الساري الهندي..مهدد

فاراناسي‭ (‬الهند‭) (‬أ‭ ‬ف‭ ‬ب‭) – ‬يتمسك‭ ‬الهندي‭ ‬محمد‭ ‬سراج‭ ‬الدين،‭ ‬في‭ ‬مشغله‭ ‬ذي‭ ‬الإضاءة‭ ‬الخافتة،‮  ‬باستخدام‭ ‬التقنيات‭ ‬اليدوية‭ ‬في‭ ‬تصنيع‭ ‬الساري‭ ‬الحريري،‭ ‬وهو‭ ‬تالياً‭ ‬أحد‭ ‬آخر‭ ‬نسّاجي‭ ‬مدينة‭ ‬فاراناسي‭ ‬الذين‭ ‬يعتمدون‭ ‬‮ ‬الطريقة‭ ‬الحرفية‭ ‬في‭ ‬إنتاج‭ ‬هذا‭ ‬الزيّ‭ ‬النسائي‭ ‬التقليدي‭.‬

وتشكّل‭ ‬جودة‭ ‬الأقمشة‭ ‬المستخدمة‭ ‬ودقّة‭ ‬الأنماط‭ ‬المرسومة‭ ‬عليها‭ ‬سبب‭ ‬الشهرة‭ ‬التي‭ ‬اكتسبتها‭ ‬منذ‭ ‬قرون‭ ‬ملابس‭ ‬الساري‭ ‬الحريرية‭ ‬المصنّعة‭ ‬في‭ ‬فاراناسي،‭ ‬وهي‭ ‬مدينة‭ ‬في‭ ‬ولاية‭ ‬أوتار‭ ‬براديش‭ (‬شمال‭ ‬الهند‭)‬،‭ ‬تشكّل‭ ‬مقصداً‭ ‬للحجاج‭ ‬للهندوس‭ ‬كونها‭ ‬تقع‭ ‬على‭ ‬ضفاف‭ ‬نهر‭ ‬الغانج‭ ‬المقدّس‭ ‬لديهم‭. ‬لكنّ‭ ‬حرفيي‭ ‬المدينة‭ ‬الذين‭ ‬يصرّون‭ ‬على‭ ‬حياكة‭ ‬هذه‭ ‬الملابس‭ ‬يدوياً‭ ‬باتوا‭ ‬اليوم‭ ‬عرضة‭ ‬لمنافسة‭ ‬شرسة‭ ‬من‭ ‬الساري‭ ‬الصيني‭ ‬المنخفض‭ ‬الثمن‭ ‬الذي‭ ‬غزا‭ ‬الأسواق،‭ ‬ويشكّل‭ ‬استخدام‭ ‬المناسيج‭ ‬الآلية‭ ‬خطراً‭ ‬يهدد‭ ‬استمراريتهم،‭ ‬فيما‭ ‬لا‭ ‬تزال‭ ‬مبيعاتهم‭ ‬متأثرة‭ ‬سلباً‭ ‬ببطء‭ ‬التعافي‭ ‬من‭ ‬جائحة‭ ‬كوفيد‭-‬19‭.‬

وينتمي‭ ‬محمد‭ ‬سراج‭ ‬الدين‭ ‬إلى‭ ‬قلّة‭ ‬من‭ ‬نساجي‭ ‬فاراناسي‭ ‬لا‭ ‬تزال‭ ‬تقاوم‭ ‬المناسيج‭ ‬الكهربائية‭ ‬التي‭ ‬تتميز‭ ‬عن‭ ‬تلك‭ ‬اليدوية‭ ‬بسهولة‭ ‬الاستخدام‭ ‬وسرعة‭ ‬الانتاج‭.‬

ويقول‭ ‬الرجل‭ ‬البالغ‭ ‬65‭ ‬عاماً‭ ‬لوكالة‭ ‬فرانس‭ ‬برس‭ ‬داخل‭ ‬مشغله‭ ‬الذي‭ ‬يقيم‭ ‬فيه‭ “‬إذا‭ ‬جلتم‭ ‬في‭ ‬الحي،‭ ‬ستلاحظون‭ ‬أنّ‭ ‬هذا‭ ‬المنزل‭ ‬هو‭ ‬الوحيد‭ ‬الذي‭ ‬يحوي‭ ‬منسجاً‭ ‬يدوياً،‭ ‬لكنّ‭ ‬هذا‭ ‬الواقع‭ ‬سيستمر‭ ‬ما‭ ‬دمت‭ ‬على‭ ‬قيد‭ ‬الحياة‭ ‬ليس‭ ‬إلا،‭ ‬إذ‭ ‬ما‭ ‬مِن‭ ‬أحد‭ ‬يخلفني‭ ‬بعد‭ ‬رحيلي‭”.‬

ويشرح‭ ‬سراج‭ ‬الدين‭ ‬أنّ‮ ‬الحياكة‭ ‬باستخدام‭ ‬منسج‭ ‬يدوي‭ ‬تتطلب‭ ‬عملاً‭ ‬كثيراً‭ ‬وتنطوي‭ ‬على‭ ‬صعوبة‭ ‬كبيرة‭”.‬

ويُباع ساري‭ ‬واحد‭ ‬صممّه‭ ‬سراج‭ ‬الدين‭ ‬وزيّنه‭ ‬بخيط‭ “‬زاري‭” ‬ذهبي‭ ‬وبأنماط‭ ‬على‭ ‬شكل‭ ‬أزهار،‭ ‬بثلاثين‭ ‬ألف‭ ‬روبية‭ (‬390‭ ‬دولاراً‭)‬،‭ ‬لكنّ‭ ‬الربح‭ ‬الذي‭ ‬يبقى‭ ‬له‭ ‬ضئيل‭ ‬جداً‭ ‬إذ‭ ‬حُسِمَت‭ ‬من‭ ‬السعر‭ ‬‮ ‬أكلاف‭ ‬التصنيع‭ ‬وعمولات‭ ‬الوسطاء‭.‬‮ ‬

ويوضح‭ ‬أنّ‭ “‬تصنيع‭ ‬لباس‭ ‬ساري‭ ‬واحد‭ ‬يستغرق‭ ‬أياماً‭ ‬نظراً‭ ‬إلى‭ ‬المجهود‭ ‬الذي‭ ‬تتطلّبه‭ ‬العملية،‭ ‬فيما‭ ‬الربح‭ ‬الناجم‭ ‬عن‭ ‬بيعه‭ ‬لا‭ ‬يُذكر‭”.‬

وفي‭ ‬المقابل،‭ ‬يبلغ‭ ‬ثمن‭ ‬الساري‭ ‬المصنوع‭ ‬على‭ ‬منسج‭ ‬آليّ‭ ‬بين‭ ‬خمسة‭ ‬وعشرة‭ ‬آلاف‭ ‬روبية‭ (‬130‭ ‬دولاراً‭) ‬لكنّه‭ ‬يُصنّع‭ ‬بخيوط‭ ‬حرير‭ ‬اقلّ‭ ‬جودة‭.‬

ويشهد‭ ‬لباس‭ ‬الساري‭ ‬الخا

ص‭ ‬بمدينة‭ ‬فاراناسي‭ ‬طلباً‭ ‬واسعاً‭ ‬من‭ ‬الهنديات‭ ‬المقبلات‭ ‬على‭ ‬الزواج،‭ ‬وعادةً‭ ‬ما‭ ‬تتوارثه‭ ‬نساء‭ ‬العائلة‭ ‬الواحدة‭ ‬جيلاً‭ ‬عن‭ ‬جيل‭.‬‮ ‬

وترى‭ ‬مؤلفة‭ ‬كتاب‭ “‬ووفن‭ ‬تكستايلز‭ ‬أوف‭ ‬فاراناسي‭” ‬جايا‭ ‬جايتلي‮ ‬أن‭ ‬المكننة‭ ‬وانتشار‭ ‬المنتجات‭ ‬المقلّدة‭ ‬الصينية‭ ‬المنشأ‭ ‬في‭ ‬الأسواق‭ ‬انعكسا‭ ‬سلباً‭ ‬على‭ ‬أزياء‭ ‬الساري‭ ‬المنصوعة‭ ‬تقليدياً‭ ‬في‭ ‬فاراناسي‭.‬‮ ‬

‭-‬خطر‭ ‬النسخ‭ ‬الصينية‭ ‬المقلّدة‭-‬

وتقول‭ ‬جايتلي‭ ‬لوكالة‭ ‬فرانس‭ ‬برس‭ ‬إنّ‭ ‬الصينيين‭ “‬يصنّعون‭ ‬نسخة‭ ‬مقلدة‭ ‬من‭ ‬الساري‭ ‬الهندي‭ ‬الخاص‭ ‬بفاناراسي‭ ‬منذ‭ ‬مدّة‭”‬،‭ ‬معتبرةً‭ ‬أنّ‭ “‬الصين‭ ‬تفوقت‭ ‬على‭ ‬فاناراسي‭ ‬وتجارتها‭ ‬وإنتاجها‭ ‬للساري‭ ‬الهندي‭”.‬

وترى‭ ‬أنّ‭ ‬السلع‭ ‬الصينية‭ ‬ألحقت‭ ‬ضرراً‭ ‬كبيراً‭ ‬بالتصنيع‭ ‬المحلي‭ ‬للحرير بعد‭ ‬التحرير‭ ‬الاقتصادي‭ ‬الذي‭ ‬اعتمدته‭ ‬الهند‭ ‬في‭ ‬تسعينات‭ ‬القرن‭ ‬الفائت‭.‬

وتضيف‭ ‬أنّ‮ ‬‭”‬الخيوط‭ ‬والأقمشة‭ ‬الصينية‭ ‬اجتاحت‭ ‬المنتجات‭ ‬كلّها‭. ‬وساهمت‭ ‬المكننة‭ ‬ثم‭ ‬المنافسة‭ ‬الصينية‭ ‬وقدرة‭ ‬الصين‭ ‬على‭ ‬إنتاج‭ ‬كميات‭ ‬هائلة‭ ‬من‭ ‬المنتجات‭ ‬بأسعار‭ ‬منخفضة‭ ‬جداً‭ ‬في‭ ‬القضاء‭ ‬على‭ ‬كل‭ ‬صناعاتنا‭ (‬الحريرية‭) ‬التي‭ ‬كانت‭ ‬مزدهرة‭ ‬سابقاً‭”.‬

وتعتبر جايتلي‭ ‬أنّ‭ ‬على‭ ‬الحكومة‭ ‬الهندية‭ ‬مسؤولية‭ ‬انتهاج‭ ‬سياسات‭ ‬لصالح‭ ‬صناعة‭ ‬النسيج‭ ‬اليدوية‭ ‬وجعل‭ ‬تزويد‭ ‬النساجين‭ ‬بالمواد‭ ‬الأولية‭ ‬عملية‭ ‬سهلة‭ ‬بتكاليف‭ ‬أرخص‭.‬

وتقول‭ “‬ينبغي‮ ‬دعم‭ ‬صناعة‭ ‬النسيج‭ ‬التقليدية،‭ ‬إذ‭ ‬إنّ‭ ‬الهند‭ ‬تتمتع‭ ‬بأكبر‭ ‬تنوع‭ ‬من‭ ‬الحياكة‭ ‬اليدوية‭ ‬والتقنيات‭ ‬والمهارات‭ ‬واليد‭ ‬العاملة‭ ‬المؤهلة‭ ‬في‭ ‬العالم‭”‬،‭ ‬مضيفةً‭ ‬أنّ‭ ‬تقليد‭ ‬النسج‭ ‬اليدوي‭ “‬مصدر‭ ‬فخر‭”.‬

ومع‭ ‬أن‭ ‬ثمة‭ ‬فئة‭ ‬من‭ ‬الذوّاقة‭ ‬والميسورات‭ ‬لا‭ ‬تزال‭ ‬تُقبل‭ ‬على‭ ‬شراء‭ ‬الساري‭ ‬الحرفي‭ ‬المحلي،‭ ‬إلّا‭ ‬أنّ‭ ‬الطلب‭ ‬عليه‭ ‬أيصبح‭ ‬نادراً‭ ‬في‭ ‬السياق‭ ‬الاقتصادي‭ ‬الحالي‭ ‬لفترة‭ ‬ما‭ ‬بعد‭ ‬الجائحة‭.‬

ويشير‭ ‬اقتصاديون‭ ‬إلى‭ ‬أنّ‭ ‬الجائحة‭ ‬أدت‭ ‬إلى‭ ‬ارتفاع‭ ‬في‭ ‬تكاليف‭ ‬المعيشة،‭ ‬وانخفاض‭ ‬في‭ ‬الطلب،‭ ‬وخسارة‭ ‬وظائف،‭ ‬وتضخم،‭ ‬فيما‭ ‬لا‭ ‬تزال‭ ‬التوقعات‭ ‬الاقتصادية‭ ‬سلبية‭.‬

ويقول‭ ‬محمد‭ ‬شهيد،‭ ‬وهو‭ ‬تاجر‭ ‬يبلغ‭ ‬33‭ ‬عاماً‭ ‬من‭ ‬فاراناسي،‭ ‬لوكالة‭ ‬فرانس‭ ‬برس‭ ‬إنّ‭ “‬النساجين‭ ‬يعانون‭ ‬كثيراً،‭ ‬إذ‭ ‬لا‭ ‬يحصلون‭ ‬على‭ ‬السعر‭ ‬المناسب‭ ‬لمنتجاتهم‭ ‬ويأتي‭ ‬الدفع‭ ‬متأخراً‭”.‬

ورغم‭ ‬ذلك،‭ ‬يأمل‭ ‬شهيد‭ ‬في‭ ‬أنّ‭ ‬تتمكن‭ ‬قطاع‭ ‬صناعة‭ ‬النسيج‭ ‬اليدوية‭ ‬من‭ ‬التغلب‭ ‬على‭ ‬هذه‭ ‬التحديات‭ ‬الكثيرة‭.‬

ويقول‭ “‬من‭ ‬يعرف‭ ‬قيمة‭ ‬النسج‭ ‬اليدوي‭ ‬سيواصل‭ ‬شراء‭ ‬الساري‭ ‬الذي‭ ‬ننتجه‭”‬،‭ ‬معتبراً‭ ‬أنّ‭ “‬المنسج‭ ‬اليدوي‭ ‬التقليدي‭ ‬سيُستخدم‭ ‬بوتيرة‭ ‬أقل‭ ‬لكنّه‭ ‬لن‭ ‬يختفي‭ ‬أبداً‭”.‬

مشاركة