابة المائة شخص أو أقل”رحمهم الله تعالى”، وبسبب ضغط الرأي العام على الحكومة المحلية لمحافظة واسط تحركت وزارة الداخلية العراقية وشرعت بشراء طائرات خاصة بإطفاء الحرائق وطلبت من المواطنين وعلى مستوى العراق تصوير أي مبنى لا تتوافر فيه متطلبات الصحة والسلامة كي يتم إغلاقه فورًا واتخاذ الإجراءات القانونية بحق صاحب المشروع، فأين دور الجهات الرقابية التابعة للدفاع المدني من شراء طائرات خاصة بإطفاء الحرائق كإجراء وقائي؟ وهل كانت تلك الجهات الرقابية تنتظر ضغط الرأي العام لكي تُلبي واجبها وعملها؟ لا بل حل الرأي العام الرقمي محل الجهات الرقابية في التفتيش والتبليغ؟

إذن بات الرأي العام الرقمي ذا دور فعّال وتأثير، يلجأ له أفراد المجتمع لتحقيق متطلباتهم وحماية مصالحهم وإدارة شؤونها ومواكبة التطورات في الحياة، لا بل حتى توسع دور الرأي العام الرقمي وبدا تأثيره على القضاء وأحكامه والبرلمان وتشريعه للقوانين، مما ينم عن حدوث شلل يُصيب دور الجهات الرقابية وتعطلها عن أداء وظيفتها التي أُسست من أجلها.

– بغداد

مشاركة