الزهراء..أم أبيها
واحدة من أربع بنات في أشرف وأكرم بيت
من يراجع سيرة هذه المرأة الطاهرة إنما يستعرض جزءاً أساسياً من سيرة المصطفى (ص) فقد وقفت معه وكافحت وتحملت الأذى ورعته بعد وفاة أمها الكريمة السيدة الجليلة خديجة بنت خويلد .
وقد شهد لها زوجها الأمام علي (ع) بأنها كانت مجاهدة وصابرة وقد سميت بأم أبيها لأن نسل النبي محمد (ص) في أحفاده قد أنحصر في أولادها الحسن والحسين (عليهما السلام) وكانت أحب الناس الى قلبه (ص) وكلهم أحباب لديه.
ويتبادر الى الذهن سؤال . من هي فاطمة (ع) ولماذا سميت بالزهراء ولماذا عرفت بأم أبيها وما هو الدور الذي قامت به . فاطمة (ع) أم أبيها كانت أشبه ما تكون في مشيتها وفي جلستها برسول الله (ص) وشهد لها بأنها بضعة منه (ص) خرجت فاطمة الزهراء الى الحياة في بيت من أعرق بيوت قريش فالأب الصادق الأمين لا يُدانيه احد من قريش في شرفه وصدقه وأمانته والأم ليس في مكة من النساء مَن تُدانيها شرفاً وعزةً ورفعة .
لقد أرتضى الله تعالى لزينب ورقية وأم كلثوم وفاطمة أن يخرجن الى دنياهن في أكرم بيت و أنبتهن سلالة قريشية عريقة أصيلة ما يعرف العرب أعز منها ولا أنقى . وأستقبلهن البيت الكريم أستقبالاً لم تظفر بمثله أي بنت بخلاف معظم البيوتات في مكة المكرمة فقد كان أهلها يستقبلون البنات بوجوه مسودة وقلوب خانقة لأن الأنثى عندهم كانت بشرى سيئة أما في بيت الزهراء (ع) فقد عد الزوجان نبينا محمد (ص) وخديجة (ع) هذه البشريات الأربع ثمرة طيبة لزواج سعيد قام على المودة الخالصة وأنه رزق من الله تعالى وهبة لهما وكانا مضرب المثل الحسن في الرضا بما وهب الله تعالى وبما منح . وقد رأى الأب الكريم في بناته الأربع اليانعات صورة لطيفة من زوجته الحنون التي أنسته بحنانها الفياض كل ما ذاق في طفولته من يتم وكانت له عوضاً جميلاً عما قاسى من حرمان .
وتجد الأم في بناتها الأربع فلذات حية من زوجها الحبيب الذي أخذت منذ عرفته بجلال طلعته وأسرها بنبل شخصيته وجميل خصاله فتفتح له قلبها المغلق . وأقبلت على الحياة من جديد تفتح شهيتها أكثر هذه الزهرات اللواتي ملأن البيت فرحاً وسروراً وحبوراً وحيوية .
واذا كانت البنات الأربع قريبات من قلب الأم فكلهن فلذات من فؤادها الا إن فاطمة (ع) أختصت بجزء أكبر من حبها لسببين .
الأول : أنها أصغر بناتها وهذا حق تفرضه العناية بالصغير .
الثاني : أنها أشبه بأبيها من حيث الجمال والجلال .
درجت البنات الأربع في حياتهن الأولى على ما نعرف من تقاليد البيوت القرشية العريقة فألتمست لهن الأم . واحدة بعد الأخرى . خير المراضع حتى أذا أدركن سن الفطام عدن الى حضانة الأم التي كانت لهن خير مربية وقد قيل كلهن كان لهن مرضعات ما عدا فاطمة فقد فازت وحدها بشرف الرضاعة من ثدي أمها خديجة .
أمضت فاطمة (ع) طفولتها سعيدة بحب أبويها وتدليل أخواتها وبخاصة كبراهن زينب التي كانت لها بمثابة أم صغيرة ، وقد رافقت هذه السيدة سيرة الدعوة الى الله والتي أحيطت بالحيطة والحذر والسرية التامة خاصة وقد بدأت الدعوة في مكة مركز دين العرب وقوم يعبدون الأوثان والأصنام المقدسة عندهم وقد كان الأمر يحتاج الى عزيمة وصبر وسرية في بداية الدعوة .
كان النبي (ص) يضرب بها المثل عندما نزل قوله تعالى (وأنذر عشيرتك الأقربين) خرج النبي (ص) ينادي بصوت عال فخرجت قريش اليه لترى ما الخبر و وقفت فاطمة (ع) ترقب أباها وما سوف يدور بينه وبين القرشيين من أهله فقال : يا معشر قريش أشتروا أنفسكم ولا أغني عنكم من الله شيئا .. يا بني عبد مناف لا أغني عنكم من الله شيئا يا عباس بن عبد المطلب يا عم رسول الله لا أغني عنك من الله شيئا ويا صفية بنت عبد المطلب يا عمة رسول الله لا أغني عنك من الله شيئا ويا فاطمة بنت محمد سليني ما شئت من مالي ولا اغني عنك من الله شيئا .
وتقول الدكتورة بنت الشاطيء تعليقاً على هذا الموقف : وخفق قلب فاطمة حناناً وتأثراً فهمست تقول : لبيك يا أحب والد وأكرم داع .
ثم جمعت نفسها وسارت بين الناس مرفوعة الهامة مشرقة الأسارير وكأنما أزدهاها أن يختارها أبوها (ص) من بين أخواتها جميعاً بل من بين أهل بيته الخاص ليؤكد للبشر أنه لا يغني من الله شيئاً عن أعز الناس واحبهم اليه وادناهم منه لقد بدأ بقريش قومه وقبيلته ثم ببني عبد مناف عشيرته الآخرين ثم بعمه العباس بن عبد المطلب ثم بعمته صفية بنت عبد المطلب ثم كانت أبنته فاطمة (ع) هي آخر من يتخذه النبي (ص) مثلاً في ذلك الموقف الجليل فعندها أذن ينتهي أقصى ما يبلغه (ص) لا يغني عن أبنته فاطمة الزهراء (ع) من الله شيئاً.
وليست هذه هي المرة الوحيدة التي يضرب المصطفى (ص) بها المثل تأكيداً لما يريد نشره وترسيخه في أمنه من مبادئ وحدود واخلاق .
وبعدها انصرف القرشيون من الموقف الذي جمعهم فيه المصطفى (ص) فأطمأنت فاطمة الزهراء (ع) أن هذا الموقف قد مر بسلام وهرولت بنت الثامنة مسرعة الى بيتها و أرتمت في أحضان امها خديجة (ع) و الدموع تملأ عينيها من الفرحة كأني بها والدنيا لا تسعها من فرط سرورها وربتت الأم على ابنتها حانية وهي تسمع منها حديثها الفرح .
وتألمت الأم في الوقت نفسه وكأنها كانت تحس بأن نهاية العمر قد أقتربت وأن فاطمة ما زالت في عمرها الغض والرسول (ص) يلاقي العنت من الكفار والمشركين والمعاندين مثله مثل أي نبي كان قبله وسوف تلاقي معه فاطمة مصاعب الدعوة فهي أبنته التي لا تنفصل عنه وهي الصغرى التي حظيت بحب أبيها المصطفى (ص) وقربها منه ومرافقتها له .
واحست الزهراء (ع) بفطنتها ما يدور في خلد الأم وما سوف تلاقيه من العذاب والعنت الذي ينتظرها مع أبيها من أذى قريش وغير قريش من المعاندين ومن الضاربين بقضية التوحيد عرض الحائط ومنهم المتمسكون بأصنام لا تضر ولا تنفع لمجرد أنهم وجدوا أباءهم على عبادتها عاكفين .
ودار حديث ذو شجون بين الأم وبين الزهراء الطاهرة أطمأنت فيه الأم على مدى صبر أبنتها على المعاناة فقد بدأت تحتمل العذاب بقدر ما أستأثرت به من الحظ الأوفى في محبته وأعزازه .
وقد تزوجت بسيدنا الأمام علي (ع) وكان زواجاً مباركاً ميموناً وقد مشى النبي (ص) الى بيت الأمام علي بن أبي طالب (ع) وتم الزواج المبارك ودعا لهما في نسلهما اللهم أنهما من أحب الناس ألي فأحبهما وبارك في ذريتهما وأجعل عليهما منك حافظاً واعيذهما بك وذريتهما من الشيطان الرجيم وعندما رزقا بالحسن والحسين (عليهما السلام) وبقية أولادهما .
كان الجميع يتمتعون بحب النبي (ص) فقد أحب فاطمة واحب زوجها علي بن ابي طالب (ع) وأحب أولادهما بنيناً وبنات (عليهم السلام) وقد أعتبر اهل العلم أن فاطمة الزهراء هي رأس أهل بيت رسول الله (ص) قال تعالى :
( أنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا )
في أسباب النزول قيل أن هذه الآية نزلت في خمسة : النبي (ص) وعلي وفاطمة والحسن والحسين (عليهم السلام) وقيل أن رسول الله (ص) قام حين نزل عليه الوحي فأخذ علياً وأبنيه وفاطمة (عليهم السلام) فأدخلهم تحت الكساء ثم قال ( رب هؤلاء اهلي وأهل بيتي ) .
طالب مرزة الخزاعي – بغداد
AZPPPL