كلام أبيض
السد الغاطس.. أمنية تراودني – جليل وادي
يبدو ما زلت لم أفق بعد من أجواء سفرتي الأخيرة الى اسطنبول، فهذا المقال الثالث على التوالي الذي تشغلني فيه مسألة السياحة، وقد تتذكرون معي ان كل مشاركة لي في مؤتمر او فعالية علمية خارج البلاد، يذهب اهتمامي الى حركة السياحة في تلك البلدان، وكيف تُدير الجهات المعنية منشآتها السياحية بهذه الجودة، بحيث تجذب السياح من مختلف الجنسيات. ومع ان نظري دؤوب على رؤية كل شيء، لكن الحسرات والعبرات تتكسر في صدري مع كل نظرة ، لماذا ؟ لأننا لم نعِ بعد ما يمكن أن تفعله السياحة في بلادنا بمردوداتها المالية، وترطيبها لمزاجنا الاجتماعي، وتخفيفها لحدة التشنج في ثقافتنا، ومع كل ما قيل عن السياحة ما زال تفكيرنا لا يتجاوز اطار الكلام، ولم نتمكن من تجسيده بخطوات عملية ملموسة، وفي أحسن الأحوال ننجز مشروعا ترفيهيا، وبالمقابل نهمل آخر يكمّل الأول، مع ان الأول لا قيمة له من دون الثاني.
مثلا: ما الجوانب الجمالية لكورنيش على ضفاف نهر يخلو من الماء ؟، ألا ترون معي ان البهجة والجمال تبلغ أوجها عندما يكون الماء عنصرا أساسيا في المشروع السياحي، فللماء سحر أخاذ، لذا ترانا نقضي الساعات تلو الساعات أمام الأنهار والبحار دون ملل، فبلد مثل أرمينيا ليس لديه من السياحة سوى بحيرة (سيفان)، لكنها محط جذب للسياح بضمنهم نسبة كبيرة ان لم تكن الأكبر من العراقيين، بينما لدينا العديد من البحيرات في أكثر من محافظة، لكننا لم نستثمرها بحيث تكون مقصدا جاذبا للعراقيين على أقل تقدير. دعوني أتحدث هذه المرة عن محافظتي ديالى التي لا تبعد عن العاصمة سوى ما يقرب الستين كيلو مترا، وفيها من المواقع السياحية الطبيعية كبحيرة حمرين، ما يجعلها متنفسا لأبناء المحافظة، وكذلك لسكان مدينة بغداد الذين بات عددهم يقترب من التسعة ملايين.
لقد شيدت ادارة المحافظة وبجهود تشكر عليها كورنيش لطيف على ضفاف نهرها الذي يتوسط مدينة بعقوبة، لكن هذا المشروع فقد جزءا كبيرا من جماليته وجاذبيته بسبب خلو النهر من الماء، ومع ذلك يرتاده الأهالي بوصفه متنفسا كبيرا، والوحيد المجاني في المحافظة، بينما كان عدد المرتادين أكبر يوم امتلأ النهر بالماء أثناء الفيضان المسيطر عليه، وكان هذا قبل تشييد الكورنيش، فقضت فيه العوائل البعقوبية أوقاتا ممتعة بمرآه والاستمتاع بجولات نهرية على متن زوارق صغيرة.
وبعد انحسار الماء في النهر، تساءلت كيف يمكننا ابقاء النهر ممتلئا، لذلك خطرت في بالي فكرة انشاء سد بمستوى معين بحيث لا تتضرر مناطق ما بعد السد، والحقيقة كنت مترددا في طرح الفكرة على المسؤولين التنفيذين فقد تكون غير عملية، فضلا عن عدم تخصصي بالأمور الهندسية وما يتعلق بالموارد المائية، ما يقلل من شأني في نظرهم، لا سيما ان البعض بات يسخّف الأفكار والمبادرات حتى قبل فهم فكرتها بالكامل.
ولاحقا طرحت الفكرة على صديقي مدير بلدية بعقوبة الأسبق والمتقاعد حاليا المهندس أحمد سلمان كيطان، فأخبرني ان الفكرة مطروحة منذ سنوات عديدة، وقد أعدت المخططات لإنشاء سد غاطس في النهر، لكن معوقات عديدة حالت دون المباشرة به، وتحفظ على ذكر تلك المعوقات.
وظلت أمنية السد الغاطس تراودني كلما عبرت النهر، فأتخيل صورته وهو ممتليء بالماء، والناس متجمهرين على ضفافه، وأسمع قهقهات الأطفال، وهم يرمون بقايا الطعام للطيور والأسماك، الا ان ما أحبطني شكوى نائب رئيس مجلس المحافظة سالم التميمي من الجهات التي تقف عائقا أمام هذا المشروع الترفيهي المهم، ذلك انها تفضل القيام بمشاريع صغيرة تنطوي على مكاسب انتخابية بالرغم من ضآلة أهميتها، وهكذا تبدد حلمي بالسير في شارع الرشيد، متطلعا الى السياح الأجانب وهم يتبضعون من محاله، ويتناولون أكواب الشاي في مقاهيه، كما استمتعت بجنسيات العالم وهي تعتلي السفن لجولة بحرية بين ضفتي خليج البسفور.
jwhj1963@yahoo.com